الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مولد النبى الكريم.. ذكرى وعبرة

مولد النبى الكريم.. ذكرى وعبرة
مولد النبى الكريم.. ذكرى وعبرة




كمال عبدالنبى يكتب:

يحتفل المسلمون فى الثانى عشر من شهر ربيع الأول من كل عام فى مشارق الأرض ومغاربها، بذكرى عطرة عزيزة على القلوب، هى ذكرى مولد فخر الكائنات، نبى الأمة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء (سيدنا محمد) صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين، الذى بمولده وطلعته استنار الكون وأشرقت الأرض بنور ولادته، كيف لا وهو الرحمة المهداة، والنعمة العظيمة، والأمل المنتظر الذى أرسله الله عز وجل للناس أجمعين «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» سورة الأنبياء107. فكان رحمة للبشرية كلها. وببعثته ورسالته ودعوته انقشعت الظلمات وتبدلت الأرض غير الأرض والناس كذلك، فانتشرَ العدل بعد طول سيطرة للظلم، وعمَّ الإحسان بعد طول كراهية وجفاء، وانمحت ظلمات غشيت العقول وأعمت البصائر والأبصار.
 ذكرى المولد النبوى ليست مجرد مناسبة لمولد (إنسان عظيم) فحسب، بل إنها ذكرى (مولد أمة) فبولادته عليه الصلاة والسلام ولدت أمة العرب من جديد.. لتقود العالم وتنشر الفضيلة والعدل والسلام.. وتحارب الظلم والطغيان.. وترفع شعار الفاروق الخالد (مَتىَ أسْتَعْبَدْتُمْ النْاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أمّهْاتُهُمْ أحْرَاراً؟)... أمة لا تفرق ولا تظلم ولا تضطهد، وما هى إلا عقود قليلة من ولادة المصطفى حتى ارتفعت راية (لاإله إلا الله) فى أرجاء الجزيرة العربية وفوق بلاد فارس وعلى تخوم الروم وفى شمال أفريقيا.. ودخل الناس عن طواعية ورضا واقتناع فى الدين الإنسانى الجديد الذى رفع شعار «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (256)البقرة، و(لَكُمْ دِيِنِكُمْ وَلِيَ دِيْنْ) الكافرون/6... حتى صار المسلمون اليوم مليارات من البشر.. يدينون بالفضل لصاحب الذكرى العطرة عليه أفضل الصلوات والتسليم.
لقد كَرّمَ البارى عزّ وَجَلّ نبيه المصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم فجعله سيد ولد آدم ولا فخر، وجعل مولده نورا وبركة اهتز له عرش كسرى وانطفأت به نار فارس بعد أن ظلت مشتعلة ألف عام، وربط الله بين محبة المصطفى وبين وجوب اتّباعه: بقوله: «قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبّوُنَ اللهَ فاتّبِعُوُنِيْ يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ» (آل عمران 31)
وجعل سبحانه وتعالى طاعة رسوله من طاعته عز وجل «مَنْ يُطِعِ الرَسُوُلَ فَقَدْ أَطاعَ اَللهْ» (سورة النساء 80)، واختصه بما لا يعد ولا يحصى من المناقب والمفاخر عجز العلماء عن حصرها وعدّها طيلة قرون، رغم ما ألفَّ فى ذلك من آلاف الصفحات. فلا يحصل الإيمان ولا يتم إلا بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتّىّ أكوُنَ أحَبُّ إليْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدهِ وَالناسِ أَجْمَعيْن» رواه البخارى ومسلم، وجعل الله الشهادة بنبوّته ركنا من أركان الإسلام، واختّصه بمعجزة الإسراء والمعراج، وجعل الملائكة دائمة الصلاة عليه «إنَّ اللهَ وَمَلائِكتَهُ يُصَلّوُنَ عَلىْ النَبِىّ» (الأحزاب 56)، وأيّده بالمعجزات والبراهين وبعثه للناس أجمعين عكس باقى الأنبياء والمرسلين الذين أُرسلوا الى أُمم بعينها وذواتها، وختم الله به الرسالات وأرسله للناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. ومن تمام الكرامات أن حظيت أمته صلى الله عليه وسلم، أمة الإسلام، بالتكريم وعلو الشأن، ورفع الله قدرها فوق باقى الأمم «كُنْتُمْ خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ للنْاسِ» (آل عمران 110) وما ارتفعت هذه الأمة وما شُرِّفت إلاّ بهِ صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى «لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلىْ المُؤْمِنيْنَ إذْ بَعَثَ فِيِهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلوُ عَلَيْهِمْ آيْاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ». (آل عمران/164)
