الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إدخال الدين فى «السياسة» يعنى تقديسها.. وهو المطلوب

إدخال الدين فى «السياسة» يعنى تقديسها.. وهو المطلوب
إدخال الدين فى «السياسة» يعنى تقديسها.. وهو المطلوب




هشام فتحى يكتب:

«أنتم أعلم بشئون دنياكم» هكذا أعلن النبى محمد للناس فى «يثرب» مسلميهم وغير مسلميهم، بعد أن اعتقد قبلها أنه لا فائدة من تلقيح فلاحى يثرب للنخيل، فالرياح كفيلة بعملية نقل اللقاح للإناث، فإذا بالثمار عليلة غير ناضجة، اشتكوا له، ظنوا أن نصيحته بشأن النخيل كانت وحيا، ولم تكن، فسارع النبى بالإعلان: «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، فلا وحى لشئون الدنيا، والسياسة من شئون الدنيا، ولا وحى بشأن السياسة.
إن إدخال الدين فى السياسة من شأنه «تقديس» السياسة، وهو المطلوب، للحاكم، الذى يحصن قراراته وسياساته ودستوره بـ «الوحى»، هو يبغى تقديس حكمه، وتقديس شخصه، وعليه فإن معارضة سلطة هذا الحاكم معارضة للدين ومعارضة للإله إنها السياسة المقدسة التى حصنت نفسها بـ«الإله» و«الدين»، فأضحى الخروج على السياسة خروجا على «الإله» وعلى «الدين».
ومن العجيب أن هؤلاء الذين يؤمنون بـ «حلول» الله فى السياسة ينعون على الآخرين من المتصوفة المسلمين وعلى المسيحيين ـ مثلا ـ إيمانهم بـ «حلول» الله فى الإنسان وفى العالم ويكفِّرون (بتشديد الفاء وكسرها) لفرق أخرى نظرياتهم فى «وحدة الوجود» (ملحوظة: الكفر لغة هو التغطية والإخفاء) هم يريدون الله فقط حالا فى السياسة، رغم أن النبى صدع بها فجر الإسلام بـ: «أنتم أعلم بشئون دنياكم». لكن الحاكم يحتاج الى «تديين» علوم الدنيا ـ ومنها السياسة بالطبع ـ بغية تحصين قراراته وتقديس سياساته.
حينما حاصر «الثوار» منزل الخليفة الثالث «عثمان ابن عفان» يريدون خلعه ـ بفتوى تكفيرية من أم المؤمنين عائشة ـ صرخ الرجل بأن: «لا أخلع قميصا ألبسنيه الله»، اعتبر عثمان أن حكمه كان اختيارا من الله لا اختبارا من الناس، نعلم أن الله لم ينزل نصا مقدسا بخلافة عثمان، فطن (على ابن أبى طالب) هذا الذى تولى الخلافة بعد مقتل عثمان فطن إلى (لعبة الدين والسياسة) إذ رفض حيلة (معاوية) برفع المصاحف فوق أسنة الرماح وصرخ فى جنوده: «لا تنخدعوا إنما القرآن حمال أوجه»، يريد أن يقول: إننا نستطيع أن نجمع حزمة من السياسات المتناقضة بتأويل آيات القرآن، هذا على الرغم من أن (شيعة على) يعتقدون بأن شأن الخلافة والإمامة منصوص عليهما بالقرآن والحديث على خلاف فى ذلك مع «أهل السنة والجماعة».
لقد حكم الأمويون باسم «الغلبة» و«القوة» وكان ظاهر الحكم «إسلاما» يسمى فيه الخليفة «أميرا للمؤمنين»، لكن يكرر «الإخوان المسلمون» فى عصرنا الحاضر نفس النسق، قاموا بـ«تديين» الدستور المصرى (السابق) بالمواد (2) و(4) و(219) أثناء حكمهم للمحروسة، وها نحن نعيد ذات التناقض بدستور (الثورة) من جديد.
