الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الورش والمحال تهدد الثروة الأثرية والتراثية بالدرب الأحمر

الورش والمحال  تهدد الثروة الأثرية والتراثية بالدرب الأحمر
الورش والمحال تهدد الثروة الأثرية والتراثية بالدرب الأحمر




 تحقيق وتصوير - دعاء محمد

حى الدرب الأحمر يعد من أقدم المناطق التاريخية حيث يضم 65 أثرًا إسلاميًا، من مساجد وأسبلة وزوايا وقِباب، يحد الحى من الشمال حى الجمالية وغربًا حى الموسكى وحى عابدين وحى السيدة زينب وجنوبًا حى الخليفة وشرقًا طريق النصر فضلًا على احتوائه على جامع الأزهر.
وهو من أهم المناطق السياحية بالقاهرة التى تشغف السياح المهتمين بالآثار والتاريخ الإسلامى بزيارة المنطقة، للتعرف على تاريخ مصر فى العصر المملوكى حيث إنشاء معظم آثار المنطقة فى العصر المملوكى، وفى ظل ما تواجهه مصر من أزمة تنشيط السياحة حين يأتى السائح لمشاهدة المساجد ويجدها منهارة مهملة، ويثير هذا الوضع نفوره ويفقد إعجابه.

فى منطقة الدرب الأحمر توجد مساجد تعود لمئات السنين، وهى فى وضع طى النسيان، والإهمال يصل لحد الاستهانة بالآثار الإسلامية، خاصة المساجد، فمعظمها منهار منذ الزلزال الذى ضرب مصر عام 1992م، وحتى الآن دون ترميم، مما يزيد من الوضع سوءا، حيث تآكل بنية المسجد، بخلاف مساجد آثرية مغلقة لإنهيار بنياها، وبدون لافتة تشير إلى اسم المسجد أو الجهة التابعة له سواء وزارة الآثار أو الأوقاف.
   إضافة إلى مساجد أخرى شاحبة اللون، منهكة الشكل الخارجي، تصرخ مستغيثة بمن ينقذها من الاندثار، منها ما هو محاط بالكتل الحديدية الضخمة منذ سنوات من الداخل والخارج لإسنادها من السقوط، وتعانى من شروخ وتصدعات وتآكل، وقرب فقدان الطراز الفنى  والزخارف التى تعبر عن العصر التى أنشأت فيه.
تكية ومدرسة السلطان محمود خان
تقع فى شارع بورسعيد، وتطل على سكة الحبانية، كانت فى بداية الأمر مدرسة أنشأها السلطان محمود خان بن مصطفى خان عام 1850م على الطراز العثمانى، وكانت تمتلك مكتبة عامرة بالكتب ومساكن للصوفية، ووصفت المدرسة الملحقة بها بأنها ثانى مدرسة باقية فى مصر على الطراز العثمانى بعد مدرسة السلمانية، وتحولت هذه التكية الآن إلى مكاتب تابعة لهيئة المجلس الأعلى للآثار، وتحطمت واجهتها الرخامية الملونة، وجدرانها المنقوش عليها اسم الله ورسله.
إضافة إلى إهمال الشكل الخارجى لها، من تهالك فى الجدران، وضياع للمعالم، وتنبعث من الحائط رائحة التبول، وتحولت للون الأسود وكأنها حزينة على الحال الذى وصلت إليه، وأصبح فى مداخل التكية 9 محال صغيرة من مكاتب لكتب الثراث القديم وورشة ميكانيكا.
سبيل بشير آغا
وعلى بعد أمتار قليلة يقع سبيل بشير آغا أو دار السعادة، ويتبع تخطيطه طراز الأسبلة العثمانى، ويتكون من جزءين، الصهريج أسفل الأرض، ووظيفته القيام بتخزين المياه اللازمة لتزويد السبيل بالمياه، وقدرت الدراسات الحديثة كمية المياه التى يمكن أن يخزنها صهريج هذا السبيل سنويا بحوالى 917 مترًامكعبًا، والجزء الثانى هو حجرة التسبيل وملحقاتها والتى تقع فوق سطح الأرض، وهى حجرة مستطيلة الشكل ذات واجهة مقوسة.
وتميزت أرضية حجرة التسبيل من الداخل بأنها من الرخام، كما غطت الأجزاء السفلية من الجدران بالرخام أيضًا، والجدران فى الأجزاء العلوية بقطع خزفية.
