الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دار الإفتاء وفتنة ميكروفون مساجد إسرائيل

دار الإفتاء وفتنة ميكروفون مساجد إسرائيل
دار الإفتاء وفتنة ميكروفون مساجد إسرائيل




هشام فتحى يكتب:

تناقلت الأخبار عن «دار الإفتاء المصرية» ما اعترضت عليه وأدانته بشأن القرار الإسرائيلى بمنع استخدام مؤذنى المساجد للميكروفون فى مدينة القدس وعموم الدولة، وبررت إسرائيل ذلك بأن معظم سكان الدولة ليسوا مسلمين، وأن الهدف من ذلك هو راحة مواطنى الدولة.
أما حيثية إدانة دار الإفتاء المصرية للقانون الإسرائيلى هو ما رأته من نكوص عن (حرية الأديان)، اتهام يقترب من الإدانة بـ«ازدراء الأديان» أشهر تهمة فى القاموس الإدانى للمفكرين والمثقفين والمعارضين فى مصر.
والعجيب فى الأمر أن دار الإفتاء المصرية قد سبق أن أصدرت فتواها رقم 328592 لسنة 2012 بشأن ضوضاء ميكروفونات المساجد فى الدولة المصرية، فأفتت بتحريم استخدام الميكروفون الخارجى للمساجد أثناء الصلاة، نظرا لما يسببه من ضجيج وتلوث سمعى وضوضاء عالية، واستندت فى فتواها على مستندات شرعية، كحديث «لا ضرر ولا ضرار» وغيره، وأوصت بأن يكون الأذان فقط هو المذاع ميكروفونيا لا طقوس الصلاة.
ولقد كتبنا فى فتوى دار الإفتاء تلك من قبل على صفحات جريدة «روزاليوسف»، وثمنا- من التثمين- تلك الفتوى، لأنها تنحاز للهدوء والسكينة، للسلام والصمت، للحرية والقانون، وبمناسبة القانون أتساءل: أليس من حق كل دولة أن تصك قوانينها بما يتناسب مع راحة مواطنيها ورغباتهم؟ أليس لكل دولة الحق فى عدم تدخل الدول الأخرى فى شئونها الداخلية؟ هل من حق مؤسسة دينية لدولة ما أن تحدد قوانين الدول الاخرى وتصوغ قراراتها؟ أتقبل دار الإفتاء المصرية أن يتدخل حاخامات إسرائيل ومؤسستهم الدينية فى شئون الدولة المصرية ويصوغون قوانينها؟
نعم ليس من حق دار الإفتاء المصرية أن تمد سلطانها الدينى على دولة غير مصرية، بل وتبغى السيطرة على مجتمعاتهم باسم (حرية الأديان) فما علاقة الضجيج بحرية الأديان؟ إذ لو كان ضوضاء الميكروفون وضجيجه من الحرية لما أقدمت دار الإفتاء المصرية على إصدار فتواها الشهيرة بتقييد استخدام الميكروفون وترشيد زمن إزعاجه.
على وزارة الأوقاف المصرية وهى المنوطة بتنفيذ الفتوى وتطبيقها أن تهتم فعلا بالتنفيذ سيما أن وزارة الأوقاف المصرية قد أصدرت القرارات تلو القرارات بمنع استخدام الميكروفون الخارجى للمساجد فى غير أوقات الصلاة، لماذا لا تحترم الوزارة قراراتها وفتوى دار الإفتاء؟
ما زالت مساجد مصر تصرخ بميكروفوناتها فى آذاننا فى أوقات الصلاة لا وقت الأذان، بل تعدى الأمر إلى قيام مساجد قريبة من منشآت صحية (مستشفيات مثلا) باستخدام الميكروفون عالى الضجيج ليصرخ فى آذان المرضى دون مراعاة لحالاتهم الصحية، والمسجد القريب من المستشفى اليونانى بالعباسية خير دليل على ما ذكرت.
بالطبع لا يقصد الشيخ بالمسجد استخدام الميكروفون لدعوة المرضى أو مسئولى المستشفى للإسلام، أعلم ذلك.
لقد كفرت وزارة الأوقاف إذن بفتوى دار الإفتاء- لا ينزعج أحد فالكفر هو التغطية والإخفاء- وضربت بالفتوى عرض الحائط وبقرارات وزراء الأوقاف فى الموضوع.
وجدير بالذكر أن السيد وزير الأوقاف إبان حكم الإخوان المسلمين لمصر قد برر عدم تنفيذ الفتوى بأنه ينتظر موافقة القيادة السياسية، والسؤال: ماذا ينتظر وزير الأوقاف الحالى لتنفيذ الفتوى بل لتفعيل قراراته شخصيا سيما وقد دعت القيادة السياسية الحالية لتجديد الخطاب الدينى وتهذيبه منذ استلامها السلطة؟!
ولقد تذكر أمثالنا الشعبية «اللى بيته من إزاز مايحدفش الناس بالطوب» وتقول «أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب»، ويقول النص القرآنى «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»، وبالنص الإنجيلى «قبل أن تنظر القذى فى عين أخيك أخرج الخشبة التى فى عينيك حينئذ تبصر جيدا».
عجيب إدانة دار الإفتاء للقانون الإسرائيلى باسم (حرية الأديان) ولم نسمع صوتها إزاء اعتداء متطرفين على مسيحيين مصريين يقومون بأداء صلواتهم فى دورهم أو فى كنائس تحت الإنشاء، نعم لابد من الترخيص بالبناء أولا واحترام القانون، لكن لا تنسوا أن الإنسان هو مدار التشريع وجوهره، وأن السلام الاجتماعى واحترام عقائد الآخرين وثقافاتهم هو السبيل الوحيد لقيام مصر من رقدتها التى طالت منذ أمد ليس بالقصير.