الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

خلعت الحجاب فشبهونى بالشيطان!

خلعت الحجاب فشبهونى بالشيطان!
خلعت الحجاب فشبهونى بالشيطان!




تكتب: د. دينا أنور

ربط عادة الحجاب بالدين جعلت منه زيا مجتمعيا من الطراز الأول، وأصبح يفرض على الفتيات ارتداءه فقط من قبيل السير مع الموجة السائدة، لدرجة أن المجتمع يتقبل من الفتاة المحجبة أى سلوك أو فعل مهما كان جريئا، بل وشاذا فى بعض الأوقات، ولكن لا يتقبل منها أبدا أن تنزع غطاء رأسها، ويمارس ضدها كل أشكال التمييز والقهر والعنف، خاصة لو كانت من محافظة ريفية أو من الصعيد.
بطلتى اليوم مراهقة صغيرة من محافظة الفيوم، ترتدى الحجاب منذ ثلاث سنوات، تقول فى رسالتها:
ارتديت الحجاب لا بالإجبار ولا بالاقتناع، لكن لأساير المجتمع والسلام، فأنا من أسرة متزمتة دينيا وأبى شيخ، بدأت مشكلتى مع الحجاب منذ شهرين، بدأت أفكر «لماذا أرتديه؟» لم أجد سببا مقنعا، ووجدت نفسى أرتديه على مضض وبدون اقتناع فقط لأتماشى مع مَن حولي.
بدأت بالحديث مع والدتى، تفهمت كلامى وشعرت بإحساسى ولكنها حذرتنى من العذاب الإلهى، بدأت نفسيتى فى الانهيار، ولم أعد أطيق فكرة أن أفعل شيئا لأرضى المجتمع على حساب نفسى وسعادتى وراحتى، توقفت حياتى وامتنعت عن دراستى، ولم أعد أحتمل، إلى أن جاء اليوم الذى قررت فيه خلع حجابى.
اعتبر أهلى فعلتى جريمة نكراء، فى اليوم الذى ذهبت فيه إلى المدرسة بشعرى انتظرتنى شقيقتى الكبرى عند المغادرة وأحضرت لى «طرحة» وأجبرتنى على ارتدائها قبل العودة للمنزل، وفى اليوم التالى أخذتنى الاخصائيات الاجتماعيات بالمدرسة إلى حجرة مغلقة، وجلسن يحاولن إقناعى بمعاودة ارتدائه، وألقوا باللوم على الإنترنت رغم يقينى الداخلى أن البداية كانت من عقلى وتفكيرى دون أى تدخلات خارجية، وظلوا يضعونه على شعرى وأنا أعيد خلعه، لدرجة أنهم أدخلوا لى مدرسة مسيحية قالت لى «أن المسيحيات يحسدننا على ارتداء الحجاب لأنه يحمينا من التحرش» (!!) وليقينى بعدم مصداقيتها ورفضى لمبدأ ربط التحرش بالملابس لم أعرها اهتماما، إلى أن وجدت أخصائية مسلمة تصرخ فى وجهى «ارتدى الحجاب لترفعى صورة الإسلام فى وجه أعداء الله»!
لم أتحمل ذلك الفكر العنصرى وصرخت بداخلى من الذهول والصدمة، وصممت على الخروج من الغرفة بدون حجاب.
اكتأبت وانقطعت عن الدراسة لأيام، وعندما قررت العودة رفض أهلى نزولى دون حجاب، أخذوا منى مفاتيح المنزل ومنعونى من النزول، تغيبت لفترة أطول وبدأت أخشى من ضياع مستقبلى وإهمالى لدراستى بسبب حالتى النفسية، لم يبال أهلى بذلك وظلوا يقنعوننى أننى فى حاجة إلى طبيب نفسى وأن شعورى بالاختناق من الحجاب سببه الشيطان، ظلوا يمارسون على ضغوطهم لدرجة أننى ذات يوم كنت سألقى بنفسى من الشرفة لأتخلص من حياتى!
لم أستطع أبدا أن أرتدى الحجاب من جديد، اليوم الذى خرجت فيه كاشفة لشعرى شعرت براحة نفسية وحرية، شعرت أننى فتاة سوية أفعل كل شيء أرغب فى فعله.
ولكنهم فعلوا كل شيء ممكن وغير ممكن لإثنائى عن قرارى، تارة يعايروننى بأبى الشيخ الذى سأفضحه وأجعله مطأطئ الرأس بين الناس، وتارة يصطحبوننى لشيخ يهذى فى وجهى أن المرأة التى تخرج وهى كاشفة لشعرها تكون شبيهة بالشيطان، وأنا الآن أعيش فى ضغط نفسى وعصبى رهيب، حبيسة فى منزلى لا أستطيع النزول من المنزل سوى بحجاب، أخسر دراستى ويضيع مستقبلى بينما أهلى لا يعنيهم فى كل هذا الأمر سوى ارتداء «الطرحة».
انتهت قصة بطلتى، ويا له من حظ عثر أن يكون سبب شقاء الأنثى فى مجتمعاتنا هو نوعها، ويا له من هراء ما اتخذته عادة ارتداء الحجاب من بُعد دينى ومجتمعى سطحى وظاهرى ليس له أى بعد سلوكى أو أخلاقى، لقد أصبح قهر الفتيات وإجبارهن على ما يكرهن عند الأهالى أهم من دراستهن ومستقبلهن العلمى، بل وأهم من حالتهن النفسية وسعادتهن وراحتهن وأبسط حقوقهن فى تقرير مصيرهن.
لذا يجب على الدولة توفير الحماية لجميع المعنفات من الفتيات والسيدات، خاصة لو كان عنفا عائليا، فالتسلط العائلى فى أوقات كثيرة يقود إلى الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية وربما الانتحار، وليس له عقوبة قانونية، وعلى العائلات أن يراعوا ضمائرهم فى فتياتهم ويكفوا عن إجبارهن على ما لا يطقن وما يكرهن، وإلا سيظل مكتوبا على جبين كل امرأة وفتاة شرقية أن تعانى العذاب منذ مولدها حتى موتها بدون أن يرحمها أحد، فقط لأنها ولدت أنثى!