الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائى عبدالوهاب داود: فى الرواية يمكننى أن أكتب الشعر وأمارس الرسم والتمثيل بل والغناء

الروائى عبدالوهاب داود: فى الرواية يمكننى أن أكتب الشعر وأمارس الرسم والتمثيل بل والغناء
الروائى عبدالوهاب داود: فى الرواية يمكننى أن أكتب الشعر وأمارس الرسم والتمثيل بل والغناء




حوار - تامر أفندى

يكسبك عملك محررا ثقافيا، الذائقة والخبرة الكافية لأن تكتشف إذا ما كان من تحاوره موهوبا أم أنه مجرد زيف صنعته الآلة الإعلامية، ولا أخفى أننى فى الكثير من الأحيان حتى لا أخذل القارئ أبذل الجهد لأن آخذ الحوار إلى مناطق أخرى أكثر عمقا وبلاغة، غير أن هناك «كثر» للوهلة الأولى تدرك أنهم ممن حظاهم الله بالموهبة واصطفاهم بالكلمة فلا تملك إلا أن تنصت إليهم.. فقط تصنت وتدون وتتعلم.. فتعالوا لننصت لأحدهم.. الروائى «عبد الوهاب داود»:

«لم أتأثر كثيرا لا بالمدينة ولا بالغربة، فقد اعتدت السفر منذ كنت صغيرا، ولم تكن علاقاتى فى القرية التى نشأت بها عميقة التأثير فى حياتى، كنت ولازلت شخص يستعصى على الاستئناس، كان أصدقائى يغيظونى بأننى «شخص براوى»، وكنت أضحك منهم بينى وبين نفسى، فهذا ما أعرفه عن نفسى جيدا جدا. لا أنكره ولا أخفيه. أحب التجريب فى كل شيء، ولا أرى فى الجنون نقيصة، بل امتياز الخروج عن سياق القطيع، أنا لا أؤمن بالشرير المطلق، أو الطيب النقى «المغسول بالبرأ من الدنس»، هذا أيضا كلام فارغ، لا علاقة له بالبشر، ولا بالحياة. الإنسان من وجهة نظرى هو ذلك المزيج الفاتن للخير والشر، معا، فى جسد، وروح، وقلب واحد».
■ لكل منا موهبة كامنة بداخله البدايات هى من تحيها أو تقضى عليها.. كيف كانت بدايتك؟
- كانت كل الطرق تؤدى إلى أن أكون شاعرا، فقط لا غير، من حيث النشأة، والاختيارات المبكرة، لكننى لسبب ما، قررت ألا يقتصر وجودى الأدبى على كتابة الشعر، فانتقلت إلى الرواية، والأغنية، وشعر العامية، بل وربما لا يعرف الكثيرون أننى فى مرحلة ما، كنت أجيد الغناء، والتمثيل، بل وقدت فريقا مسرحيا بكلية الهندسة بشبين الكوم، وكتبت وأخرجت لذلك الفريق عرضا مسرحيا فى بدايات عام 1986، وأظن أن تلك الفترة كانت بداية رفضى للتصنيفات الأدبية المعلبة. فالفنون كلها فى نظري، وحدة واحدة لا تتجزأ، ولا وجود تلك الفواصل الحاسمة بينها، فالفنان يمكنه أن يكون شاعرا، أو روائيا، أو ممثلا، أو تشكيليا، أو ما شاء أن يسلك من دروب الفن. وربما كان ذلك هو ما دفعنى فى النهاية إلى الاستقرار على فن الكتابة الروائية، لما فيه من إشباع لكل تلك الدروب، فى الرواية يمكننى أن أكتب الشعر، وأمارس الرسم، والتمثيل، بل والغناء أيضا. هنا، فى الكتابة الروائية، كل ما أحب، وما أريد.