فالإسلام «دين الدولة»، ولا أفهم كيف يمكن إلزام الدولة ـ وهى كيان اعتبارى ـ بأن تنطق بالشهادتين وتصلى وتصوم وتحج؟!، لقد هرب الإخوان قبلا من تطبيق الدين والشريعة على مشروع «الصكوك الإسلامية» فمروره بالموافقة فى مجالسهم بالرغم من أنهم قد نصوا فى دستورهم (مادة 4) بأن: «يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»، لقد هرب الإخوان عند أول مواجهة مع «الشريعة» ففصلوا السياسة «الصكوك» ـ وما أدراك ما «الصكوك» ـ عن الدين (جبهة علماء الأزهر) بعد أن عارضته الجبهة مرتين لمخالفة المشروع لـ (الشريعة الإسلامية)، حذف الإخوان نعت (الإسلامية) من الصكوك لتمرير المشروع بعيدًا عن (الدين).
تكسب السياسة دائما وتجعل مطيتها الدين، لقد ركب الإخوان قطار السياسة السريع وربطوا (مطية) الدين عند أقرب فرع شجرة بأول الطريق، أما المادة (219) فتفسر معنى عبارة مبادئ الشريعة الإسلامية فهى تشمل «القواعد الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، تلك المادة التى أصر «السلفيون» على تضمينها الدستور «نصرة» لدين الله وإخزاء لليبراليين والاشتراكيين والاقباط (أعداء) الله!. وللآسف خذلهم الإخوان عند أول الطريق إذ فضلوا ركوب قطار السياسة السريع على الالتزام بـ «مرجعية الدين»، وللآسف الشديد فإن المادة الأخيرة من «دستور الإخوان» وأعنى بها (المادة 219) لتعطى ظهرها للمصرى الشيعى وتعطى ظهرها لزوما للمصرى القبطى، وكذلك للمصرى غير المؤمن، وإنك تستطيع بكل سهولة أن تستخرج عشرات الأحكام التى تتنكب لحرية التعبير وتعاقب الاختيار الإنسانى الحر وتدين استقلال الضمير وتكفره، برغم وجود مواد دستورية أخرى مقابلة تنتصر لحرية الفكر والرأى والتعبير، يا للعبث.
 يكفيك أن تعلم أن قانون ما يعرف بـ«ازدراء الاديان» الذى أدين تحت مظلته المثقفون وأحرار الضمير هو اجترار أكيد لقوانين الإسلام السياسى خدمة لكهنوت السياسة. إذ ليس من حق أحد محاكمة آخر على ضميره وفكره ومنتجاته العلمية، ليست صحائف الدستور وقوانينه وتفاسيره مقدسة فى ذاتها وقد صاغها بشر يخطئون ويصيبون، لقد فلتت «ناعوت» من الحبس بإيقاف التنفيذ عقابا لها على ممارستها لحريتها، حرية ضميرها وفكرها ولم ترفع سيفا فى وجه الدولة بل حاولت جاهدة الانتصار للدولة وللمواطن وللإنسان، ولكن هيهات، طالتها يد الكهنوت الدينى / السياسى المتسربل بقانون «إزدراء الأديان» وبات من الواضح أن صوت الضمير أقوى من كل سيف، فاضطر السيف إلى حبس الضمير. ولكن لم يفلت «البحيري» واجترع آلام السجن بسبب محاولته فصل الدين عن رزايا الساسة ومصائب السياسة والانتصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إصطادته يد التكفير، استندت على قانون ازدراء الأديان، وما ازدرى الرجل دينا بل انتصر للدين ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
نعم سيظل احتكار المشايخ للسياسة كهنوتا متسلطا فوق أدمغة البشر خدمة لمصالح دنيوية معلومة وأقول: حرروا دستوركم وقوانينكم من ربقة التسلط والتكفير باسم الدين، فما أتى الدين الحق إلا لرفعة الإنسان وخدمته. نعم، إن للدنيا مناهجها، وكذلك للدين مساربه لعلكم تعقلون. إن إقحام الدين فى علوم الدنيا وسياساتها ليفسد الدين والدنيا معا، وإن فصل الدين عن علوم الدنيا وسياساتها ليصلحهما معا، دعوا الدين فى قدسه وجلاله، واسلكوا فى علوم الدنيا وسياساتها، تخطئون فيها وتصيبون. أنتم أعلم بشئون دنياكم، لعلكم لحروف الكلم تعقلون.