الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القاهرة التاريخية متى تعود لعصرها الذهبى

القاهرة التاريخية  متى تعود لعصرها الذهبى
القاهرة التاريخية متى تعود لعصرها الذهبى




كتب - بشير عبد الرءوف

 

منذ عقود مضت ويحتل تاريخ القاهرة الأهمية لدى الباحثين والمهتمين، حتى الهواة منهم، وكذلك البعثات الأجنبية والدول الراعية للثقافة والتاريخ والمنظمات العاملة بها أيضا، وتترجم تلك الاهتمامات فى صورة بروتوكولات أو مشروعات مشتركة أو مشروعات حكومية يمثلها فيها محافظة القاهرة أو وزارة الآثار.
وعلى مدى تلك العقود وتصدر القرارات تلو القرارات وتعتمد الملايين من الميزانيات لإتمام مشروعات بمسميات مختلفة، تارة إنقاذ القاهرة التاريخية أو إحياء تراث القاهرة، أو تحديد منطقة يغلب فيها طابع فترة زمنية بعينها لتنفيذ مشروع تحت مسمى تطويرها.
ميلاد وزير
ويأتى مشروع تطوير القاهرة التاريخية وميلاد الفكرة من جانب محافظ القاهرة الأسبق، د. عبدالعظيم وزير، الذى وضع يده على بعض مقدرات العاصمة من مناطقها التاريخية للبدء فى هذا المشروع، الذى بدأ من طريق آل البيت لاعتباره واحدا من موارد السياحة الدينية فى مصر لإحيائه واستثماره بشكل يعود بالنفع على التاريخ والسياحة والآثار، وكذلك الدخل القومى، وتم وضع لافتة كبيرة فى تلك الآونة لتوصيف المشروع بالتعاون مع وزارة الآثار وتنفيذ إحدى شركات المقاولات الكبرى، إلا أن المشروع انتهى بتآكل اللافتة الحديدية بفعل العوامل الجوية، حيث كانت هناك مشاكل فى تمويل المشروع.
ورغم تلك الخطوة التى تدعو إلى الإحباط لتوقف أولى خطوات الاهتمام بالقاهرة التاريخية، لم تتوقف المشروعات والأحلام ووضع التصورات للخروج بمناطق القاهرة التى تضم فى جنباتها ملامح التاريخ، حيث تلا ذلك الاتجاه إلى بعض المناطق التاريخية الأخرى بوضع ضوبط للبناء فى تلك المناطق، بما لا يخفى ملامحها والنظر إليها ولا تحجب عنها الرؤية، ومنها منطقة الحطابة بمنطقة السيدة عائشة بحى الخليفة فى جنوب القاهرة، بترميم عقاراتها، كواحدة من المناطق التى يعيش فيها أصحاب إحدى المهن التى اندثرت لتغير ظروف ومعطيات الحياة، وتم الإعلان حينها عن اشتراطات البناء فى تلك المناطق وتطبيقها.
ومع استمرار التصورات لإحياء تراث مناطق أخرى، جاء مشروع تطوير القاهرة الخديوية، الذى ضم عددا من الملامح، كان أولها طلاء العقارات التى تم بناؤها خلال الفترة التى بناها أسرة محمد على، كما كان هناك تصور شامل لجميع أرجاء القاهرة الخديوية، بأن يتم غلقها للمشاة فقط ويكون هناك أداة نقل خفيف متحركة لنقل المواطنين بين مناطق القاهرة الخديوية، سواء للتنزه أو لشراء احتياجاتهم، وبالفعل تم البدء فى المشروع واستمر حتى نهايات عام 2010، حيث تم طلاء العقارات الأكثر شهرة، وتم حصر العقارات المتميزة والأثرية والتى ترتبط بشخصيات تاريخية، بالتنسيق بين محافظة القاهرة وجهاز التنسيق الحضارى.