■ متى كانت أول لحظة عانق فيها ثغر قلمك الورقة؟
- بدأت الكتابة على ما أظن منذ سنوات الدراسة الإعدادية، وقتها كنت مفتونًا بشعراء القصيدة العمودية، فقد كنت محظوظا بالنشأة فى منزل يحتفى بالعلم، وبالقراءة، وكانت لدى والدى مكتبة مدهشة، من أمهات الكتب التى صدرت فى طبعات شعبية رخيصة خلال سنوات الستينيات، خصوصا سلاسل «كتاب الشعب»، و«كتاب الهلال»، و«كتاب الجمهورية»، وغيرها من الكتب التى كانت المؤسسات الصحفية تتسابق على إصدارها، وكان أبى يحفظها فى «كراتين» بعيدا عن عبث الصغار، فاستأثرت بها، بل وخبأتها بعيدا عن إخوتي، وهى التى فتحت مخيلتى على عالم متسع، وفريد، ومنها كتب «منطق الطير»، و«كتاب الحيوان»، و«ألف ليلة وليلة»، إلى جانب الروايات العالمية المترجمة، ودواوين شعراء العربية الكبار، منذ المتنبى، وحتى حافظ وشوقى، أضف إلى ذلك شغفى المبكر بالقراءة، والذى حفزه والدي، ودعمه، خصوصا أنه لعب دورا كبير فى محبتنا، نحن أولاده جميعا، للموسيقى والغناء، ولازلت أذكر جلساتنا حوله فوق سطح دارنا بقرية نادر بالمنوفية، وهو يقودنا فى الغناء، ثم يطلب منا أن نستعرض مواهبنا أمامه، فكان منا من يغني، ومن يقدم مشاهد تمثيلية، ومن يقرأ الشعر.. وكنت أنا هذا الأخير.. ورغم بدائية ما كنت أتلو عليهم، بالطبع، إلا أن ما لاقيته من تشجيع كان له أكبر الأثر فى تكوينى الشخصى. بدأت بكتابة القصيدة العمودية، لكنها لم تستمر معى طويلا، فانتقلت إلى العامية المصرية، وكنت أكتب الأغانى لفريق الكورال الذى شكله والدى وصحبة من رفاقه، وأصدقائه، وكنا نحن أعضائه، لكننى سرعان ما اكتشفت شعر عبد الصبور، وحجازى، والسياب، ونازك، فأخذتنى روعة الحرية فى التعبير، بعيدا عن قوالب «العمودي» التى بدأت أشعر أنها قيود تثقل القلب، وتمنعه من الانطلاق فى التعبير عن مكنوناته، وكان ذلك من خلال مكتبة المدرسة، بالمرحلة الثانوية، فانتقلت إلى كتابة قصيدة التفعيلة، التى أخذت معى مرحلة طويلة. وقتها كان شعراء السبعيتيات يملؤون الهواء ضجيجا حول «تثوير اللغة»، وتفجيرها، وحقول الدلالة، ويكتبون كلاما أشبه بالشعر، وأشبه بالنثر، وأشبه بشفرات المتصوفة، وماهو بالشعر، ولا بالنثر، ولا صلة له بالتصوف. ولم استسغ تنظيراتهم، ولا قصائدهم، فكان ملاذى فى تلك المرحلة فى شعر درويش، وأمل دنقل، ونجيب سرور، إلى أن عاد الكاهن الأكبر محمد عفيفى مطر من العراق، وبدأت التعرف على شعره.
ربما ترى فى هذه الرحلة مسيرة شاعر، لا غير، لكننى أذكر أننى فى مرة كنت أسير مع الروائى الكبير إبراهيم عبد المجيد فى ضواحى مدينة شبين الكوم، خلال زيارة له إليها، أثناء عمله بالهيئة العامة لقصور الثقافة، فى نهايات التسعينات، وتحدثنا عن مفارقة الشاعر الذى يدمن قراءة الروايات، والذى كنته أنا، والروائى المدمن لقراءة الشعر، أو الذى يجد متعته الكبرى فى قراءة الشعر، وكان ذلك هو بالطبع. كانت قراءة الروايات المترجمة، ولازالت، شغفى الأول، ومتعتى الكبرى. وكان نجيب محفوظ بالطبع فى مقدمة صفوف من تستهوينى كتابًاته، ولا زلت أذكر الليلة التى قرأت فيها رائعة «الجريمة والعقاب» لدستويفسكي، والتى لم استطع خلالها مغادرة الكتاب طوال أربع وعشرين ساعة من القراءة المتواصلة، لا يفصلها إلا دقائق لتناول الوجبات بعد إلحاح من أمى التى لم تكن تعرف ماذا أفعل منفردا فى حجرتي، وخرجت منها مصابا بذات الحمى التى تلبست «راسكولينكوف»، بطل الرواية طوال فصولها الممتدة. وأظن أننى لازلت مفتونا بهذه الرواية، ومدينا لها بالكثير من الدروس التى تعلمتها من شخصياتها، وتمثلت بعضا منها فى حياتى الشخصية.
