الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكايات «زهرة البستان» عن «مصرالثورة» و«الإخوان»




شيشة وفحم يحترق ودخان يطير ليعود مرة أخري، منافسة جادة بدون تعصب فى الطاولة أو الدومينو، مغلفة بمناقشات عن مصر، تزيد انفعالاً مع رمى الزهر، وقراءات صحف اليوم القادم، وغناء وطرب من مطربين شباب، يؤكدون أن الثورة مستمرة فى القلوب والعقول، وأجهزة كمبيوتر محمول، يطل منها كل جديد على الساحة السياسية.
 
 

 
فى مدخل شارع «البستان»، يقابلك صوت مصرى لم يترك التحرير منذ الثورة إلى اليوم هو المطرب أحمد إسماعيل، يتحاور فى كل قضايا مصر بالغنوة واللحن والإيقاع، يعزف على العود ومعه رفيق مشواره عازف الرق زين العابدين، ومن إبداعات الزمن الجميل وأشعار فؤاد حداد وسيد حجاب وصلاح جاهين صنعوا حاله غنائية تفاعلية حماسية ثورية وتراثية التف حوله شباب وكبار وتصفيق وشوق للمزيد حتى يطول السهر على المقهى، يغنى معهم الفنان والممثل هشام المليحى، والفنان التشكيلى والكاتب مجاهد العزب الذى تحدثنا معه فقال: أنا هنا على «مقهى البستان» من 35 سنة، تعرفت هنا على الجماعة الثقافية وعلى الشباب، نحن من العاملين بالثقافة ودورنا هنا مع الشعب لنقل الوعى والخبرات، والقهوة فرصة رائعة لهذا التواصل، المقهى هنا محترمة وصاحبها يعرف قيمة المثقفين، ومكتوب عليها «ملتقى الأدباء والفنانين» بحكم وجود المثقفين هنا كان من أهم رواد المقهى ناجى الشناوى محمد مستجاب يحيى الطاهر عبد الله وغيرهم.
 
يحزننا أحداث سيناء جدا، نحن جزء منها، ولا يوجد بيت فى مصر لم يفقد ابنا فى سيناء، وحين كنا نقول «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، كنا نعنى ألا نطلب أى شيء خاص حتى تنتهى الحروب، وعدونا الأوحد من زمان هو إسرائيل، أما من أنكر أنه مصري، وقال المصرى فى جذمتى فهو أيضا عدونا فى الداخل.
 
 وعن التظاهرات والمليونيات قال: كل المليونيات إلهاء عن القضايا الأخرى، ورصيد الإخوان أساسا قليل من البداية، لا يستطيع فصيل فى مصر أن يستقطب كل المصريين مهما كان تأثيره، تحدثنا كثيرا على المقهى عن رصيدهم وتأثيرهم على البسطاء، وتغيير تركيب هوية المصري، ليس سهلاً، ولن يقبل دعوات هدم «الهرم» حتى لو قالوا له إنه من الشريعة، كل هذه الأفكار أجندة للدول التى ليس لها تاريخ، أنا متفاءل جدا بالشعب.
 
الشاعر الغنائى هانى الصغير صاحب أشهر أغنيات وردة وأصالة وذكرى ونانسى عجرم وصابر الرباعى وجورج وسوف وغيرهم، يجلس مندمجا فى نقاش هادئ، اقتربنا منه فقال: أنا هنا فى «زهرة البستان» من 25 سنة، ارتبطت هنا بصديقى الشاعر إبراهيم عبد الفتاح، وتعرفت على نجوم ومثقفين، وأكثر من 90% من أغنياتى كتبتها فى وسط البلد، لكن للأسف أنا متألم وشايف مصر سودا وعتمة وكتمة وخنقة، لا يوجد أى بصيص نور، واللى عنده بصيص أمل يقول لى فين؟ لا تغيير .. حزب وطنى بدقن، الإخوان المسلمين هم حزب سياسى وليس حزبًا دينيًا، فليس لله أحزاب، وبعض النخب للأسف أخونوا أنفسهم دون أن يطلب منهم أحد، والإعلام استبعد كل النخب المؤثرة، أصبحنا نعيش القمع، وبدء غلق قنوات فضائية، أنا أشبه ما يحدث الآن فى مصر ببالونة اقتربت من الانفجار، واللى فات مكنش ثورة.. كانت بروفة ثورة، أو كانت حركة طلابية الجيش احتضنها، وأتوقع ثورة قادمة أعنف، وقد كتبت أثناء الثورة قصيدة حذرت فيها من سرقة الثورة، وأن الكثيرين يتربصون بها قلت فيها: «ضميرى الحر شافك.. وأنت نازل على الميدان... اوعى يطلع فوق كتافك حد خاين أو جبان.. اللى فاتوا القطر فاتوا ..واللى مات كمل حياته .. مافى أغلى من اللى ماتوا... والشهيد رمز الأمان».
 