توقف مؤقت
مع أحداث يناير 2011 وما تلاها وصولا إلى ثورة يونيو 2013 وتولى د. جلال سعيد زمام الأمور فى محافظة القاهرة وتوليه محافظا لها، بدأت القاهرة الخديوية ترى نور مشروعها مجددا مع تغييرات طفيفة اختلفت باختلاف الظروف المحيطة، حيث كان الأمر بحاجة إلى إظهار نتائج سريعة ليخرج المواطن القاهرى من كبوة ما لحق بالمشروع من توقف، وجاء الاهتمام بشارع الألفى وشارع عرابى ومنطقة التوفيقية، مع الأخذ فى الاعتبار أن شركات المقاولات التى أسند إليها المشروع لم تقم على تنفيذه بالوجه الأكمل، حيث اهتمت فقط بطلاء الواجهات دون الجوانب وتغيير دوائر الصرف الصحى، كما تم اتخاذ القرار بحظر انتظار السيارات بمراحل متدرجة بمناطق وشوارع القاهرة الخديوية، تزامنا مع الانتهاء من مشروع جراج التحرير لاستيعاب السيارات، بعد منعها من الانتظار بتلك الأماكن وتوفير سيارات «وسط البلد» لنقلهم من الجراج إلى المناطق الراغبين فى الانتقال إليها، إلا أن قيمة انتظار السيارات ووجود عوائق لدى المواطنين المستهدفين فى تلك المناطق، دفعهم إلى العزوف عن تلك الفكرة مما قلل من تعظيم مشروع تطوير القاهرة الخديوية، فضلا عن أن السماح لمقاهى وكافيتريات منطقة التوفيقية باستئجار بعض المساحات التى كانت تعتبر من قبل إشغالا، سبب فى تشويه المنطقة وفرض أسعار غالية على المواطنين تصل إلى خمسين جنيها مقابل مشروبين لفردين، حيث يردد أصحاب المقاهى والمتنزهات أنهم يقضون وقتهم بالقاهرة الخديوية وأنهم مستأجرون لها من المحافظة.
ولم يكن استعادة تراث القاهرة مرتبطا بمبانيها، فحسب، فكان هناك مشروع كبير لتطوير الترام لاستعادة تراثه، وسبق وتم توقيع بروتوكولات بشأنه لتطويره باعتباره وسيلة صديقة للبيئة وتاريخية ورخيصة وتساهم فى نقل عدد كبير من المواطنين بين مختلف المناطق التى تمر بها خطوطه، إلا أن رؤية أخرى بأنه سبب فى أزمة المرور بمناطق خطوطه بالقاهرة واتهامه بالبطء، أحالت دون تنفيذ بروتوكول تطويره والحفاظ عليه، فيما لم تتغير تلك المناطق كثيرا، سوى ظهور تسريب للمياه الجوفية بمناطق امتداد رفع قضبان المترو، وارتفاع تكلفة المواصلات على المواطنين الذين كانوا يستخدمونه بالمناطق التى تم رفعه منها.
مقتل تراث
الغريب أن قرار رفع الترام واعتباره من مهملات الزمن الماضى وأنه ذو أثر سلبى على القاهرة، جاء بيان رسمى سابق لمحافظة القاهرة، جاء فيه أنه استقبل محافظ القاهرة د. جلال سعيد، سفيرة دولة لاتفيا بالقاهرة، ايفيتا سولكا، والوفد المرافق لها فاليرى اجوانتينز، وجاتس كماروتس رؤساء مجالس إدارات شركات لاتيفية، حيث تناول الحوار إمكانية مساهمة شركات من لاتفيا والتى تشتهر بصناعة القطارات وعربات المترو وتحديث الخطوط القديمة على مستوى عدد من الدول الأوروبية فى تطوير مترو مصر الجديدة وإحالته إلى ترام سريع يربط بين القاهرة والقاهرة الجديدة.
وأكد المحافظ خلال اللقاء بأن هناك تعاونا فى هذا الصدد ما بين محافظة القاهرة ووزارة النقل بتمويل من البنك الدولى لتطوير مترو مصر الجديدة، وأن الموافقة على القرض فى مرحلته النهائية، وهناك دراسات معدة من قبل من خلال شركات فرنسية ويابانية، وسيتم دراسة أفضل العروض الفنية والمالية لاستكمال هذا المشروع.
تذكر وثائق الترام بأن صاحب الامتياز المسيو جون فل، وتم تحرير عقد الامتياز فى 29 يناير سنة 1897 وصدر مشروع اللائحة فى 30 يناير سنة 1889، كما جاء أيضا، من مدير عام مصلحة الشركات بوزارة الاقتصاد لرئيس النيابة الإدارية بمجمع التحرير فى 20/5/1958 بأن شركة ترام القاهرة فرع لشركة مساهمة بلجيكية، تقرر تفتيش مارس وإبريل مركزها الرئيسى 1 ميدان التربون ببروكسل وليس لها فروع أخرى بمصر سوى 1 شارع ماسبيرو، المدير هنرى كودرون بلجيكى، رئيس مجلس الإدارة، سبندلر، والأعضاء: البارون امبان، جور ميزانو، محمد عزيز أباظة، ديلا كاف، لالو، لامبيوت، لويس، مونس، سرفى، وستوكنز.