■ بدأت شاعرا بالثمانينيات فلماذا الانتقال إلى الرواية؟
- لازلت أكتب الشعر، ولم أهجره إلى الرواية، كل ما هنالك أننى بصدد مشروع لا يمكن كتابته، أو إنجازه إلا عبلا فن الرواية.. وقد أوشكت على الانتهاء من ديوان شعرى جديد بعنوان «اعترافات ساحر متجول»، لكننى لا أعرف متى يمكننى الانتهاء منه تماما، ونشره.
■ من صاحب الفضل من تحولك إلى كتابة الرواية؟
- أما أن كان لى أن أتحدث عن صاحب الفضل فى تحولى إلى الرواية، فلابد من الاعتراف بأنه الكاتب الكبير صبرى موسى، الذى شرفت بالعمل معه منذ بداية عملى بالصحافة، فى بدايات عام 1993، كنت قد قرأت له روايته الفذة «فساد الأمكنة»، فأخذتنى إلى أفق لا حدود له، كانت هى الرواية العربية الأولى التى تأخذنى إليها بقوة، وتدفعنى إلى التمسك بصفحاتها، دون كلل أو ملل، رواية فاتنة اللغة، فاتنة التفاصيل، هى فتنة كاملة، لا مفر من الوقوع فى أسرها منذ الصفحة الأولى. هنا تجد الشعر والتشكيل والموسيقى، هنا كان لى ما أريد، ما عشت أبحث عنه، وما أحاول الآن الوصول إليه. فكان قرارى بكتابة الرواية، والاستمتاع بها، ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
■ كيف كان تأثير الريف فيك ثم المدينة ثم الغربة؟
- أغلب الظن أننى لم أتأثر كثيرا لا بالمدينة ولا بالغربة، فقد اعتدت السفر منذ كنت صغيرا، ولم تكن علاقاتى فى القرية التى نشأت بها عميقة التأثير فى حياتى، كنت ولازلت شخص يستعصى على الاستئناس، كان أصدقائى يغيظونى بأننى «شخص براوى»، وكنت أضحك منهم بينى وبين نفسى، فهذا ما أعرفه عن نفسى جيدا جدا. لا أنكره ولا أخفيه. أحب التجريب فى كل شىء، ولا أرى فى الجنون نقيصة، بل امتياز الخروج عن سياق القطيع. ربما كان وجودى فى «نادر» قريتى، يعطينى مساحة أوسع للقراءة والتأمل وكتابة الشعر، وأن كنت تقصد التأثر على صعيد الكتابة، والأدب فالحقيقة أننى بالفعل أدين بسنوات القراءة فى «نادر» أكثر من أى مكان آخر عشت فيه، وتستطيع أن تقول إنها كانت فترة التكون الأولى، والتى عشت عليها لسنوات طويلة.. لكن إيقاعات المدينة أيضا، وتطرف الاختلافات، والحدة فى التباين بين طبائع البشر فيها، مادة ثرية بالشعر، والموسيقى الصاخبة، وأغلب الظن أننى تأثرت أكثر بالغربة، خارج مصر، عندما اضطرتنى الظروف إلى الوجود فى دولة الإمارات، منذ عام 2007، هناك وجدت نفسى أعيد قراءة التاريخ المصرى بحرية، وأفق أوسع، وقدرة على محاكمة ما درسناه طوال عمرنا من أكاذيب، وحكايات لا أصل لها، كان لى أن أحاول إعادة قراءة الشخصية المصرية، وما يتسق معها من دروس التاريخ، وما لا يليق بها، واكتشاف الملفق فيها، من الحقيقي. وكان لا بد من الاشتباك مع كل ذلك. شعرا، أو نثرا، أو رواية. وكانت الرواية هى الفن الأقرب إلى قلبي، وإلى تصوراتى عن الكتابة والفن، ودورهما فى الحياة فى بر مصر.