لقد كانت ولادته صلى الله عليه وسلم نقطة تحول فى تاريخ البشرية، التى كانت قبل بعثته تعيش عصرا من الظلام تسوده كل صنوف الزيغ وتتخبط فى كل أنواع الظلالات، وكان الناس فى الجاهلية يتقاتلون لأتفه الأسباب، ويتخذون من الغارات مصدراً للارتزاق ويئدون البنات مخافة الإملاق ويعبدون الأصنام، فاستطاع صلى الله عليه وسلم أن يؤلف القلوب وينير الأبصار وينقى العقول ويشحذ العزائم ويرفع الهمم، وصدق الله تعالى إذ قال: «واَذْكُرُوْا نِعْمَةَ اَللهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألّفَ بَيْنَ قُلوُبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوْاناً» (آل عمران 103)، وعبّر عن ذلك الصحابى الجليل حذيفة بن اليمان رضى الله عنه حين قال: «لقد كنا فى جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير».
لقد كان يوم ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم فى يوم الاثنين، يوم سعادة دائمة للبشر وكل كائنات الوجود، وكان صلى الله عليه وسلم يحبّ يوم (الاثنين).
فقد روى (مسلم) فى صحيحه فى كتاب الصيام عن أبى قتادة الأنصارى رضى الله عنه أنه قال: سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل صوم يوم الإثنين، فقال: هذا يومٌ وُلدتُ فيه وأُنزلَ عَليَّ فيه»، وأخرج الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال «ولد النبى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ونزل على الوحي يوم الإثنين وخرج مهاجرًا يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وتوفى يوم الاثنين».
إن ذكرى المولد النبوى الشريف هى مناسبة وفرصة لكل مؤمن كى يتذكر اصطفاء الله عز وجل للنبى المصطفى من بين كل الخلائق، واصطفاءه لنا من بين كثير من الخلق لنكون من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، ولا شك أن الفرح بهذا الانتساب يجب أن يتناسب مع ما يستحقه من محبة واتباع لنهج المصطفى، والتزام بهديه، كما يجب أن تكون هذه الذكرى موعظة لكل منا يرى فيها حال المسلمين والعرب اليوم الذين تداعى عليهم الأعداء والكارهون، كما تتداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها لأن المسلمين والعرب باتوا اليوم غثاءً كغثاء السيل، لا تغنى عنهم كثرتهم العددية ولا ثرواتهم الطائلة، ماداموا بعيدين عن منهج الحق الذى جاء به صاحب الذكرى العطرة.
كما يجب أن تكون ذكرى لكل مؤمن يتذكر فيها حاله مع الله عز وجل وموقعه عما أمره الله عز وجل به «يَا أيُّها الذّينَ آمَنوُا اتّقوُا اللهَ وَكوُنوُا مَعَ الصَادقين». (التوبة/119)
إنها ذكرى ولادة أعز من فى الوجود، سيد ولد آدم، الرحمة المهداة، الشفيع لنا يوم القيامة. نسأل الله لأمتنا العافية وحياة القلوب المتشوّقة إلى حب الله ورسوله والالتزام بنهجه وشرعه والتوحد تحت كلمته وتحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وحرّى بالعرب والمسلمين أن يرجعوا للنبع المُحمّدى الصافى ويغادرون كل عوامل التفرق والتشرذم والخلاف التى يُغذيها أعداؤهم، من طائفية وعِرْقية.. وعصبيّة جاهلية مقيتة، وليستلهموا من هذه الذكرى العطرة، ومن صاحب الذكرى، المعانى والعبر التى تعينهم على تجاوز محنهم وإخفاقاتهم، ويعودون إخواناً متحابين كما أمرهم الله ورسوله.