الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

طردونى «جارية» ورجعت «سلطانة»

طردونى «جارية»  ورجعت «سلطانة»
طردونى «جارية» ورجعت «سلطانة»




د. دينا أنور  تكتب:


كثير من السيدات يتحملن الإهانة والضرب والخيانة فى سبيل استمرار حياتهن الزوجية، ويعتقدن أن هذا التحمل واجب مقدس لحماية الأسرة ولم شمل العائلة، ولكن إذا كان الرضا بالمهانة هو الحل الأمثل لاستقرار الأسرة، فلماذا لا تستقر حياة هؤلاء السيدات بعد تنازلهن عن كرامتهن مرارا وتكرارا، ولماذا تقودهن التنازلات إلى مزيد من الإهانة لا إلى مزيد من الراحة؟
بطلتى اليوم تحكى قصتين من بطولتها، القصة الأولى عندما كانت زوجة تحمل لقب «جارية»، سكتت على الإهانة فاستمرت إهانتها، والقصة الثانية عندما تمردت على «جلاديها»، فاستعادت حقها وعادت إلى بيتها سلطانة زمانها!
على لسان بطلتى: أنا فتاة ريفية، سبق لى فسخ خطوبتي، تقدم لخطبتى شاب من أقاربنا، وافق أهلى بسرعة ليتخلصوا من عار فسخ خطبتى السابقة، وليسارعوا بزواجى قبل أن يتزوج خطيبى السابق، وأنا لم أعترض لأنه بحسب قوانين الأرياف ولد وحيد على ثلاث بنات فلن تكون لى «سلفة» تضايقنى وسأصبح أنا سيدة البيت الوحيدة بعد وفاة والديه.
تزوجت وأنجبت ابنتي، وبدأت المشاكل، فهو وأهله يريدون «جارية» بالمعنى الحرفى وليس زوجة، بدأوا بمهاجمة أهلى خاصة أمى بشكل غريب، وذات يوم تشاجرنا وسب أهلى وأمى أمام أهله وجذبنى من ملابسى وبدأ فى الاعتداء على ضربا، لم أتحمل إهانة أهلى وإهانتى فرددت إليه شتيمته، فما كان من أمه وأخواته إلا أن تكاثرن على وأبرحونى ضربا «بالشباشب»، وألقونى فى الشارع بملابس البيت وأنا حافية القدمين!
هرولت فى الشارع بهذا المنظر أمام الناس فى القرية إلى منزل والدي، وما زاد من ذلى أن والدتى بدلا من أن تحتضننى وتجبره على القدوم للاعتذار لى، ذهبت هى إلى رجال عائلته حتى يتوسطوا فى رجوعى لمنزله، وبالفعل عدت صاغرة لكى لا أفارق ابنتى الصغيرة التى تركتها رغما عنى.
ولكن هل تظنين أن التنازل أدى إلى الراحة؟ على العكس تماما، أصبحوا يعايروننى بأمى التى لم تتحملنى ويصفونها بالعاهرة! أصبحت إهانة أهلى أمامى عادة يومية، تحولت إلى جارية بمعنى الكلمة أقوم بجميع الأعباء المنزلية وحدي، كانت تجعلنى أحمل «طشت الخبز» وحدى بينما تسير هى وبناتها هوانم، حبسونى فى المنزل ومنعونى من زيارة أهلى تماما، لدرجة أننى كنت أقابل والدتى خلسة فى السوق وعند بائعة الدجاج، حتى عندما مرض والدى لم أتمكن من رؤيته سوى مرة واحدة وتوفى دون أن أودعه..!
عشت فى ذل وقهر وتقتير، لدرجة أننى كنت «أشحت» متطلباتى من بيت عمته التى رمت لى «جزرا» ذات مرة من الشرفة لأطبخ «شوية عدس»، بالإضافة إلى تهديده المتكرر لى بطردي، لدرجة أننى ذات يوم أقمت معه علاقة جنسية رغما عنى فى الفجر حتى لا يطردنى فى هذا الوقت المتأخر، وفكرت يومها فى الانتحار..!
إلى أن جاء يوم وجدت نفسى لم أعد أتحمل، شكوت إلى عمى فجاء إلى المنزل وطلب التحدث إلى زوجي، وعندما استمر فى إهانتى أنا وأمي، لم يتحمل عمى واشتبك معه بالأيدى، فما كان منه إلا أن خلع حزامه وانهال على بالضرب وطردنى من المنزل بمنتهى الإهانة، وقادنى بنفسه إلى بيت أهلى وقال لأمى: بنتك أهى وإياكى تلفى على الناس تانى عشان أرجعها..!
حدثت محاولات صلح كثيرة ولكنه فى كل مرة كان يصمم على إهانة أمى وإهانتى، إلى أن جاء يوم وشتم والدى المتوفى بلفظ قذر، فلم أتحمل ورددت عليه بأننى وعائلتى أشرف منه، فصفعنى على وجهي، فوجدت نفسى أرد له الصفعة وأصرخ فى وجهه بهيستيريا شديدة، انهال على بالضرب فصرخت واستنجدت بالجيران، أخذت ابنتى وخرجت من المنزل وأنا أصرخ، بعدما اجتمع الناس وأمنوا خروجى بطفلتي.
عدت إلى منزل أهلى هذه المرة وأنا مصممة على الانتقام، اصطحبت أعمامى وذهبت إلى القسم وحررت محضرا ضده، وأخذت حكما بحبسه شهرين، ووكلت محاميا ورفعت عليه قضية طلاق للضرر ونفقة لى وللصغيرة.
تم فضحه فى القرية وبدأ الناس فى النفور منهم لدرجة أن إحدى شقيقاته ابتعد كل الشباب عن خطبتها بسبب سمعة أهلها وما فعلوه معي، مع الوقت والخوف من الحبس والإنفاق بالإجبار تحول الثور الهائج إلى فأر مذعور، وجاء إلى بابى يطلب ودي، وأقسم أن ينفذ كل شروطى فى سبيل أن أتنازل عن المحاضر والقضايا!
عدت إلى منزلى مرفوعة الرأس بعد أن أمليت شروطي، لم تجرؤ والدته على مضايقتى مجددا وبدأوا يحسبون لى ألف حساب، بعت ذهبى واشتريت نصيب أخته فى البيت وأصبحت صاحبة نصيب قانونى فى المنزل، وأنجبت طفلى الثانى وهو ما يعنى بلغة الفلاحين أننى شددت ظهري، وأصبحت أخيرا سيدة المنزل بعدما كنت جاريته المهانة..!
انتهت القصة، والخلاصة هى أن التنازل يقود إلى مزيد من التنازل، وكلما سمحتى لأحد بإهانتك سيستمر فى إهانتك أكثر وأكثر، ولن تشعرى بالأمان إلا لو كنت ممن لا يفرطون فى حقوقهم ولا يتنازلون عن كرامتهم، الحقوق تنتزع ولا تمنح، ولن يضيع حق وراءه مطالب.