■ اشتبكت مع واقع الصحافة المصرية والعربية فى «ظهورات» و«رواية المهزوم» هل المشهد الصحفى بهذا السوء؟
- المشهد الصحفى ياصديقى أشد سوءا، وما ذكرت فى الروايتين لا يتعدى نسبة العشرة بالمئة من الحقيقة، فالصحافة المصرية منذ نشأتها وهى تسير فى ركب السلطان، وتاريخها مليء بالأكاذيب. يقولون لك أن من أسسها هم القادمون من لبنان، وبلاد الشام، وهذا كذب كامل، لأن الصحف التى أسسها هؤلاء، كانت مجرد أبواق للنظام الحاكم، سواء كانت «الأهرام»، أو غيرها، بينما مجد الصحافة المصرية الحقيقى كان على يد على عبد الرازق الذى كانت صحيفته توزع مائتى ألف نسخة فى بدايات القرن العشرين، وكان على يد عبد الله النديم، الذى كانت كتابًاته تزعج الخديو شخصيا، وأنا عندما بدأت بكتابة «ظهورات» كنت أخطط لمشروع روائى يرصد ملامح فساد، وإفساد الصحافة المصرية والعربية، على مدار تاريخها، وكيف تعمل السلطات جاهدة على ترويضها، وإخضاعها بجميع السبل المتاحة لديها، باعتبارها الوسيلة الأكثر تفاعلا مع العامة، والأكثر تأثيرا فى الجماهير، وهو ما بداته فى «ظهورات» من خلال رصد ما يحدث فى الصحف الحزبية، ثم جاءت «رواية المهزوم» لتكمل الرحلة فى كواليس صحافة الحكومة، أو ما نسميها «الصحافة القومية»، وهناك مسودات لعدد من الروايات المكملة لذلك المشروع، بالصحف الخاصة والمستقلة، أرجو أن يمهلنى القدر حتى كتابتها.
■ لماذا تعتقد أن رواية المهزوم هى الأقرب للحقيقة؟
- لأن المهزوم فى أى معركة، ليس لديه ما يخسره، فقد خسر كل شيء بالفعل، ولا يوجد ما يمنعه من كشف تفاصيل ما حدث ويحدث، دون قلق من تشوه صورته، فقد تم تشويهها كما ينبغي، أو بالبحث عن مجد زائف، فلا مجد بعد الخسارة. ولك أن تنظر إلى تاريخ البشرية كلها، هو سلسلة من الأكاذيب والأوهام، التاريخ الرسمي، هو أكاذيب المنتصرين، أما حكايات المهزومون فتجدها لدى الشعوب، والبسطاء، لدى سلسال المهزومين على مدار التاريخ.. انتصر معاوية، لكن من عاش فى قلوب الأمة؟ على.. من صاحب الحق؟ على.. وهو من يصدق الناس روايته.
■ هل تعتقد فى تجاهل الأجيال الجديدة نقديا؟
لا اعتقد، أصلا، فى وجود نقد حقيقى فى الأدب العربى كله، لا للأجيال القديمة، ولا الجديدة. كلها محاولات، واجتهادات لقراءة النصوص الأدبية، بطرق انطباعية لا علاقة لها بالعلم، أو الذائقة، ولا ترتقى إلى مرتبة النقد الأدبي. وإذا تتبعت بعض الخيوط الظاهرة، سوف تكتشف أن ما يقال أنه نقد، مجرد مجاملات شخصية بين أصدقاء، أو معارف، أو أبناء جيل واحد، أو خريجى جامعة واحدة، أو بين زملاء فى صحيفة، أو مجلة.. كلام فارغ، لا يقرأه ولا يلفت إليه أحد. أو قل إننى كشخص، لا أقرأ من النقد إلا أقل القليل، ولا ألتفت إلى الغالبية العظمى منه.
