الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدولار «العمود الفقرى» لفقر المصريين

الدولار «العمود الفقرى» لفقر المصريين
الدولار «العمود الفقرى» لفقر المصريين




كمال عبدالنبى يكتب:

الكل يتوجس خيفة وينتظر الجديد فى أزمة الدولار، ولا عجب فى ذلك فإن مناحى حياتنا ترتبط كمًا ونوعًا وذلك شئنا أم أبينا بذلك الأخضر الزئبقى الذى حير علماء الاقتصاد وخبراءها قبل أن يحيرنا نحن المستهلكين لمعظم ما نستورده من الخارج.. ليملى الدولار قراره علينا بالانخفاض نادرًا وبالصعود السريع إلى أرقام غير مسبوقة مثلما يحدث فى مصر الآن.
يجب أن نعترف مما لا يدع مجالًا بالشك أن عدم وجود مصادر لتوفير العملة الصعبة، مثل الصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس، تسبب فى فجوة للعملة الصعبة، ولإفقار المصريين ولمزيد من أوجاع هذا الشعب الباحث  عن التنمية والراغب فى معيشة كريمة، لا ترهقه مراهقات وتهور الدولار ونزواته وتأجج الصراع الهيكلى بينه وبين عملتنا المحلية التى أصبحت ليس لها حول ولا قوة بصفة عامة.. كما أن مناخ الاستثمار الصناعى ليس جذابًا بالمرة، وأن الحصول على ترخيص لإنشاء مصنع فى مصر قد يستغرق ما يقترب من ثلاث سنوات، بينما فى بلد مثل دبى لا يستغرق سوى 48 ساعة.
وعلاوة ما ذكرناه نرصد ونسرد معًا رحلة صعود وعدم هبوط الدولار  غير المسبوقة قبل أن نرصد أضرارها على البيت الاقتصادى المصرى وكذلك  نسرد معها محاولات  الحكومة التى وجدت نفسها أمام أزمة تاريخية، رغم أنفها، أو حتى أنها تدفع فيها  جزءًا من ثمن فاتورة قديمة لا ذنب لها فيها فى محاولة للسيطرة ودعوة تلك العملة المتمردة للهبوط حتى لو اضطراريًا لصالح هذا الشعب الغلبان.
عندما حدثت  تلك الضجة الكبرى فى نوفمبر 2015 عقب تدهور قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، الأمر الذى على أثره تقدم محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز باستقالته، وقرر الرئيس عبد الفتاح السيسى تعيين طارق عامر.
 تسلم «عامر» الدولار بسعر 7.8 جنيه فى التعاملات الرسمية، و 8.60 جنيه فى السوق الموازية أو السوق السوداء.
ولم تمض أكثر من مائة وعشرين يومًا على تلك الولاية للمحافظ الجديد عامر لمنصبه، إلا وارتفع الدولار فى السوق السوداء؛ ليصل إلى سعر بيع 9.85 جنيه فى مارس 2016، الأمر الذى واجهه محافظ المركزى بقرار بتخفيض سعر العملة المحلية بمقدار 1.12 جنيه مقابل الدولار، فى أول تخفيض رسمى للعملة الدولية ليبلغ سعر الدولار رسميًّا 8.85 جنيه فى البنوك، للسيطرة على سعر السوق السوداء. واتوماتيكيًا جاء قرار البنك المركزى مؤثرًا بالارتفاع على السلع الغذائية، وأحدث بها زيادة واضحة فى الأسعار، فى حين أنه لم ينجح فى السيطرة على سعر الدولار الجامح فى الصرافات والسوق السوداء، التى ارتفع فيها، حتى لامس الـ 13 جنيهًا فى أغسطس الماضى ليخرج البرلمان المصرى عن صمته ليعلن عن قانون إغلاق شركات الصرافة.
وبناء عليه أغلقت نحو 50 شركة صرافة  ما بين إيقاف 3 أشهر وعام وشطب نهائى، من مجموع عدد شركات الصرافة العاملة فى مصر والبالغة 115 شركة صرافة فى محاولة لانضباط سوق الصرف العاجز عن الانضباط ذاتيًا ضمن آليات السوق.
 وفشلت السيطرة على أسعار الدولار بغلق  تلك الشركات حتى قفز فوق حاجز الـ 18 جنيهًا فى أكتوبر الماضى، وتحرك محافظ البنك المركزى، واتخذ قرارًا جديدًا بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، فى محاولة باهتة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ليسجل سعر صرف الدولار فى البنوك الرسمية فى الشهر الماضى سعر بيع 14.6 جنيه، قبل أن يرتفع ليصل إلى سعر 19.75 جنيه للبيع وحتى كتابة هذه السطور.
 ولا شك أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكى يسهم فى نمو الاقتصاد غير الرسمى.
  على الرغم من تعهدات الحكومات المتعاقبة بإعطاء الأولوية لقطاع الصناعة، فإن نقص الدولار الأمريكى هو عامل ينخر كالسوس فى العمود الفقرى للصناعة المصرية فى وقتنا هذا. وعلى رغم من ذلك، أكدت الجهات المعنية الصناعية ان الانتاج الصناعى آخذ فى الانخفاض نتيجة اضطرابات سعر صرف الدولار العاصى عن الترويض مقابل الجنيه المصرى من حين لآخر، لأن الصناعة تعتمد على 60 % من المنتجات المحلية، و 40٪ على المواد الخام المستوردة.  كما أشار وزير الصناعة مرارًا إلى أن عدم وجود دولار امريكى قد أعاق البلاد عن دفع مستحقات المصانع الزائرة أو الأجنبية فى الوقت المحدد لها، وهذا يشكل عائقًا وصدامًا حامى الوتيرة مع الاستثمار، علاوة على أن الصناعة الوطنية أو المحلية ثبتت مما لا يدع مجالًا بالشك أنها غير واعدة وضعيفة بسبب تعوذها للمواد الخام المستوردة، ومما لا شك فيه أن جميع المدخلات «المواد الخام» فى الصناعة المصرية مستوردة،  وبالطبع سيؤثر هذا بالسلب على القدرة التنافسية للمنتجات المصرية سواء كان هذا  فى الداخل والخارج. ونقول كلمة خبيرة فى هذا الصدد إن انخفاض قيمة الجنيه المصرى لا يزيد الصادرات لأن مصر ليست مثل الصين مثلًا، فالصين لديها قيمة مضافة على منتجاتها لتزيد قيمة صادراتها، لأنه يجب أن يكون أى منتج  يتكون من مكونات محلية لا تقل عن 40٪، وأن  المسألة هى ان المكون المحلى يتكون من أجزاء تكون محلية وأخرى يتم استيرادها من الخارج وتتحكم قيمة الدولار الأمريكى فى هذا الجزء من المكون المحلى.