الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العلاقات السعودية - المصرية أكبر من محاولات الوقيعة

العلاقات السعودية - المصرية أكبر من محاولات الوقيعة
العلاقات السعودية - المصرية أكبر من محاولات الوقيعة




بقلم - جمال السويدى

لا يختلف اثنان فى العالم العربى على أن المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية هما الركنان الأساسيان فى منظومة الأمن القومى العربى، وحجر الأساس فى أى عمل عربى مشترك فاعل وقادر على صيانة المصالح العربية العليا وتحصين منطقتنا ضد كل محاولات التدخل فى شئونها الداخلية أو النيل من مكتسبات شعوبها.. كانتا كذلك فى الماضى، وهما كذلك الآن وستظلان فى المستقبل. ولا يختلف اثنان أيضاً على أن العالم العربى يحتاج حالياً، ربما أكثر من أى وقت مضى، إلى أن تكون الرياض والقاهرة معاً فى مواجهة التحديات الصعبة والمصيرية التى تعيشها منطقتنا على مستويات مختلفة، وتضعها أمام مفترق طرق خطير سوف يؤثر فى أمنها ومصالحها لسنوات طويلة قادمة. ولذلك يسعى أعداء الأمة العربية فى الداخل والخارج، للنيل من علاقة البلدين والنفخ فى نار أى خلاف بينهما مهما كان بسيطاً وتصويره على أنه أزمة خطيرة وشقاق كبير، وهذا هو الذى جرى ويجرى منذ تصويت مصر لمصلحة مشروعى قرارى فرنسا وروسيا حول سوريا فى مجلس الأمن الدولى، والعتب السعودى الأخوى على هذا الموقف، حيث انبرى المغرضون والمرتزقة وأصحاب المصالح الخاصة للتضخيم من التباين فى وجهات النظر بين السعودية ومصر واختلاق القصص والأخبار وبث الشائعات من أجل توسيع الفجوة وزيادة الاحتقان بين البلدين الشقيقين، استمراراً لمحاولات لم تتوقف خلال الفترة الماضية لتصيد أى كلمة أو تصريح أو حتى عبارة فى برنامج تليفزيونى أو مواقع التواصل الاجتماعى لتأويلها واستنطاقها بما ليس فيها وتوجيهها لخدمة الهدف الأكبر، وهو زعزعة الكتلة العربية الصلبة التى تشكلت بعد 2013، وأهم أركانها مصر والسعودية، وهى الكتلة التى أفشلت كل المؤامرات الخطيرة التى استهدفت المنطقة وشعوبها متدثرة بشعارات برّاقة ودعاوى خادعة.
يؤكد التاريخ أن العالم العربى يكون قادراً على مواجهة الأخطار التى تحيط به والتصدى للتحديات التى تواجهه حينما تكون العلاقات المصرية - السعودية بشكل خاص، والمصرية - الخليجية بشكل عام، قوية ومتناغمة، حدث ذلك فى حرب أكتوبر عام 1973، وفى حرب تحرير دولة الكويت فى عام 1991، وفى التصدى لمخططات الفوضى التى تسترت وراء ما سمى «الربيع العربي» بعد عام 2011، وفى عاصفة الحزم التى تُعدُّ من أكثر القرارات العربية أهمية وحسماً فى مواجهة مهددات الأمن القومى العربي. ولذلك فإن العلاقات بين مصر والسعودية ليست شأناً سعودياً - مصرياً فقط وإنما هى شأن عربى عام، وكل عربى مخلص يعرف قيمة وأهمية العلاقات بين هذين القطبين العربيين الكبيرين يدرك أن كل من يسعى فيها بسوء هو عدو للعرب وحتماً لا يريد لهم الخير. إن كل من يريد زعزعة الأمن القومى العربى والنيل من استقرار المنطقة يوجه سهامه أول ما يوجهها إلى العلاقات المصرية - السعودية، ولا يحتاج أى مراقب أو باحث مدقق الكثير من الجهد للتعرف على الأهداف الحقيقية لمحاولات ضرب العلاقة بين البلدين فى هذا التوقيت بالذات، وهوية الجهات والأطراف والقوى التى تقف وراء هذه المحاولات.
