الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اتحاد المسيئين لسمعة الدولة

اتحاد المسيئين لسمعة الدولة
اتحاد المسيئين لسمعة الدولة




أحمد الرومى يكتب:


القطط تأكل عيالها، خوفًا عليهم، لتحميهم! هى ترى فى ذلك ـ الفعل الوحشى ـ حنان ما بعده حنان، تأكلهم، تفنيهم فى المهد.. تلك هى العقيدة القططية، التى تتسيد شريحة تعتقد وتتفوه بأنها أحرص الناس على الدولة. ينشبون مخالبهم فى الهواء فلا يجرحون إلا أنفسهم، وكثيرًا ما يكونون سببًا فى نزيف حاد للدولة، يدفع ثمنه قادتها، يفعلون ذلك بجهل العاطفيين، أو بنوايا الانتهازيين، أو ببوليسية الأمنيين، أيّا ما كان الدافع، فالنتيجة واحدة، إنهم أشد الناس إضرارًا بالدولة، وسمعتها، وأدبياتها التى يعلنون أنهم يحترمونها.
أقول ذلك بعد أن لاحظت أن تلك العقيدة «القططية» تسيطر على تصرفات أشخاص ترى أن مساندة الدولة ما هى إلا لعبة حديثة على موقع «فيس بوك»، بعد أن تبخر حماسهم لجيم «المزرعة السعيدة»، وبهتت زهوتة، بعد أن كان يلتهم أوقاتهم وطاقتهم، فاتجهوا بكليتهم إلى الجيم الجديد «مؤيدى الدولة».
فمن خلال متابعتى الجيدة لما يدور على مواقع التواصل، ورصدى الدقيق لحالة الشارع، وقرأتى المجتهدة لما يصدر عن الدولة، وما يخرج من مطبخ الحكم، أستطيع تكوين خريطة ذهنية لشكل كل هذه التفاعلات، يمكن أن ألخصها فى النقاط التالية:
■ هناك عدد محترم من المتحمسين لجيم «مؤيدى الدولة» ينخرطون فى تدوين «البوستات» على مواقع التواصل، يهدرون طاقاتهم ووقتهم من أجل حصد «اللايكات» المشجعة للأداء الرسمى. هؤلاء يقدمون أنفسهم للمجتمع، والدولة، على أنهم إعلاميو بكرة وكتّاب المستقبل، فى نفس الوقت لم نر لأى منهم أمارة على ذلك، فلا قرأنا لأحدهم مقال فى الصميم يسند الدولة، ولا شاهدنا لأى منهم برنامج لافتًا يخدّم على سياساتها! هؤلاء يفنون أعمارهم فى مديح السلطة على مواقع التواصل، ليحصدوا الإعجابات ويوسعوا رقعة المشاركات، فمنهم من تتجاوز غنيمته ألف «لايك»، ومنهم من يحصد 17 إعجابات بالعافية ولا يدرون ـ فى خضم هذا السباق المحموم ـ أن الـ»لايك» لا يبنى دولاً، والـ«شير» لا يسند وطن»!
■ الورطة التى تعانيها الدولة ـ حتى اللحظة ـ أنها لا تملك إعلامًا قادرًا على دعمها ـ رغم زفّة «المهللتية» الملتفين حولها ـ دعم الدولة له أشكال وألوان عديدة، النقد الأمين أحدها بالمناسبة. فالنقد فى أوقات كثيرة يكون مكنونه المعاضدة والمساندة لا النيل والهدم.
العقليات القططية ـ المتسيدة المشهد ـ تروج أن دعم الدولة لا يكون إلا بالتهليل والتملق! قد يكون هناك مَن صوّر لهم أن هذه الأفعال «بتوصّل أسرع»، قد يكون. ولكن!! الدولة لا يسندها التطبيل. الكلمة الصادقة، فقط، هى مَن تسند الدولة وتدعمها، وتقوى ظهرها. هكذا يكون الدعم، بالمصارحة وقول الحقيقة، وليس بالكتائب الافتراضية.
