الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اختلفوا معنا!

اختلفوا معنا!
اختلفوا معنا!




ياسر صادق يكتب:
كنت فى زيارة لأحد المستشفيات الكبيرة، وبمجرد دخولى وجدت لوحة كبيرة كتب عليها «اختلفوا معنا». والحقيقة وقفت أمام هذه الجملة كثيرا سواء أمام اللوحة أو مع نفسى، وسألت سؤالا هل صحيح نحن نقبل ثقافة الاختلاف؟ هل نحن نمارس هذه الثقافة فعلا؟ سواء على مستوى المؤسسات أو حتى الأشخاص، أم أن كلا منا يتمسك بل يتشبث برأيه؟
للأسف، فإن الواقع يقول إن نسبة كبيرة تكاد تتخطى الـ90% لا تقبل الاختلاف فى الرأى، كل شخص يعتقد أنه فقط الذى على صواب وغيره دون ذلك، وأن الحقيقة هى حكر عليه، وأنه الوحيد الذى يفهم ويعلم ويعرف فى الكون، وسألت نفسى هل من الممكن أن نصل إلى هذه الثقافة؟ وهل نقص التعليم أو انتشار الجهل هو سبب عدم تقبل الرأى الآخر؟
من الممكن جدا، لكنى عدت مرة أخرى لأرد على نفسى، طيب ما هو فى كثير من الناس على درجة عالية من التعليم ويحملون درجة الدكتوراة، وبالرغم من ذلك فإنك تجد كلا منهم متمسك برأيه إلى أقصى درجة، بل أنه يسفه رأى من يحاوره، وهذا ما نجده كثيرا فى برامج التوك شو بل أن الأمر يصل الى أن البعض منهم يترك البرنامج على الهواء بسبب اختلافه فى الرأى مع غيره، ولا أحد ينسى ما حدث بين أحمد شوبير وأحمد الطيب، المعلق الرياضى، فى برنامج وائل الإبراشى، عندما تعدى الأول على الثانى بالضرب امام الملايين، ومن البجاحة أنك تجد من قام بالتعدى يخرج علينا فى برنامجه ليقدم لنا النصائح ويتحدث عن الأخلاق والفضائل (إذ لم تستحى فافعل ما شئت).
الغريب أن كل شخص لا يتمسك برأيه فحسب، بل يصل الأمر إلى قيام كل طرف بتخوين الآخر واتهامه بالعمالة ويكيل كل طرف للآخر، حتى فى اكبر دول العالم الولايات المتحدة الأمريكية، لا أحد ينسى المناظرات التى تمت بين دونالد ترامب وهيلارى كلينتون، والردح و«الشرشحة» وكأنك فى حارة خالتى بمبة! فنحن نعشق الرأى الواحد والاتجاه الواحد، والبعض يرفض ثقافة الاختلاف لأن منطقه ضعيف.
ويوجد فارق كبير بين الأختلاف والخلاف، فالأول هو اختلاف فى الرأى، والثانى هو النزاع بمختلف اشكاله، وقد يكون الاختلاف بداية لحوار ونقاش، بينما الخلاف هو بداية لقطيعة، ثم تجد من يقول لك أن الاختلاف لا يفسد للود قضية أو كما قال الأمام الشافعى رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، هل هذا الكلام أصبح مجرد شعارات من الواضح ذلك.
المؤكد أنه لا يوجد أحد دائما على صواب، وأيضا لا يوجد احد دائما على خطأ، بل أن الأنسان ـ أى انسان ـ كثيرا ما يتخذ قرارا فى يوما ما وتجده مقتنعا به اشد الأقتناع ورفض الأستماع لأى نصيحة فى ذلك الوقت حتى من المقربين له، ثم تجده بعد عدة سنوات يعترف بخطأ قراره، فما الذى حدث؟
الذى حدث هو أنه اكتسب خبرات فى الحياة جعلته يحسب الأمور بشكل مختلف، أكثر نضجا، لكن المشكلة أن كثيرا من الأشخاص ـ خاصة المسئولين منهم ـ يرفضون أى رأى يختلف معهم أو ينتقدهم، بل أن رد فعلهم يكون محاربة الشخص الذى اختلف معهم، فهم يريدون سماع من ينافقهم أو يطبل لهم، بالرغم أن اختلاف الآراء يؤدى إلى تنوعها وطرح أفكار جديدة.
ويقول ابن القيم «أن الاختلاف بين الناس أمر ضرورى ولا بد منه لتفاوت أغراضهم وقوى إدراكهم وأفهامهم».