وأصبح هذا التراث العثمانى جزءًا من مقهى بلدى ممتد على حوائطها الكراسى والترابيزات، ويسند الزبائن ظهورهم على هذا التراث وهم يتناولون الشيشة والشاي، وتبدو أبواب السبيل مغلقة منذ زمن حتى اختفت خلف كراسى القهوة.
سبيل الست قنصل
يقع داخل حارة عاطفة الأنصارى، أثر 311، التى يقع فى مواجهة مكاتب المجلس الأعلى للآثار بشارع بور سعيد، ولكن لم يلفت نظر أحد منهم بنيته المنهارة الآيلة للسقوط، حيث يعبر المبنى على ما بداخله من قمامة وسقوط السقف الخشبى.
وأضاف الأسطى محمد، من جيران السبيل إلى أنه من المتوقع أن يقع فى أى وقت، ويجلب لهم هذا المبنى ثعابين يصل طولها 3 أمتار، ويناشد المسئولين بإعادة ترميم وتنظيف هذا المكان أو إزالته، حيث أصبح أهل المنطقة يتعاملون معه على أساس مقلب لرمى القمامة، علمًا بأنه منحوت عليه اسم الله.
جامع بيبرس الخياط
مسجد ومدرسة بيبرس الخياط، الذى يعتبر من أعرق الأماكن الأثرية فى مصر، ويقع المسجد على رأس حارة - الجودرية - بدرب سعادة، وهو من أهم المساجد الأثرية التى لحق بها انتهاكات تخدش حرمته كمسجد، نتيجة تحوله من بناء أثرى يعبر عن آخر أمراء العصر المملوكى فى مصر، إلى امتداد للمقهى التى تعمل أمامه من وضع أِجولة الفحم والشِيشة وصناديق المياه الغازية وبعض كراسى وترابيزات المقهى عند مدخل المسجد الأساسي، أدى إلى إغلاق الباب الأمامى ودخول عاملى البناء من باب آخر فى ظهر المسجد.
نظرا لسقوط سقف المسجد العام الماضى قبل أذان الظهر بدقائق، أدى إلى انهيار الجزء الأمامى الذى يشمل المحراب والمنبر، وتتم إعادة بناء السقف من خلال تبرعات أهالى المنطقة التى بها المسجد، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل يحتضن جدرانه فرشة أحد بائعى الخضار، وبعض الأقفاص وأُرمة أحد الجزارين وبوسترات أحد المرشحين لانتخابات مجلس النواب حينها.
وتتكون مساحة المسجد من 9 أمتار تحت إدارة وزارة الأوقاف، بجانب قبة مساحتها 11 مترًا تتبع وزارة الآثار، ويعود تشييد جدرانه إلى الأمير بيبرس بن عبدالكريم - الشهير بمسجد بيبرس الخياط، الذى كان إحدى خواص السلطان قنصوه الغورى فى 1515م ليلحق به ضريحًا تعتليه قبة يتوسطها صحن جامع.
وينسب لـ «على باشا مبارك» أنه قال بداخل هذا الجامع ترقد زوجة الأمير بيبرس وأولاده، ويعتبر مسجد بيبرس الخياط آخر الجوامع التى بناها المماليك - الجراكسة - فى القاهرة، والذين يتبعون مماليك السلطان قلاوون، والذين سكنوا القلعة وأبراجها وتمكنوا من إنشاء دولتهم فى 1382م حتى سقوطها فى 1517م باستيلاء العثمانيين على القاهرة.
مسجد السلطان الأشرف برسباى
يقع المسجد فى شارع المعز لدين الله، يطلق عليه المدرسة الأشرفية أو مسجد ومدرسة السلطان الأشرف البرسباي، وبدء فى إنشائه فى سنة 826 هـ - 1424م، و يأخذ الشكل المستطيل وتبلغ مساحته 1760 مترًا وهذا بخلاف مساحة ما يلحق به من السبيل والكتاب والمكتبة والضريح وسكن الطلبة، ويتميز هذا المسجد بطابعه الهندسى ذى الخطوط المتعامدة، ولكن مر الزمن دون إجراء إصلاحات بمبانى المسجد والحفاظ على ما يحمله من فنون تراثية، رغم أنه يوجد فى شارع المعز الذى يعد من أكثر الأماكن زيارة للسائحين المهتمين بالأثار الإسلامية.
على الرغم من ذلك تعرض لتصدعات وشروخ فى مبانى المسجد، وتآكل الحوائط، وتمزق أسلاك الشبابيك، واختفاء الألوان والشكل الخارجي، ويعد هذا المسجد الثالث التى أنشأه الأشرف برسباى، واستمرت فترة حكم السلطان الأشرف 16 عاما تميزت بالاستقرار، كما قام بسك عملته الخاصة باسم «الأشرفية».
