الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حوار مع منتحر

حوار مع منتحر
حوار مع منتحر




إبراهيم جاد يكتب:

صدمنى بقوله حين صارحنى أنه يريد أن «ينتحر». مجنون أنت؟ أنت ما زلت فى العشرين من عمرك. وأمامك العمر كله؛ لأنجاز كل ما تريد؛ ثم دققت فى ملامحه. أنت أكيد بتهزر؛ أليس كذلك؟ «أنا هنتحر بجد»، قالها بأسى قاطع وكأنه قد حسم أمره؛ وأن أى شىء يمكن أن أقوله لن يثنيه عن قراره؛ أحاول جاهدا استيعاب ما يقوله؛ لقد لجأ للشخص الذى لا يستطيع أن ينصح أو يعطيه جرعة تفاؤل؛ بل وربما لو كان حديثه لم يكن صداميا فجائيا؛ لكنت نظمت حفلة انتحار جماعى.
سأضطر أمام نظرات الشاب وقراره أن أكون حكيما بعض الشىء؛ وأن أنصحه؛ لماذا تريد الانتحار؟ ألا تعلم أن اللى بيموت منتحر يبقى «كافر»؟ ثم حين تصعد للسماء؛ ما الذى ستقوله لصاحب الملك؟، لقد جهزت عريضة كاملة أدافع بها عن نفسي؛ إذا تطلب الأمر ووقفت. سيدى. انظر لتلك الوجوه. هل ترى أحدًا منهم سعيدا؟ لا أظن. لقد جعل الحزن والهم منهم شبه بشريين؛ يصحو على مواعيد محددة؛ ليناموا على مهدئات وعقاقير؛ لقد اعتادت وجوههم على التكشيرة؛ حتى لو حاولوا الابتسام؛ فإن عضلات الوجه لن تتحمل. لأنها لم تعتد أن تتحرك بحرية؛ الابتسامة أصلا تحتاج لجهاز عصبى سليم. إننى لم أضحك منذ سنوات؛ إننى اتمنى أن أضحك لكن تقاسيم وجهى أصبحت لرجل اقترب من المعاش ولا هم له إلا أن يزور بيت الله.
هون عليك يا عزيزى؛ كلنا نشتكى ونعانى؛ ولكن يصعب أن نتخذ هذا القرار. لماذا؟ لأنك تخطف روحا. أراد الله لها أن تحيا وأنت ببساطة تنتزعها؛ وهذه ليست وظيفتك. أنت يجب أن تحب. ربما يكون الحب سببا فى أن تعيش ويدق قلبك وتعود لتضحك. يا سيدى أنا مرتبط بفتاة؛ وحين تقدمت لخطبتها؛ وضعوا حبلا على عنقى؛ مصاريف؛ جهاز؛ عفش؛ ذهب. وأنا لست ابنا لواحد من المليونيرات الذين يظهرون على الشاشة. أننى أعمل 18 ساعة يوميا حتى استطيع أن أوفر 1500 جنيه فى الشهر. ماذا افعل بهذا المبلغ؟ لا شىء.
سأخبر الله عما رأيته على الأرض. ساقف بين يديه وأصرخ نعم. كنت استحق افضل من ذلك بكثير. أننا نعيش يوما بيوم؛ ليس هناك اى قدر من المتعة؛ هناك فقط زحام فى الشارع وجنون فى العمل؛ نحن نأتى بأطفال للدنيا لإثبات أنك قادر «ذكوريا» وليس لمتعة صافية؛ لقد أصبح الجو خانقا؛ كل شىء يحيط بك يدعو للانهزام؛ غلاء أسعار جنونى؛ لا ضابط ولا رقيب؛ طبقة كاملة تستغيث؛ وتحاول أن تحافظ على التوازن المجتمعى؛ لكن هناك من يتلذذ بعذابات المقهورين؛ سياط تكوى أجسادنا؛ حتى لم يعد من «عضمنا»  شىء وبات يشتكى هو الآخر.
أنت تملك ذاكرة سوداء. إذا فشلت فى الحب جرب مرة أخرى. نحن نحيا ما دام هناك شهيق وزفير؛ يمكن أن تحول شهيق الهم؛ لآخر من السعادة؛ إذا كان لديك إرادة؛ والإرادة فعل وجهد؛ إذا كنت مؤمنا به؛ ستهزم كل الافكار داخلك؛ قاوم تلك الطاقة السلبية؛ وحولها للحظات من المرح؛ اسخر من نفسك ومن المجتمع؛ أهزمهم بالضحك؛ كل الخلايا السوداء؛ أجعلها مضيئة؛ ستخلق لنفسك عالما؛ لم تكن تشعر به على الإطلاق؛ لا أزال صغيرا حتى على التفكير بهذا الشكل؛ لن يقودك هذا إلا إلى الجنون. هل تعتقد أن كل الوجوه التى تفحصتها منذ قليل لم يفكر أحد فيها على الانتحار؟ ربما. لكن جزء بسيط يقاوم كل رغبة فى أن يرحل بإرادته. أن يجب أن تقاوم. ولا تستسلم لكل الشرور داخلك. هذا عالم لم يعد كما كان.
أذهب يا صديقى؛ أحلم قدر ما تشاء. دع روحك ترقص على موسيقى ساحرة. ولا تحل لنفسك شيئا حرمه الله.