يعيش العالم العربى مرحلة من أخطر وأحرج المراحل التى مر بها عبر تاريخه، مرحلة يخوض فيها معركة وجود ومصير، بحيث يمكن القول إن المواقف والقرارات والسياسات والخيارات العربية خلال هذه المرحلة سوف تحدد مستقبل العرب وموقعهم على خريطة العالم لعقود طويلة قادمة، ولذلك تأتى محاولات النيل من العلاقات المصرية - السعودية لإبعاد مصر ليس فقط عن السعودية وإنما عن الخليج العربى وإبعاد الخليج العربى عن مصر حتى يمكن للمؤامرات والمخططات الداخلية والخارجية التى تحاك ضد المنطقة العربية أن تجد طريقها نحو التنفيذ، وهى مؤامرات يخطئ من يظن أنه بعيد عنها أو أنها تستهدف دولة عربية دون أخرى لأنها توجه سهامها إلى الجميع من دون استثناء، وتسير فى مراحل متدرجة يؤدى بعضها إلى بعض وتخدم كل مرحلة المرحلة التى تليها.
إن مصر والسعودية، جناحا العالم العربى، لا يملكان ترفَ الخلاف والشقاق فى هذه المرحلة الفاصلة فى التاريخ العربي؛ لأن أصحاب نظريات الفوضى والتقسيم والتفجير الطائفى والدينى، لم يتخلوا عن أهدافهم ومخططاتهم وينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض ويتحينون الظروف المواتية لإطلاق أتباعهم وعملائهم فى منطقتنا، وهم كثر للأسف، لصب الزيت على النار وإذكاء الخلافات وتسميم العلاقات بين الأنظمة والشعوب، لأن هذا هو طريقهم للانتقام من الذين تصدوا لمؤامراتهم ووقفوا بشجاعة ضد مخططاتهم بعد عام 2011 وفى مقدمتهم مصر والسعودية، فهؤلاء يدركون أن القاهرة والرياض هما عمودا الخيمة العربية الكبيرة التى يتم التخطيط منذ سنوات طويلة لهدمها وإعادة بنائها من جديد بما يخدم مصالحهم فى إعادة رسم خرائط العالم العربى وفق الخطوط المذهبية والعرقية والدينية.
«الإخوان المسلمون» ومؤيدوهم والمتعاطفون معهم، وأصحاب المشروعات الطائفية المقيتة يحاولون الآن بكل قوة وإصرار استغلال الخلاف المصرى - السعودى لصالحهم؛ لأنهم وجدوا فيه ضالتهم لتصفية حساباتهم مع البلدين عبر ممارساتهم المعروفة للجميع فى الخداع والتلون وتبديل المواقف والتوجهات. فالإخوان المسلمون الذين كانوا يهاجمون السعودية بشراسة لوقوفها إلى جانب مصر فى معركتها ضد إرهابهم ومخططاتهم الشريرة ودعمها المطلق للرئيس عبدالفتاح السيسى، هم الذين يحاولون الآن أن يقدموا أنفسهم كطرف داعم للسعودية فى مواجهة إيران، والذين يذرفون دموع التماسيح على الإجماع العربى الذى يدّعون أن مصر قد اخترقته بموقفها من الأزمة السورية بينما كانوا وما زالوا هم أكبر تهديد لهذا الإجماع وأكبر مصدر من مصادر تفتيت المنطقة وتهديد وحدتها وتماسكها، فلا يهمهم سوى مصالحهم وخدمة مشروعهم، مشروع الخلافة الذى يتجاوز الأوطان ولا يعترف بها، ولا يهمهم سوى إرضاء نوازع الانتقام الدفينة لديهم من البلدين معاً ومن كل الدول العربية التى وقفت ضد مؤامراتهم وأفشلت مشروعهم، وهذا ما يعرفه ويدركه كل الحكماء والمخلصين من شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج. أما مهندسو المشروعات الطائفية والمذهبية وذوو الأطماع فى المنطقة العربية، فإن أهدافهم لا تخفى على أحد فى ضرب التحالف السعودى المصرى، لأنه حائط الصد القوى والمنيع فى مواجهة مخططاتهم، وهم يسعون بكل قوة لاستغلال الخلافات بين البلدين لصالحهم. ولعل نظرة سريعة إلى تغطيات وسائل الإعلام الإيرانية للخلافات المصرية - السعودية منذ بدايتها، ومحاولات إيران تقديم نفسها بديلاً للسعودية فى إمداد مصر بالنفط، تكشف بوضوح كيف تخدم هذه الخلافات أعداء العرب وتصب فى مصلحتهم.