مسجد الماردانى
عبد الله الماردانى الساقى، ويرجع لقب الساقى لكونه كان يعمل ساقيًا بقصر السلطان، أى المسئول عن تقديم السماط - المائدة- وتقطيع اللحوم وتقديم الشراب للسلطان بعد رفع المائدة، حيث كان أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، بدأ الماردانى فى بنائة المسجد 1338م وانتهى من بناءه عام 1340ميلادية، وأنفق عليه مالًا كثيرًا، وعرضه 20م وطوله 22.5م.
يقع المسجد بشارع باب الوزير فى منطقة الدرب الأحمر، ويتكون من صحن مكشوف مستطيل يتوسطه نافورة، يحيط به أربعة أروقة من الرخام، أكبرها وأعرقها ذلك الرواق الذى يأخذ اتجاه قبلة الصلاة، وللمسجد ثلاثة مداخل فى اتجاه الغرب والجنوب والشمال، وتوجد البوابة الرئيسية ناحية الشمال، وللمسجد قبة بثمانية أعمدة جراتينية تسبق المحراب، ومن كل هذا مما كان يمتلكه هذا المسجد من فخامة الرخام المطعم  بالصدف، وانعكاس للتراث المملوكى، فلم ترحم يد الإهمال هذا المسجد ليتحول إلى مكان عشوائى أعمدته الرخامية منهارة، وحوائطه وأسقفه منهارة، لدرجة ظهور خرسانة البناء واختفاء الأوانى والزخارف.
وأيضا المحراب الذى كان من المحاريب الجامعة بين جمال الشكل ودقة الصنع، وسقوط لوحات الآيات القرآنية المحفورة بالصدف على الحائط ومكتوبة بالخط الكوفى وتهلهل النجف المعلق بالسقف، إضافة إلى تدهور حالة النباتات والأشجار وسقوطهم على الأرض بأماكن مختلفة، وتحول النافورة التى تتوسط المسجد إلى ثلاجات مياه ووصلات من المواسير المتهالكة التى يصاحبها الصدأ وتحتاج إلى صيانة.
مسجد الفيروز
كتل حديدية ضخمة تسند المسجد من الداخل والخارج، بسبب وضعها لتأثير زلزال 1992 على مبنى المسجد لحين ترميمه، وإلى يومنا فهو فى خانة النسيان، لم يعلم المسئولون باسمه أو مكانه لكونه يتواجد بين شوارع، بشارع الجنباكية - السروجية - سابقًا، ويشير هذا الاسم إلى المنطقة التى كانت تبيع تجهيزات الخيول للفرسان من سروج مطعمة بالذهب والفضة، وأيضا اللباد الذى كان يوضع على ظهر الخيل.
  جدرانه تتغذى عليها الرطوبة، وتمحى الألوان والنقوش المزينة للحائط، وأسلاك كهربائية مكشوفة، ووضع دراجة داخل المسجد بالإضافة إلى تعليق حبل غسيل وأوانى طبخ، وتم تشييد هذا المسجد عام 830هـ / 1426م، ويحمل رقم 192 آثار، وينسب إنشاؤه للأمير فيروز بن عبد الله الرومى الجركسى، وكان يعمل ساقيًا للسلطان الأشرف برسباى، وتوفى عام 848هـ ودفن بمسجده.
مسجد أبوحريبة
مسجد الخمسين جنيهًا، أى المسجد المرسوم على العملة الورقية فئة الخمسين جنيهًا أو مسجد أبوحريبة، من أحد المساجد الأثرية بمنطقة الدرب الأحمر، هو أحد المساجد المهمة التى انشئت فى عصر قايتباى عام 885هـ، ويتسم بسمات معمارية وزخرفية باهرة، فهو واحد من المساجد المعلقة حيث بنى أسفل واجهات المسجد مجموعة من الدكاكين التى كانت تؤجر ويستغل ريعها فى الإنفاق على عمارة المسجد وإصلاحه، وللمسجد أربع واجهات أحدها تطل على شارع الدرب الأحمر، وسمى بذلك نسبة للشيخ أبوحريبة الذى دفن فيه، ويشهد المسجد وضعًا سيئًا للغاية، حيث تآكل قبته وشروخ فى واجهة المسجد ومحاصرة القمامة له، إضافة لتعرضه للسرقة بين الحين والآخر.
أما زاوية أبواليوسفين التى أنشئت عام 1230 ميلادية، فرصدنا بها تصدعات فى الحوائط وتعشيش بيوت العنكبوت عليها، وانخفاض مستوى الباب عن سطح الأرض لمسافة كبيرة، وانبعاثات كريهة من دورات المياه.