■ فمنذ ما يزيد على عامين، وأنا أرصد «زيطة» و«زمبليطة» تصنعها شخصيات تقدم نفسها على أنها منابر وطنية صادقة ـ رغم متاجرة هؤلاء بظهورهم حول الرئيس ـ مدعين أنهم «إعلاميون جدد يسندون البلد فى وقت المحن» (!!)
تخيلوا! لقد رددوا هذا الكلام بكل جتراء، فى نفس الوقت الذى كان يُجرى فيه الرئيس ـ بنفسه ـ مداخلات هاتفية مع عدد من البرامج، ليوضح للرأى العام صورة مشوشة هنا، أو ليفسر للشارع وجهة نظر منزوية هناك، فى حين لم يكلف أحدًا من زفّة «الإعلاميين الجدد» نفسه، ليقوم بهذا العمل، الذى من المفترض (بحسب ترويجهم) أنه من صميم دورهم! فكيف يفعلون ذلك وهم منهمكون ـ يا كبدى ـ فى الدفاع عن الدولة على «فيس بوك»!
■ أستطيع أن أعدّ لكم، الآن، 20 اسما، يؤمن أصحابها بشكل مَرَضى، أنهم سبب بقاء هذه الدولة إلى الآن على وجه الأرض، بفضل جهادهم على مواقع التواصل! حتى مَن يقدم برنامجًا هنا، أو يعمل فى صحيفة هناك، يدير عمله بطريقة «فيسبوكية»، وليس بأداء إعلامى من المفترض أنه محترف، أو بمهارة صحفى يسوّق نفسه على أنه «رجل دولة»!
هؤلاء الهواة، يقتنعون، ويقنعون غيرهم، أن القيادة السياسية مازالت تحكم إلى الآن بفضل منتوج عقليتهم «الفيسبوكية» وأدائهم «التويترى»! هم متيقنون أنهم يحركون الرأى العام انطلاقًا من هذا الأداء المخجل، والمصيبة أن هناك مَن يصدقهم!
■ دعونا نكون صرحاء، إن مواقع التواصل لا تخلق رأى عام كما يروج أصحاب العقليات القططية. مواقع التواصل تشير ـ فقط ـ إلى اهتمامات الرأى العام، تمامًا كما هو الوضع عندما ينادى الممرض على اسمك فى عيادة الطبيب. ما الذى يجعلك تنهض من مكانك وتتحرك مسرعًا لإجابة النداء، ليس سلطة الممرض عليك، بل لأن هذا النداء توافق مع حاجة داخلك، ومسّ وجع تعيشه.
إذًا «فيس بوك» لا يحرك الرأى العام، ولا يخلق حالة عامة فقط، ما يتداول عليه ويلقى رواجًا فى الشارع هو بالتأكيد يمس المواطنين ويشغل اهتماماتهم. فالإدعاء بأن السيطرة على مواقع التواصل ستعدّل من سلوك ومزاج الشارع، هو ادعاء واهم وكاذب، يضر باستقرار الدولة، علاوة على أنه يسيئ لشعب له إرادة حرة، ناضجة، أتى بالقيادة السياسية الحالية، وهو مَن أنتج الوضع القائم، الذى يدعى هؤلاء أنهم أحرص عليه من الناس.
كلامى ليس غايته التحريض على هذه الفئة، أو الحث على ركل تلك العقليات القططية وهشها بعيدًا عن طريق الحكم، أو الدفع لوضع السمّ لهم فى اللحم الطرى النصف مهضوم - على العكس - ربّوا من القطط ما تشاءون، قدموا لهم اللانشون واللبن المحللى بالبسكويت، اربتوا على ظهورهم، حمّوهم وفلّوهم، دعوهم يمرحون فى حدائقكم، ولكن اجعلوهم يكفون عن التمسح فى قدام الدولة، فإنهم ملوك النكران.