كما انبثق عنه التروللى باص وكانت خطوطه خط رقم 15 الجيزة - عتبة، وخط رقم 30 العباسية - القاهرة عبر نفق عمرو بن العاص، وخط رقم 23 العباسية - إمبابة، ومؤخرا قامت محافظة القاهرة بتغيير أرقام أتوبيسات هيئة النقل العام مع تحديث أسطولها،  مما اعتبره المواطنون تغييرا لتراث نشأوا عليه، حيث يتم تدريجيا طمس الأرقام القديمة التى نشأت مع نشأة مشروع أتوبيس النقل فى القاهرة ليستبدل بأرقام جديدة.
إعادة اكتشاف
مؤخرا وفى محاولة لاستعادة رونق القاهرة وتراثها وتاريخها، أكد محافظها، المهندس عاطف عبد الحميد، أنه لدى القاهرة من المقومات التى يمكن من خلالها استثمارها وإعادة استغلالها، حيث إن بها مناطق ذات تراث عالمى وبها مناطق تحتاج فقط إلى إعادة اكتشاف، حيث وجه بحصر العقارات فى المناطق التاريخية وتحديد قرار كل عقار، وكذلك تحديد العقارات التى تحتاج إلى ترميم منها وما تجب إزالته.
المثير فى مثل تلك المشروعات أنها - على حد قول عبد الحميد - ترتبط بالمسئول الذى أصدر قراره وتوجيهاته بشأنها وتنتهى برحيل ذلك المسئول، دون أن تكون هناك استراتيجيات واضحة ومحددة ومستقبلية بشأن المشروعات القومية، التى يجب ألا ترتبط بمسئول بعينه، حيث إنها مشروعات وطن.
وينطبق ذلك على واحد من المشروعات التى كان قد تم البدء فيها فى سوق السلاح بحى الدرب الأحمر، بإعادة ترميم وطلاء العقارات القديمة هناك، مع إعادة تشغيل فرع لإحدى الشركات التاريخية هناك، والذى لم يقم رئيس حى باتخاذ إجراءات نحو الاهتمام به رغم أنه من ثوابت المنطقة، إلا حين تم توجيه ذلك من المحافظ.
فى إبريل 2015 قال محافظ القاهرة السابق، د. جلال سعيد، إن حكومة لاتفيا ستقوم بتطوير حديقة الأندلس وكوبرى قصر النيل واستخدام أحدث نظم الإنارة البانورامية من خلال أضواء مميزة وصديقة للبيئة مباشرة وغير مباشرة لإعطاء صورة جمالية للمكان.
وكان هناك مشروع كبير تسلمت محافظة القاهرة نسخة منه، عبارة عن تصور مدروس لتصميمات حديقة الأندلس وكوبرى قصر النيل، حيث أعلنت السفارة ذلك فى حفل رسمى، تم عرض المشروع خلاله، نظرا لما تتمتع به حديقة الأندلس بمكانة لديهم، باعتبارها شهدت تصوير الأفلام التى غنى فيها العندليب الأسمر، عبد الحليم حافظ، حيث يكنون له مكانة خاصة.
ورغم كل تلك التصريحات الرسمية كان الواقع مختلفا، حيث قام البنك الأهلى بتطوير كوبرى قصر النيل بحوالى 8 ملايين جنيه، وكذلك أسود قصر النيل، حيث خرج العمل بشكل، وإن كان فى ظاهره التغيير، إلا أنه لم ينقل الصورة التى كان عليها الكوبرى، وكذلك الأسود الأربعة، فى حين لم يحصل مرممو التماثيل على أى مزايا أو مكافآت ضمن مشروع التطوير، حيث رصدت «روزاليوسف» احتساء المشروبات على نفقتهم الخاصة.
ولعل من المشاهد الخاصة جدا فى محافظة القاهرة، إعادة رونق حديقة الديوان العام للمحافظة لما كانت عليه فى زمن الملك فاروق، حيث تم إعادة تركيب الأرصفة والبلاطات كما كانت عليه مسترشدين بمتخصصين والصور القديمة للحديقة، وكذلك حديقة الزهور التى تتوسط حديقة الديوان بجميع تفاصيلها.
الرسالة
وعلى الرغم من تمتع منطقة الفسطاط بأهميتها على مدى الأزمنة، ورغم علم جميع الجهات بالرسالة التى تقدمها تلك المنطقة للعالم أجمع باحتوائها على مجمع الأديان، إلا أنه لم ينتبه أحد لتلك الرسالة، إلا عندما وجهت محافظة القاهرة إليها «روزاليوسف» بأن منطقة مجمع الأديان تحوى تراثا مهما ورسالة للعالم أجمع نحن أحوج إليها، بأن واحدا من أقدم المعابد اليهودية يقع بها، ويجاوره الكنيسة التى لم تهدمه، وإلى جوارهما المسجد الذى لم يهدم أى منهما، وكان ذلك بمثابة رسالة للعالم بالتركيبة الخاصة لمصر والمصريين.