مسجد أبو الفضل
 تخطى هذا المسجد جميع درجات الإهمال، وكان محاطا برافعات حديدية لإسناده من السقوط لنوات طويلة، حتى انهار قبل 3 أعوام، ولم يتبق سوى قبة المسجد، ويقبع فى شارع المنجلا، بباب الخلق، حيث تحاصره الأبنية السكنية من جميع الجهات، وتحيط به مجموعة من الكلاب الضالة، ويقع على بعد أمتار قليلة منه كتاب متهالك مغلق يشبه بيت الأشباح يتبع وزارة الآثار، ملصق بجدرانه كشك لبيع الخبز وصندوق كهرباء عمومى.
مسجد محمد عارف باشا
 هو مسجد صغير أو زاوية اقيمت على أنقاض مدرسة الأمير مقبل الملكتمرى،  حسب ما ذكر على باشا مبارك فى خططه التوفيقية وأنها كانت مدرسة وتخربت فجددها عارف باشا الدرمللى عام‏ 1282م، وأنشأ عددا من المحال كوقف للإنفاق على المسجد‏,‏ ولكنه تراجع عن أداء دوره كمكان للعبادة منذ‏70‏ عاما، وتوقف مستأجرو المحال عن دفع الإيجارات، بعد محاولات ورثة ناظر وقف عارف باشا هدم المسجد بإدعاء أنه منزل، رغم المئذنة والميضة وأنه ملك لهم‏.
مسجد الأزرق
جامع إبراهيم أغا مستحفظان، أو آق سنقر، أو الجامع الأزرق، يقع بشارع باب الوزير، أنشأه الأمير شمس الدين آق سنقر عام 1347م، وهو أد أمراء الناصر محمد بن قلاوون، وأطلق عليه الجامع الأزرق نسبة إلى مجموعة القاشانى العظيمة ذات اللون الأزرق التى كسا بها جدار القبة والجدران الداخلية، يبلغ عرضه 80 مترًا وطوله 100متر، ويتوسطه صحن مفتوح محاط بأربعة أروقة ذات أعمدة، وله 3 أبواب، وبه ضريحان، الأول للأمير آق سنقر الناصرى، والثانى للسلطان المملوكى علاء الدين كجك، ومنبرًا ذا زخارف عثمانية.
وتعرض لبعض الأضرار أدت إلى تصدعه عقب زلزال 1992م، وبقى مغلقًا لمدة 21 عامًا، وتولت مؤسسة - أغا خان- عملية ترميمه والمعالجات اللازمة لترميم جميع أروقته والأسطح والجدران الداخلية والبلاطات وتنفيذ القطع المفقودة وتركيبها بالشكل الذى كانت عليه، ولم يمر على ترميمه سوى 3 أعوام، حتى امتد إليه الإهمال وتآكلت أعمدته وأرضيته وجدرانه، ويفتح المسجد أبوابه الضخمة للسياحة لمشاهدة الأضرحة والطراز المملوكى الذى يتميز به.
 وقال سعيد حلمى - رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار - إن جميع المساجد الآثرية تخضع لإشراف الوزراة، ولكن التمويل هو العقبة الأساسية التى تعيق الترميم، ودور وزارة الآثار هو الإشراف الفنى والمعمارى، وعلى وزارة الأوقاف توفير التمويل لإصلاح هذه المشاكل، وقال إن مسجد الماردانى ستقوم بترميمه مؤسسة أغا خان لترميم الآثار الإسلامية، وعلق عن وضع مسجد بيبرس الخياط وما يحيط به من باعة ومستلزمات المقاهى حيث يراها كارثة أن يصل سلوك المواطن مع الآثار الإسلامية لهذا الحد، أما مسجد أبوحريبة فهو فى وضع جيد برغم وجود تآكل فى قبته.
 وأكد المهندس مجدى أبوعيد - رئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية بديوان عام وزارة الأوقاف - أن هناك 19 مسجدًا على مستوى الجمهورية بحاجة إلى ترميم، وتم مد وزارة الآثار بـ 15 مليون جنيه خلال الفترة الأخيرة وتم تسجيل ذلك فى محضر رسمي، كما دفعت الأوقاف للآثار 500 ألف جنيه لترميم مسجد قايتباى فى الفيوم، و 800 ألف جنيه لمسجد الفتح، وترميم المسجد المحلى برشيد، والمشكلة هى أن وزارة الآثار تكلف على الترميم ضعف التكلفة الفعلية لأى مبنى مشابه.