هناك تباين فى وجهات النظر بين مصر والسعودية بشأن بعض القضايا والملفات الإقليمية والدولية، وهذا أمر طبيعى فى العلاقات بين الدول التى لا يُفترض فيها التماهى أو التطابق التام، ولكن فى الوقت نفسه من المهم ألا تحجب هذه الخلافات أو التباينات فى وجهات النظر مقتضيات الأمن القومى العربى المهدَّد فى الصميم، ولا أن تُترك الفرصة للمغرضين والمرتزقة والمتآمرين لكى يلعبوا بعواطف العامة ومشاعرهم ويسمموا العلاقة التاريخية الراسخة بين البلدين؛ لأن الذين يدّعون الدفاع عن مصر أو الدفاع عن السعودية فى هذا الخلاف العادى والطبيعى فى العلاقات بين الدول، إنما يضرون بقصد أو من دون قصد بالبلدين معاً ويقدمون خدمة مجانية لأعدائهما وأعداء العالم العربى والمتربصين به. ولذلك أقول إن هذا هو الوقت الذى يجب أن يقوم فيه الحكماء والعقلاء فى الجانبين بدورهم لتجاوز سحابة الصيف بين الشقيقتين الكبيرتين مصر والسعودية، فهذه ليست المرة الأولى التى تحدث فيها تباينات فى وجهات النظر بينهما ولن تكون الأخيرة، فهذا هو منطق أى علاقة بين دولتين مهما كانت قوة ومتانة المصالح التى تربطهما، لكن البلدين كانا دائماً يمتلكان القدرة والحكمة والإرادة لتجاوز خلافاتهما والمضى إلى الأمام؛ ولذلك فإن أملى كبير فى أن القاهرة والرياض سوف تفوتان الفرصة على المغرضين الذين يقتاتون على خلافاتنا ومشاكلنا.
وعلى الرغم من أن تفاعل الأحداث فى مسار العلاقات السعودية - المصرية خلال المرحلة الحالية يبعث على القلق بشكل أو بآخر، فإن الصورة ليست قاتمة تماماً لأن أصوات الحكمة فى البلدين الشقيقين بدأت تشق طريقها وتأخذ مكانها بين ضجيج المنتفعين ومراهقى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، مدركة أن ثمة من يريد أن يضع مصر والسعودية فى مواجهة بعضهما بعضاً لاستنزافهما معاً، ومن ثم صرف انتباههما عن المخاطر التى تحيط بهما وبالمنطقة العربية من داخلها ومن خارجها، وهذه الأصوات الحكيمة هى الرصيد الذى اعتمد عليه البلدان دائماً لتجاوز أزماتهما فى السابق، وهى الجسر الذى سيعبران من خلاله ويتجاوزان المشكلة الحالية الطارئة فى علاقاتهما، بإذن الله.

هذا المقال كتبه السويدى
فى تاريخ 20 نوفمبر بعنوان «الأزمة بين مصر والسعودية»