وعلى الرغم من أن منطقة الجمالية فى حى وسط القاهرة ذات تاريخ خاص تحمل شوارعها أسماء المهن الخاصة بالمنطقة والتى اندثرت وتحولت إلى واحد من التراث، الذى يجذب زوارا من جميع أنحاء العالم، وتقام لها المعارض وورش العمل على هامش الندوات الثقافية والتاريخية، تم تغيير أسماء الشوارع التى حملت أسماء تلك المهن، ليندثر ما تبقى من أثر، على اعتبار أن ذلك كله أشياء قديمة ولا بد أن تطالها يد الحضارة، فى الوقت الذى تتعلق فيه الشدات الخشبية والحديدية منذ سنوات لمنازل تحتاج إلى ترميم، دون أن تطالها يد الحضارة.
وبالعودة بالنظر إلى ميدان التحرير سبق وتقدمت «روزاليوسف» باقتراحها لتطوير الميدان، عندما شرعت المحافظة فى تطويره وإنشاء نصب تذكارى بالميدان، حيث قامت بإجراء استطلاع للرأى بين فئات العمر المختلفة لاستبيان الآراء حول الصورة المرغوب خروج الميدان بها، حيث جاءت الآراء بين جميع الفئات العمرية بعودة الميدان إلى ما كان عليه فى الثمانينيات من القرن الماضى، خاصة أن الميدان ما زال يحمل جميع التفاصيل ويحتاج إلى إعادة الرونق السابق، مع إعادة النصب التذكارى الذى كان قد وضعه الملك فاروق، وصنع خصيصا فى العاصمة الإيطالية روما، والذى تم رفعه فى السبعينيات وترددت الأنباء أنه فى مخازن محافظة القاهرة.
رائعة الجنوب
ما زالت حلوان تراود حلم الأثرياء بأن يكون لهم فيها متنزه واستعادة روح التاريخ المهم بها وأهميتها الطبية كواحدة من روافد الاستشفاء، حيث كان هناك مشروع - بحسب بيانات المحافظة - حيث سبق وأعلنت منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات عن البدء فى دراسة وتخطيط تطوير منطقة كابرتاج حلوان وحديقة «هابى داى» وعيونها الكبريتية لإعادة مدينة حلوان بجنوب العاصمة إلى سابق عهدها كمشفى عالمى له سمعته بجوها الجاف المميز ومياهها المعدنية التى كانت مقصدا لأعداد هائلة من الزوار من أوروبا وباقى دول العالم.
على أن يتم وضع مخطط متكامل لإنشاء مركز استشفاء علاجى عالمى لاستغلال هذا الموقع الذى يحوى العديد من العناصر، قلما توجد فى أماكن أخرى، والحرص على الحفاظ على الأماكن الأثرية التى تشعر زائريها بعبق التاريخ، مع تطوير ورفع كفاءة المناطق والمساحات الخضراء المحيطة بها، بحيث تتحول لمنطقة جذب سياحى خاصة السياحة العلاجية.
ولا تقل حلوان بجميع مناطقها أهمية عن القاهرة التاريخية، فهى جزء منها، اهتم بها السابقون واكتشفوا أهميتها ووضعوا الخطط لاستغلال ثرواتها بما يعود على الوطن والمواطن بالنفع فى كل مكان، إلا أن مشروعات استعادة رونقها تتوقف دائما عند التصريحات، وكانت المشكلة الأكبر التى تواجه المحافظة لكى يمكنها من الاهتمام بحلوان هو سوق محطة المترو «العشوائى» الذى أزيل أوائل أكتوبر 2015، وكان إنجازا غير مسبوق ويحتسب لنائب المحافظ للمنطقة الجنوبية السابق، اللواء. سيد نصر، إلا أن الأمر توقف عند تلك النقطة، ولم يتم النظر إلى ما تقتنيه حلوان من ثروات طبيعية وجمالية، حيث كانت حلوان مزارا عالميا وأعدت لها المشروعات القومية والفنادق التى كانت تستقبل زائريها من جميع أنحاء العالم، حيث إنه ما زالت معطياتها التراثية قائمة تبحث فقط عمن يعيد لها رونقها ويمحو الأتربة التى غطتها.