■ لماذا اخترت أن يكون حوار الشخصيات بالفصحى على الرغم من أن للصحفيين مصطلحات لا تظهر دلالاتها إلا فى السياقات العامية؟
أنا أحب العربية الفصحى، هذه واحدة، أما الثانية والأهم، فإننى أتعامل مع لغة العمل الأدبى باعتبارها وسيطًا بينيًا وبين القارئ، وكلما اتسعت اللغة اتسعت مساحة من يمكن أن يتلقوا العمل، فإذا قصرت الحوار على العامية المصرية، ربما أفقد قارئًا لا يجيد الوصول إلى دروبها، وأنا كل همى من الكتابة هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء، وإبلاغهم بالرسالة التى حملتنى إياها شخصيات الرواية. أما عن المصطلحات الصحفية، وأساليب العامة فى الكلام، فلا تقلق، هذا جزء أساسي، وأظن أنه لا بد أن يكون أحد المكونات الرئيسية لمن يريد أن يمتهن الكتابة، وأظن أننى أمتلكها، ولا أبخل بجهد فى محاولة الوصول إلى مستوى لغة العامة، ولكن بالمفردات التى تناسبها من العربية التى أحبها.
■ ألم تفكر فى أن يكون الراوى عليما وليس بطلا حتى تسلط الضوء أكثر على مكونات الشخصية؟
لا.. لأننى عندما بدأت فى كتابة «رواية المهزوم» كانت الفكرة الأساسية أن تكون «استقالة مسببة»، وكان هذا هو عنوانها الأول الذى بدأت به، وكان مشهد الاستقالة هو أول مشهد كتبته فيها، لكن تطورات الأحداث، والشخصيات كان لها رأى آخر غير الذى بدأت به، ولا أخفيك اننى أحب شخصياتى،  وأتعاطف معها، مع ضعفها البشرى، واجتهد بقدر ما استطيع فى البحث عن مبررات سلوكياتها التى ربما لا تروق لى كشخص، لكننى أبحث لها عن مبررات، وجذور، وأنا على يقين من وجودها، فأنا لا أؤمن بالشرير المطلق، أو الطيب النقى «المغسول بالبرأ من الدنس»، هذا أيضا كلام فارغ، لا علاقة له بالبشر، ولا بالحياة. الإنسان من وجهة نظرى هو ذلك المزيج الفاتن للخير والشر، معا، فى جسد، وروح، وقلب واحد.
■ من هزمك؟
- لاشىء.. فعلى المستوى الشخصي، أنا مؤمن تماما بأننا نحن من نصنع أقدارنا، ومنذ كنت طفلا، وأنا أملك الحرية الكاملة فى اختياراتي، وقد مرنت نفسى طويلا على الاستغناء، وتحمل نتائج اختياراتي، وعواقبها، فلكل شيء ثمن، أو مقابل لا بد من دفعه، وقد دفعت ثمن اختياراتى كلها، كاملة، بلا ندم، أو حتى نظرة إلى الوراء، أما على الصعيد العام، فأنا أظن أنه لا يوجد مهزوم نهائي. فلا نصر دائم، ولا هزيمة مطلقة. كلنا نبحث عن لحظة انتصار، لحظة للتخلص من ذلك الحزن المصرى الدفين، للفرح، والرقص مع الدنيا، هذه واحدة من أبرز سمات الشخصية المصرية، البحث عن لحظة انتصار، وكما قلت لك، هل يمكن لأحد التأكيد على أن معاوية هو المنتصر فى صراعه مع على؟
■ لو كنت تكتب التاريخ فبما ستصف تلك الفترة؟
- لقد وصفتها بالفعل فى الفقرة الافتتاحية للفصل السادس لرواية «ظهورات»: «قال لى صاحبى وعلى وجهه نصف ابتسامة باهتة: نحن جيل محظوظ جدًا. فبعد رحيلنا لا بد أن يذكرنا التاريخ.. هل تعرف ماذا يقول عنا؟!.. سيقول.. ومرت بالبلاد فترة ضعف».
■ هل لديك مشاريع جديدة؟
- المشاريع كثيرة، وبعضها مكتملة الملامح على جهاز «الكمبيوتر»، ومنها روايتان ضمن مشروع فساد الصحافة والإعلام فى مصر، لكننى دون مقدمات وجدتنى أبدأ فى كتابة رواية خارج مشروع الصحافة تماما، عنوانها المبدئى «اسمه غالبا مصطفى»، وتركز على محاولة استكشاف سمات الشخصية المصرية، أتمنى أن انتهى من كتابتها مع بداية العام الجديد، وألا تأخذ منى ما أخذته «رواية المهزوم» من سنوات، وأظن أننى لن أغير عنوانها.