الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
موتوا بغيظكم
كتب

موتوا بغيظكم




 


  كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 28 - 11 - 2009


كامب ديفيد ليست خطيئة والسلام هو الذى أعاد إلينا سيناء
ما يفعلونه معنا الآن فعلوه مع عبدالناصر وورطوه فى الحرب
لم يكره الشتامون أحداً مثلما كرهوا السادات.. والأسباب معروفة
مبارك يحترم الجميع ولا يبحث عن زعامة على حساب مصالح المصريين
مصر حافظت على كرامتها واستقلالها ولم تقع فى فخاخ التوريط
قطر التى لم تقدم شهيداً ولا قطرة دماء هى التى تحرض ضد مصر
رغم الجراح والآلام والأحزان.. مصر لن تكفر بعروبتها

مصر أولاً وقبل كل شىء، فلا عواطف مع المصالح
القومية العربية ولدت فى أحشاء فلسطين وتدفع ثمن انقسامات العرب
موتوا بغيظكم.. لأن كامب ديفيد هى التى أعادت سيناء لأحضان الوطن، ولو سرنا وراءكم لكان مصيرها هو نفس مصير الجولان والضفة الغربية، ولا تستطيع مصر وشعبها أن تصبر على الاحتلال، أو أن ينام شبر واحد من التراب الوطنى فى أحضان المحتل.
موتوا بغيظكم.. لأن السلام هو الذى حقق لهذا الوطن الهدوء والاستقرار، وبدء معركة البناء والتنمية، ولولا ذلك لكانت مصر فى أسوأ حال، ولكان شعبها يمد يده إليكم الآن للعون والمساعدة، فتديرون ظهوركم له، وتسخرون من تضحياته، وتشمتون فيه.
موتوا بغيظكم.. لأن المصريين - فى غالبيتهم - يؤيدون السلام ولايريدون الحرب، ولايريدون أن يضحوا بأولادهم ويحكموا على أطفالهم باليتم.. وهم ينظرون إلى المستقبل بعد أن دفعوا ثمنا فادحاً فى أخطاء الماضى.. فلماذا تريدون منهم أن يحاربوا وحدهم؟
ما علاقة كامب ديفيد بمباراة الجزائر؟
أصبحت كامب ديفيد عقدة مزمنة لدى بعض الجماهير العربية، ورغم مرور أكثر من 23 سنة على المعاهدة، إلا أنها أصبحت مثل الجرح الغائر الذى يزداد نزيفا كلما مضى الزمن، فيصب علينا القيح.. قيح الغل والحقد والكراهية، وكأن قدر مصر قد حكم عليها أن تظل فى حالة حرب حتى يرضى عنها الإخوة الأعداء.
فى أحداث الجزائر الأخيرة، رفعوا شعارات ضد السلام وكامب ديفيد، ورددوا عبارات الشماتة واتهامات بالارتماء فى أحضان إسرائيل، وخيانة القضايا القومية والعروبية.. فما علاقة مباراة فى كرة القدم بكل هذا؟!
الملاحظ أيضا أن لوبى الغل العربى لا يمل من استخدام هذه الاسطوانة المشروخة فى كل مناسبة.. فى أحداث غزة والجرائم الإرهابية فى سيناء ومباريات كرة القدم.. كلما اتزنقوا فى موقف أخرجوا من دفاترهم القديمة كامب ديفيد.. وهم يتصورون أنها خطيئة يجب أن نتوب ونستغفر عنها.. ولكن الجاهل والحاقد لا يعرف مرارة الاحتلال ولا حلاوة الاستقلال ولا معنى العيش فى سلام.
الكراهية قديمة وليست جديدة
جاءت فكرة القومية العربية بولادة قيصرية متعثرة، لأنها ولدت فى أحشاء فلسطين، وظلت حتى اليوم تدفع ثمنا فادحاً للصراعات العربية حول مائدة فلسطين، حتى الفلسطينيون أنفسهم صاروا أكثر كراهية لبعضهم من أعدائهم.. وكان على مصر أن تحتضن هذه النار وأن تكتوى بها.
احترف العرب الخطابة أكثر من الفعل، والتخوين أكثر من الاعتراف بالجميل.. ولم تسلم مصر من لسانهم سلما أو حربا.. وللأسف الشديد فإن بعض القوميين والناصريين يتحدثون الآن عن الماضى السعيد للقومية العربية، وكأنها كانت أمجادا فى أمجاد، ثم تدهور حالها الآن بسبب تراخى مصر وانسحابها وتراجعها.