الممثلة مشيرة أحمد وهى أيضا ناشطة سياسية وواحدة من مؤسسى حركة 6 إبريل، تحدثنا معها وقالت لى: بعض الناس فهمونى أن قعدة القهوة مش للبنات، وأن اللى على القهوة ناس فاضية، ولكن بدأت أقعد على القهوة وألتقى بزملاء لى من المسرح، تعرفت على المثقفين الذين تعلمت منهم الكثير، تعلمت الأدب والشعر.. تعلمت ماذا أقرأ، المقهى ثقافة فى كل المجالات، من الجانب الفنى أجد السينما والدراما وكل الفنون فى حالة ارتباك مثل حال مصر، وكل ما يقدم كأننا قبل الثورة ومازالت الشللية طاغية مجموعة تعمل مع بعضها فقط وبالتالى بتقدم نفس المنتج الفنى بنفس الفكر والمعالجة ولا جديد، مصر بكل مجالات إبداعها ومشروعتها مؤجلة.
 
يشغلنى حال مصر، ولكن كلنا مقتنعون أن الثورة مستمرة، لأنه لم يتحقق من مطالبها شيء، ولأن ضمير ووعى الشعب المصرى فى يقظة دائمة، الشعب سوف يقول «لا» للدستور إذا تم عمل استفتاء شعبى عليه، وأتوقع مفاجآت من الشعب، والغريب بل والطريف أنه يطلق الآن على أية مظاهرة لقب «مليونية»، وهذا غير صحيح، لأن المليونية تعنى خروج مليون من نفس المحافظة وليس حشد مليون من محافظات آخري، إنها مجرد «رحلة» قادمة فى ميكروباص إلى ميدان التحرير، ولن يعبروا عن 85 مليون مصرى وليس من حقهم أن يتحدثوا باسمنا، وربما من المؤشرات الموجودة الآن أتوقع أننا ربما نلجأ مرة أخرى للعسكر.
 
أما الفنان التشكيلى والمخرج وحيد مخيمر فله رأى آخر حيث يرى أننا اليوم لابد أن نعمل ونرفع شعار «العمل هو الحل»، مفروض كل الفنانين فى كل مجلات الفنون يشتغلوا بجدية ويقدموا فناً جيداً، الفن هو أرقى رد وأفضل من أى ردود لغوية وكلام وتعليقات على الفيس بوك، الفن هو ما صنع الحضارة مثل الفن الفرعونى والإسلامى والقبطى، رغم أن الكثيرين من الفنانين لا يعملوا اليوم بسبب الأزمات المالية للإنتاج، ولكن واجب علينا أن نستعد بأفكار ونكتبها، وأكيد سوف يأتى يومأ ونقدمها، ويجب أن نتذكر أننا وقفنا 18 يوما فى الشارع لهدف واحد هو التغيير، والتغيير ليس سلطة فقط، وإنما سلطة وشعب، ولا أخشى على مصر من تغيير هويتها، التاريخ أثبت أن لا أحد يستطيع أن يغير هوية مصر بدء من نابليون وحتى الآن، مصر قادرة على تمصير كل من يدخلها حتى محمد على تم تمصيره، العالم كله «مريض بمصر» مشغول بيها بحضاراتها وبثوراتها، مخطئ من يظن ان شباب الثورة غير موجود لا بالعكس سوف يعود ويكملوا ما بدأوا، الثورة مستمرة ولم ننته وبالتالى ملامحها لم نتضج فنياً وأدبياً، ولكن ربما ما تم تقديمه هو كتابات تسجيلية للأحداث، مجرد لقطة والتعبير عن لحظة انفعالية، رأيت الكثير من المشاهد فى الثورة يمكن تحويلها دراما وهى حفرت بداخلى قد أكتبها أو ربما تخرج فى لوحة فنية تشكيلية، الأدب والشعر والجرافيتى الذى أبدعه الشعب أيام الثورة أهم إبداعات الثورة، هذا هو قاموس الثورة الفنى الحقيقى الذى خرج من أعماق الشعب المصرى فى خلال 18 يوماً.
 
أما المهندس محى طه فهو من رواد البستان ولا يترك الطاولة منذ قدومه للقهوة وإثناء اللعب تناقشنا معه عن ما يشغله فقال: مصر حالها أصبح محالاً، الشخصية المصرية تغيرت تماما البعض أصبح عصبياً ومحتاجين وقت نسترجع أصولنا وأخلاقنا المصرية، الموجودين حولنا وفى الشارع ليسوا هم الشعب الذى كنا نعرفه كان الأول احترام الكبير والنقاش والتحاور بأسلوب مهذب ولا يتعدى تحاور دون خروج ألفاظ جارحة، اليوم ممكن نسمع ما يجعلنا نخجل، الثورة كشفت وأظهرت عيوب فى الشخصية المصرية، حتى لو كانت موجودة من قبل لكن اليوم زادت والسبب يحتاج دراسة، هل الحصول على حرية التعبير عن الرأى يجعلنا نتعدى الأصول، النظام الحالى لم يتغير نفس أساليب القمع ولا يوجد أى تحاور مع الشعب، لماذا لم تشرح لنا الرئاسة سبب حصولنا للقرض وأهميته، الفقير زاد فقرًا، والغنى مستمر فى الغنى، بالإضافة إلى أن الذين يحصلون على وظائف ليسوا كفاءات، الواسطة مازالت موجودة. كل ما يحدث الآن بمصر ليس واضحا، نعيش سياسية التعتيم نريد حقائق واضحة يكفى ضبابية، أنا أتمنى أن يعود شباب الثورة يكملون ثورتهم.