الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«ابن أثال» و«سرجون» و«ابن بختيشوع» شهود على سماحة الإسلام مع النصارى واليهود

«ابن أثال» و«سرجون» و«ابن بختيشوع» شهود على سماحة الإسلام مع النصارى واليهود
«ابن أثال» و«سرجون» و«ابن بختيشوع» شهود على سماحة الإسلام مع النصارى واليهود




كتب - علاء الدين ظاهر


كشف الدكتور أحمد الشوكى مدير عام متحف الفن الإسلامى أن الحضارة الإسلامية تؤمن بالتنوع رغم أن الوحدة تمثل جوهرها، وطبيعة الدين الإسلامى أنه لا يحجر على الأديان الأخرى ولا يجبر أحدًا على الدخول فيه، مشيرا إلى أنه لو رجعنا إلى بداية الرسالة النبوية للنبى محمد «ص» عندما بعث وذهب إلى غار ثور، ثم عاد منه لنجد أن من بدأ يفسر له رؤية النبوة ورقة بن نوفل وكان من كبار علماء الدين المسيحى.
وقال الشوكى لـ«روز اليوسف» :كبار الرهبان قالوا لعم الرسول إن هذا الفتى له شأن كبير ولا بد أن تعتنى به، حيث كان المسيحيون لهم دور كبير فى التبشير بقدوم الرسول واليهود أيضا قاموا بنفس الدور، حيث إن أحبار اليهود فى المدينة عندما هاجر محمد إليها كانوا يبشرون بقدومه، وبعض الخلفاء تجاوزوا قواعد الدين الإسلامى السمح واشتدوا فى معاملة اليهود والنصارى، وهذا لا يعنى أن الدين والحضارة الإسلامية أخطآ بل من أخطأ هو السلطان أو الخليفة.
وأشار إلى أن ما سبق أكدته كتابات بعض المستشرقين ومنهم الألمانية سيجريد هونكه التى كان لها كتاب «شمس العرب تسطع على العالم»، وقالت فيه إنه «لا إكراه فى الدين» تلك هى كلمة القرآن الملزمة، لم يكن الهدف من فتوحات العرب نشر الدين الإسلامى وإنما بسط سلطان الله فى أرضه وإلا لم نكن نجد حتى الآن مسيحيين ويهودًا فى مصر، وكان النصرانى واليهودى كما هم لهم أماكن العبادة الخاصة بهم، ولم يحل أحد بينهم وبين شعائرهم ولم يجبرهم أحد على الدخول فى الإسلام.
وكشف الشوكى أن التاريخ الإسلامى ممتلئ بأدلة على ما سبق، منها رسالة لأبو عبيدة بن عامر بن الجراح فى بداية الفتوحات الإسلامية سنة 13 هجرى، كانت مرسلة من نصارى الشام وقالوا فيها «يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا،أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأحسن ولاية علينا»، وهذا يشير إلى الصورة الذهنية التى تكونت عن المسلمين فى بداية الفتوحات الإسلامية.
وأشار إلى أنه فى العصر الأموى معاوية بن أبى سفيان اختار نصرانى اسمه ابن أثال وهو طبيب وقربه له وجعله طبيبه وكاتبه الخاص، وهذا راجع فى المقام الأول لموهبته ولو كانت لديه حساسية لما كان اختار نصرانى لهذا المنصب، كذلك عبدالملك بن مروان اختار سرجون بن منصور الرومى النصرانى كاتبا على ديوان الخراج،أى أنه ولى غير مسلم فى منصب مهمته جمع كل أموال المسلمين، وهذا دليل على قمة التسامح، حتى إن أسرة سرجون من بعده توارثت هذا المنصب.
وقال: فى العصر العباسى كانت مهنة الطب قائمة على أطباء نصارى ومنهم «جبرائيل بن بختيشوع» و«على بن ربن الطبرى» و«يوحنا بن ماسويه» و«إسحاق بن حنين» وغيرهم من الأطباء، وفى العصر الطولونى كان أحمد بن طولون له اثنان من الكتبة نصرانيين وأحدهما كان يدعى يوحنا ابن موسى، كما استعان «بن طولون» بمهندسين مسيحيين فى تشييد العمائر الخاصة به، أما العصر الإخشيدى كان قمة فى التسامح والتعامل مع المسيحيين والنصارى واليهود، حيث تولى خراج مصر فى هذا العصر مسيحى يدعى ابن عيسى بقطر بن شفا.
وتابع: من أهم الشخصيات اليهودية التى كانت بمصر فى العصر الفاطمى «يعقوب بن كلس» وهو من أشهر وزراء هذا العصر، وكان «بن كلس» أيضا فى العصر الإخشيدى يعمل ببيت المال أيام كافور الإخشيدى الذى أعطى تعليمات بأنه لا يصرف أى درهم ولا دينار إلا بتوقيع بن كلس، وفى العصر الفاطمى كانت الخلافة العباسية فى بغداد والفاطمية فى مصر الوزيرين الخاصين بهما مسيحيين، حيث كان فى مصر عيسى بن نسطورس وفى بغداد كان نصر أبن هارون.
وأشار الشوكى إلى أن الكثير من الجنود النصارى كانوا مع صلاح الدين الأيوبى فى مقاومة الحملات الصليبية، حيث كان صلاح الدين يتعامل مع النصارى بطريقة فوق العادة، لدرجة أن كثيرا جدا من الأوروبيين حاليا ينظرون لصلاح الدين فى مرتبة القديسين، وفى هذا العهد كان معظم الكتبة فى الديوان والجيش وغيره من المسيحيين والنصارى، وفى عهد الملك العادل أخو صلاح الدين كان «إبن الميقاط» النصرانى كاتب جيوشه، وكان لديه فى ديوانه جماعة من الكتاب الأقباط، وكان ابن الميقاط فى سفره بين الشام ومصر مرافقا للسلطان العادل، يصحب حاشيته القبطية معه ويقومون بطقوس عبادتهم فى الطريق بكل حرية، وقد اصطحب معه القس داود بن يوحنا بن لقلق ليصلى بهم، وفى العصر المملوكى كان «ابن صغير اليهودى» أحد أطباء الناصر محمد بن قلاوون.
وفيما يتعلق بمقتنيات المتحف الإسلامى، قال الشوكى إنه من القطع المهمة بالمتحف قطعة تعود للعصر الفاطمى، عبارة عن جزء من إناء يرجع للقرن 4-5 هجرى ومزين بالبريق المعدنى، وعليه صورة تمثل السيد المسيح ويمسك كتابا، وهذا يعنى أنه كانت فى العصر الفاطمى وجود للفن المسيحى، كذلك من القطع التاريخية المهمة جدا فى المتحف جزء إناء من الخزف عليه رسوم ملونة تمثل السيدة العذراء والسيد المسيح، كذلك لدينا فى المتحف باب من مسجد السيدة زينب، ويعد من أكبر الأبواب المصفحة بالفضة من القرن 19، وهذا الباب عليه توقيع الصانع وكان يهوديا اسمه يهودا أصلان، وهذا كله يؤكد أن الحضارة الإسلامية احتوت الآخرين ولم تنبذهم.