الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الإصلاح الاقتصادى» قليل من الإبداع.. مزيد من الرقابة!

«الإصلاح الاقتصادى» قليل من الإبداع.. مزيد من الرقابة!
«الإصلاح الاقتصادى» قليل من الإبداع.. مزيد من الرقابة!




فاطمة حسن يكتب:

«الغاية تبرر الوسيلة» مقولة اعتدنا استخدامها كثيرا لتبرير ما نراه مخالفا للضمير أو للقانون من أفعال أو أقوال قد تكون غير مشروعة أو غير مقبولة، كل ما نراه هو نبل الغاية، وضرورة الوصول إليها، حتى وان شاب هذا الوصول انحرافًا عن المبدأ الذى تنطلق منه الغاية فى حد ذاتها.  لقد تملكتنى هذه المقولة، واستحوذت كل تفكيرى، حتى أننى تساءلت ماذا لو سادت هذه العبارة لتكون المبدأ الذى ينتهجه الكثيرون فى الوصول إلى غاياتهم، ماذا لو كانت هذه العبارة هى الأساس الذى قد تستند إليه سياسات الدول.
إن القراءة المتأنية للأوضاع والتطورات الاقتصادية الراهنة فى مصر فى إطار  عبارة الغاية تبرر الوسيلة قد يقودنا إلى الإيمان التام لا بنبل الغاية التى تسعى إليها الحكومة فيما تنتهجه من سياسيات عامة للإصلاح والتطوير الاقتصادى، بل أيضا بنبل الوسيلة التى تنتهجها فى ذلك الشأن، فنقل التجارب العالمية الرائدة قد يكون احدى السبل النبيلة لتحقيق الإصلاح الاقتصادى فى مصر، إلا أن التحدى الكبير والذى يبقى أمر نبل الوسيلة مرهونا به، هو مدى ملاءمة هذه التجارب للواقع المصرى من ناحية، ومدى النجاح فى نقلها بشكل سليم غير مشوه من ناحية أخرى.
لقد انقسم القاصى والدانى فى رؤية واقع نهج الإصلاح الاقتصادى الذى تتبناه الحكومة المصرية، غير أن الرؤية الثاقبة لهذا النهج ومقارنته بما نراه فى الدول الغربية يجعلنا تجزم بأن النقل الجامد الذى يفتقد الإبداع قد يكون السبب فى النجاح، أو فى الفشل. فلكل مجتمع ظروفه وأوضاعه وخصائصه وسماته، غير أن احد مظاهر النقل التى قد استحوذت اهتمامى تلك القواعد التى تقرها الحكومات ومؤسسات التمويل البحثى الغربية، والتى تقضى بضرورة شراء الخامات والمستلزمات من المنتج المحلى للدولة الممولة للمشروع البحثى، ليس الأمر مجرد فرض قواعد جامدة وإنما الغرض هو تشجيع شراء المنتج المحلى، فنحن بصدد غاية تتبع الحكومات والمؤسسات الغربية الآلية السابقة فى الوصول إليها.
لقد اتخذت الحكومة المصرية عندما عمدت إلى تحرير سعر صرف الجنيه المصرى، ووقف الاستيراد، اتخذت ذات الوسيلة التى سبق الإشارة إليها، فوقف الاستيراد قد يكون السبيل لتشجيع شراء المحلى بحكم غياب وجود المنتج المستورد، إلا أن اتخاذ ذات الوسيلة لم يكن السبيل لتحقيق ذات الغاية، فما حدث فى الواقع المصرى كان مخيبا للآمال، فقد واجه المجتمع المصرى موجة رهيبة من الارتفاع الحاد فى الأسعار، لقد كان من المتوقع مع وقف الاستيراد أن يحدث هذا الارتفاع فى أسعار المنتجات المستوردة فقط، وليس المنتجات المصنوعة فى مصر، إلا أن ارتفاع أسعار كل المنتجات المحلية والمستوردة كان الفاجعة،  فلقد كان ما لم تحسبه الحكومة، حيث أغفلت طبيعة المجتمع، والبناء التكوينى لفئاته وطبقاته، ولذا كان جشع فئة التجار. فالجميع انتهز الفرصة وقام برفع سعر منتجه حتى المحلى، وبذلك كانت نظرية العرض والطلب لتلقى بظلالها فى دحض النقل والتقليد الأعمى لوسيلة قد تكون نبيلة بالفعل إلا أن التقليد والنقل الجامد جعل منها الأداة الاخبث فى إتاحة الفرصة للمتاجرة بأقوات البسطاء.    
لقد أصبح الوضع أكثر خطورة، ولم يعد بالإمكان ما كان، غير أن الرجوع خطوة إلى الوراء قد يكون سببا فى الانهيار وضياع الأمل فى إصلاح ما تبقى، كل ما نحتاجه اليوم هو القليل من الإبداع، والمزيد من الرقابة، فهل أن لكل مسئول فاسد ان تتم محاسبته؟