لو عادوا قليلا للوراء، ربما تذكروا أن أول من دفع ثمن الغل والشماتة العربية هو عبدالناصر مؤسس القومية العربية، ومنذ اللحظة الأولى أحكموا حوله حصار الشتائم والتخوين، ولم يتركوه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن لملم جراح العروبة فى أحداث أيلول الأسود فى الأردن، التى تعرض فيها الفلسطينيون لمذبحة شقيقة، تعرضوا لمثلها أيضا فى لبنان وسوريا وتونس، وأينما حطت رحالهم.
دفعوا مصر إلى الحرب بالتوريط
لم يكن جمال عبدالناصر يفكر أبدا فى الحرب ضد إسرائيل.. ورغم ذلك فقد زجوا به إلى حرب لم يكن مستعدا لها، فتوقفت كل خطط التنمية والبناء، واستنزفت الحرب كل موارد البلاد.. بعد أن استفزوا عبدالناصر، واتهموه بأنه لا يصلح قائدا للقومية العربية، وأنه حليف إسرائيل ويركع تحت أقدامها.
حدث ذلك سنة 6691 قبل حرب يونيو بعام واحد، عندما ضربت الطائرات الإسرائيلية دمشق فخرج البعثيون فى الشوارع يهتفون بسقوط عبدالناصر، وخطوة بخطوة تورط عبدالناصر وتم الزج بمصر فى حرب ألحقت بها هزيمة بشعة.. ثم خرج البعثيون بعدها فى الشوارع يهتفون بسقوط عبدالناصر، لأن المهزوم لايصلح أن يكون قائدا للقومية العربية؟
لو عادوا لقراءة كتب التاريخ، سوف يجدون حقائق مذهلة مدفونة فى طى النسيان، ويوهمون الناس بأن أيام عبدالناصر مع العرب كانت سمناً على عسل، وأن مصر كان لها دور وذراع طويلة من المحيط إلى الخليج.
ولأن المؤمن لايلدغ من جحر مرتين، فقد رفضت مصر طعم التوريط مرة أخرى، وحافظت على استقلالها الوطنى وكرامتها وكبريائها.. ولكن هذا لايعجب المناضلين العرب، الذين يحركون الجماهير الغاضبة لتهتف ضد مصر وشعبها، ولاتجد شيئا تعايرنا به سوى السلام الذى أعاد إلينا أراضينا.. بالدماء والتضحيات.
السادات.. ومعركة تجويع مصر
اللعبة كانت مختلفة مع السادات، فبعد الحرب أداروا ظهورهم له ولم يقدموا له شيئا، فلم يكن أمامه إلا السلام حتى يتفرغ لبناء بلده، فلما خطا خطواته الأولى أعلنوا حوله الحصار وقاد صدام العرب خطة تجويع مصر، وحصار شعبها، بشكل لم يفعله الاستعمار.
رفض السادات اللعبة الخبيثة بأن يدفعوا له عدة مليارات من الدولارات، مقابل أن يتراجع عن السلام، ولكن الزعيم الذى خرج منتصرا فى الحرب، أراد أن يستكمل بالسلام تحرير الأرض، وقالها بصريح العبارة أنه سيحرر أرضه ويشربوا من البحر.
لم ينل أحد من شماتتهم وشتائمهم مثلما حدث مع السادات، ولكنه ظل صامدا ولم يتراجع، واستمر فى تمسكه بالسلام.. وهذا هو سر الكراهية والعداء الرهيب للسادات.. وأيضا سر حب المصريين له، لأنه كان يعرف مصلحة بلده أولا وجعلها قبل كل شىء، ولو لم يفعل ذلك كنا مازلنا عند نقطة الصفر.
مبارك.. الزعيم عف اللسان
لم يهرول مبارك نحو العرب إبان توليه السلطة، ولم يسع إلى إنهاء القطيعة، إلا بما يتلاءم مع كرامة مصر، وعزة شعبها، وأعلنها صريحة منذ البداية بأن العرب إذا أرادوا أن يعودوا لمصر دون شروط أو إملاءات فأهلا وسهلا، ومضى فى طريقه نحو استكمال خطة الانسحاب من سيناء.
يُشهد للرئيس مبارك أنه دائما عف اللسان، لاينطق لسانه حرفا لايليق بمكانته واحترام بلده، يترفع عن الصغائر، ولايتدخل فى شئون الدول الأخرى، يحترم الجميع ويحترمه الجميع، ويقود بلده بهدوء وقوة، ولم يعبأ بالبحث عن زعامة أو شعبية تكون على حساب مصلحة بلده، أو تدفعه لمواقف غير مأمونة العواقب.
حافظ الرئيس على السلام وعلى سلامة وطنه ومواطنيه، ولم تنجح محاولات الاستفزاز الهائلة التى تتعرض لها المنطقة فى سنوات حكمه إلى جرجرة مصر فى أى صراع أو نزاع إقليمى أو دولى، وقاوم الضغوط الرهيبة التى استهدفت توريط مصر.
