الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرأسمالية الوطنية المتوحشة

الرأسمالية الوطنية المتوحشة
الرأسمالية الوطنية المتوحشة




د. محمد محيى الدين يكتب:

عندما يرتبك المشهد الاقتصادى وتطل علينا الأزمات الاقتصادية بوجهها القبيح والتى أصبحت حديث الصباح والمساء لكل مصرى يحلم بالاستقرار والتنمية ويأمل أن يعيش هو وأبناؤه فى ظل دولة تحترمه كإنسان وتوفر له احتياجاته الأساسية من تعليم جيد وصحة يواجه بها الحياة وسكن ملائم وعندما يصبح هذا الحلم مع محدوديته صعب المنال فإننا نرنوا بنظرنا للقدوة من الماضى غير البعيد نتعلم منه الدرس ونستلهم الحل.
ولعلنا هنا نتذكر أحد الاقتصاديين الذين لم يجد الزمن علينا بالكثير منهم كان الاقتصادى الوطنى طلعت حرب والذى أنشأ منظومة وطنية شملت صناعة وطنية فى المحلة الكبرى وامتد نشاطه الاقتصادى والحضارى ليشمل الفنون بل والمسرح وتم كل ذلك بأموال وعمل المصريين واستطاع أن يؤسس تلك المنظومة فى ظل سيطرة اجنبية على الاقتصاد المصرى وحقق من النجاحات التى شجعت المستثمرين المصريين الآخرين على إنشاء صناعات عدة فتفوقنا فى انتاج القطنيات وشهدت مصانع الزجاج تطورا غير مسبوق وإلى غير ذلك من الصناعات واوجه الاستثمار الوطنى والتقط عبد الناصر الخيط فى الخمسينيات وبادر بتمصير الشركات الأجنبية ومن ثم تحرير القرار السياسى وتحجيم الدور الأجنبى فى صناعة القرار السياسى المصرى وانطلقت بعدها الصناعة الوطنية ممولة بقروض خارجية وبإدارة مصرية وعمال مصريين وبزغ نجم مهندسى التنمية الصناعية أمثال عزيز صدقى وآخرين ومع كل ما يمكن ان يقال عن هؤلاء الرواد سلبا أو ايجابا فقد تمكنا فى نهاية الستينيات من إنتاج احتياجاتنا من الأجهزة الكهربائية وأدوات المعيشة الأخرى والحديد والصلب وإنتاج الكهرباء من السد العالى وكنا قاب قوسين أو أدنى للتحول إلى مرحلة الصناعات الثقيلة وشهدت شوارع القاهرة سيارات من صنع مصر.
من الغريب أن يكون هذا تاريخنا القريب والذى حرصنا على إهالة التراب عليه فما ان دخلنا الى حقبة السبعينيات ومع فهمنا الخاطئ للانفتاح الاقتصادى دخلت الرأسمالية بقضها وضجيجها لتمحو تلك التجربة وتشدنا تدريجيا لهدم كل ما تم بناؤه وتوحشت الرأسمالية تحت دعاوى الاقتصاد الحر وبالتدريج فتحت الأبواب للخصخصة والاستيلاء على شركات الدولة واستبدلت الصناعات ومستلزمات الإنتاج بأخرى أجنبية وتزاوج رأس المال مع السلطة وأضحى المواطن المصرى مستهلكا وغير منتج ووصل الأمر إلى أننا نستورد كل احتياجاتنا من الخارج نستزف مواردنا المالية المحدودة وأضحينا بلا صناعات تقريبا وتضاعفت فاتورة الواردات وكذلك ديوننا الخارجية والداخلية وصحيح أننا نتعرض لحصار اقتصادى يهدف الى تجويع وتعطيش مصر يساعدهم فى ذلك التردى الانتاجى والصناعى والذى جعلنا لقمة أتمنى ألا تكون سائغة لقوى الشر.
الأمل الآن معقود على الأجنبى الذى نحاول استدعاءه لجلب أمواله ليستثمرها فى مصر ونقابل بالتدلل والتمنع منه وله بعض العذر حين يشاهد الراسمالية الوطنية غير حريصة على الاستثمار داخل مصر ويتساءل الكثير أين هى المصانع التى قامت بأيدى رجال الأعمال لتساهم فى بناء مصر الحديثة وهم من هم من اغترفوا من خيراتها ولا زلنا نتذكر بأسى المبلغ الهزيل الذى جاء منهم لدعم صندوق «تحيا مصر» وحتى طبقة التجار الوسيطة بين المنتج أو المستورد استباحت لنفسها المتاجرة بأقوات المواطنين وساهمت بشكل فج فى خلق الأزمات بدءًا من التلاعب بالعملة الى تخزين وتهريب كل ما تصل إليها أيديهم.
ونحن هنا لا نشكك فى وطنية رجال الأعمال وكل ما نطلبه منهم أن التأسى بابن مصر البار طلعت حرب فلن تقوم تنمية حقيقية بأيد أجنبية ولن نصل الى استقلال لقرارنا الوطنى واقتصادنا الوطنى تحت سيطرة الأجانب ودعوتنا هنا إلى ضرورة استيقاظ ضمائر رجال الأعمال الوطنيين ليأخذوا المبادرة وقيادة التنمية بإخلاص وتكون لهم القيادة فى مختلف قطاعات الإنتاج والتصدير قبل أن يأتى الأجنبى ونتحول إلى إجراء ومستخدمين لديه ونفقد استقلال قرارنا الوطنى.