يتصور البعض، خصوصا لوبى الشماتة والمتعاطفين معهم، أن مصر يمكن أن تكون لها زعامة إذا تطاولت على غيرها أو هددتهم أو أن تحرك ضدهم المؤامرات دون أن يدركوا أن الزمن تغير، وأن العالم أصبح أحادى القوة، ولم يعد فيه مجال للعب على القوتين الأعظم، أو استثمار قوة ضد قوة.
مصر لن تكفر بعروبتها
رغم المعاناة والجراح والآلام فإن مصر لم ولن تكفر يوما بعروبتها، وستظل تلعب دور الحارس الأمين على وحدة الصف العربى، توحد ولا تفرق، تصون ولا تهدد، تصادق ولا تعادى، تحترم الشعوب العربية وتمد لها يد المساندة والدعم، ولا تتخلف أبداً عن أى نداء من أجل العروبة وقضاياها المصيرية.
مصر لم ولن تتخلى عن التزاماتها التاريخية بالقضية الفلسطينية، وستظل تعمل من أجل السلام العادل والدائم فى المنطقة، وتقف فى وجه الأطماع الإسرائيلية وسياسة الاستيطان والتهام أراضى الغير، وتقف فى ظهر الفلسطينيين تدعمهم وتؤيدهم فى مواجهة الأطماع الإسرائيلية.
مصر ستظل تعمل من أجل المصالحة الفلسطينية ورأب الصدع ووحدة الصف، فهى الطرف الذى يقف على مسافة واحدة من الجميع، لا يستثمر صراعات أو خلافات، ولا يؤجج أحقادا أو ضغائن، هدفها هو إعادة اللُحمة والوفاق، حتى يتقدموا صفاً واحداً تجاه حلم إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
لماذا - إذن - لا يحلو للدولة التى لم تضح بقطرة دماء واحدة من أجل فلسطين أن تحرض الآخرين، مثلما تفعل دولة قطر التى لا تترك فرصة إلا للتحريض ضد مصر وشعبها، ولا يختلف موقفها فى الأزمات السياسية عن مباريات كرة القدم، وتلعب أدواراً مشبوهة من أجل الفرقة والتشرذم وشق الصف العربى.
العلاقة بالعرب.. عواطف أم مصالح؟
بات واضحا أن العلاقات التاريخية ووشائج الأخوة واللغة والثقافة، لم تعد كافية لمواجهة موجات الغل والحقد التى تهب على مصر وشعبها، لم يعد ينفع أن تحدثهم عن تضحيات هم جاحدون بها، لأن نكران الجميل أصبح لغة التفاهم الوحيدة بين بعض الشعوب العربية، ولا تنفع معه أخوة ولا تاريخ.
المصالح المصرية العليا تحتم أن تكون لمصر مظلة عربية، لأنه لا يمكن أن تعمل وحدها فى محيطها العربى، ولكن أن يكون ذلك قائما على لغة المصالح لا العواطف، هات وخد، فهكذا يتعاملون مع غيرهم من دول وشعوب العالم، ولانريد منهم أكثر مما يفعلونه مع غيرنا.
لغة المصالح تحتم ضرورة أن نعيد إلى الحياة مبدأ المعاملة بالمثل، على المستويات السياسية والدبلوماسية والشعبية، فلا يصح أن يعاملوا هنا معاملة الملوك، ويعاملوا المصريين معاملة الأسرى تحت رحمة الكفيل.. هذا النظام البائد الذى يعود لعصور الجاهلية.
لا ينبغى أن يخرج من صفوفنا من يقف ضد مصلحة بلده وشعبه من أجل أن يناصر قضايا وهمية ضيعنا فيها عمرنا، ليس معقولا أو مقبولا أن يتصدر الصورة سياسيون ومثقفون يدافعون عن غوغاء الجماهير الجزائرية، ويعلقون الاتهام فى رقبة الجماهير المصرية.. هم لم يفعلوا ذلك وقاموا بتكريم البلطجية والفتوات والمساجين، ولاينبغى أن يظهر مصريون أكثر حبا وتعاطفا مع الجريمة الهمجية التى كانت على مرأى ومسمع الجميع.
لن تكون أزمة مباراة الجزائر هى الحادث الأخير الذى يفتح ملف العلاقات مع العرب، ولذلك علينا أن نتعامل معهم بقوة وحسم لا نفرط فى حق ولا نضيع هدفا ولا نهدر كرامة.
مصر أولا وقبل كل شىء، مصر الدولة الكبيرة وليست الشقيقة، لأن الأخوة لم تمنع تطاولا ولم تعد صيغة مقبولة للتعامل مع بعض الشعوب التى لا تعرف سوى الجحود والشماتة.
مصر أولا وقبل كل شىء، لأنهم جميعا يفعلون ذلك ويضعون مصالح دولهم وشعوبهم فى الصدارة.. فلا عواطف وإنما مصالح.. وهكذا يجب أن تكون علاقتنا مع الجميع.


كرم جبر


Email:[email protected]