الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دوامة المفاجأة والتكرار فى «واحد تانى»

دوامة المفاجأة والتكرار فى «واحد تانى»
دوامة المفاجأة والتكرار فى «واحد تانى»




قد يوحى أفيش العرض المسرحى «واحد تاني» بأنك على موعد مع مشاهدة إحدى تجارب القطاع الخاص على خشبة مسرح الطليعة، وهو ما كان مثيرا للدهشة وعلامات الاستفهام أو بمعنى آخر يوحى الأفيش بأنه مجرد عرض كوميدى تقليدى مثل السهرات المسرحية التقليدية التى أصبحت تعرض على شاشات الفضائيات، لكن سرعان ما يزول أثر هذا الانطباع الأول، الذى لن يدوم طويلا بعد مشاهدتك لأول 25 دقيقة من العرض المسرحي، الذى تناول فكرة إزدواج الشخصية التى قد تعانى منها النفس البشرية، فهناك من يظهر حاجته للعيش فى شخصية «واحد تاني» بدلا من شخصيته الحقيقية وهناك من تظل رغبته حبيسة عقله الباطن ولا يفصح عنها سوى فى أحلامه فقط، تناول المؤلف مصطفى سعد هذه الفكرة من خلال مسرحية «واحد تاني» لكن كيف تناولها ثم كيف عبر عنها المخرج شادى سرور.

فى البداية يذهب مؤلف إلى إحدى الفنادق كى يستأجر غرفة ينفرد بها لتأليف أحدث أعماله عن شخصية شهريار فى ألف ليلة وليلة، لكنه لن يستطيع إتمام عمله الفنى بسبب ما يعانيه هذا المؤلف وهو الفنان أحمد صيام من أحداث غريبة وغير منطقية فى هذا الفندق الغريب، ففى البداية تقتل أمام عينيه سيدة وهى أحد قاطنى هذا الفندق، ثم يفاجىء أنها ما زالت على قيد الحياة، ويصطدم فى مشاجرة مع الأمير «البرنس» أحد نزلاء الفندق أيضا ثم يفاجئ بنفس الشخص يعمل بالفندق، وهكذا يظل يفاجأ بكل شخصية ونقيضها فى نفس المكان، وبأحداث عجيبة ثم نقيض نفس الحدث فى حالة من التشوش والتكرار المبالغ فيه، حيث لعب المؤلف بهذا العرض على عنصرى التكرار والمفاجأة، تكرار الأحداث بشكل مختلف وبنفس الشخصيات ثم ترتدى كل شخصية ثياب شخصية أخرى، ومفاجأة البطل «المؤلف» ثم مفاجأة الجمهور فى نهاية العرض أن البطل دخل أحد المصحات النفسية عن طريق الخطأ، والتى قررت استخدام أحدث الأساليب فى معالجة المرضى عن طريق توفير جو جديد من الحياة لهم يستطيع فيه كل مريض أن يعيش الحياة التى لم يتمكن من عيشها فى الواقع.
اشترك المرضى جميعا فى نفس المرض وهو رفض الواقع والثورة عليه بالخيال، وحتى تصل إلى تفسير هذه النتيجة أخذنا المؤلف فى دوامة طويلة من التكرار والمفاجآت، وهو ما يعد عيبا رئيسيا فى العرض، بسبب طول زمن المسرحية الذى تجاوز الساعتين، فأصبح البطل والمشاهد يدوران فى حلقة مفرغة للوصول إلى الحقيقة، بالطبع أراد المؤلف من هذا التطويل أن يضفى نوعا من الإثارة والتشويق على الأحداث، وكى لا يسمح للجمهور بالمغادرة حتى ولو شعر بنوع من الملل لأن فضوله سيدفعه لانتظار مشهد النهاية، لكن يبقى هذا الأسلوب فى إرهاق المشاهد ذهنيا نوع من الضغط عليه بالبقاء، إلى جانب فتح المجال للتشويش فى عرض الفكرة والتوهان فى اثبات نفس المعنى، وبالتالى فقدان حالة المتعة والإثارة التى أرادها المؤلف منذ اللحظة الأولى للعرض، لأن عنصرى الإثارة والتشويق تحققا بالفعل مع المشهد الأول، لذلك كان عليه الاكتفاء بفصل واحد خاصة وهو يتناول فكرة مثيرة ومختلفة بالمسرح، فمع استراحة نصف ساعة كاملة ثم الدخول فى الفصل الثانى بدأت تتوه فكرة العرض خاصة مع اختلاق أحداث مكررة لإثبات نفس الأزمة التى يعانى منها الساكن الجديد، دخلنا فى دوامة الملل واستعجال النهاية ومن ثم تعجل الوصول إلى النتيجة التى طال انتظاروها، فاكتفاؤه بالفصل الأول وتكثيف الأحداث كان سيحقق متعة أكبر من إجبار الجمهور على الجلوس مدة زمنية أطول، بجانب أن طبيعة مثل هذه العروض الطويلة ذات الفصلين غير مناسبة على الإطلاق لطبيعة مسرح الطليعة، فالعمل بمجمله أنسب أكثر لخشبة مسرح السلام أو ميامي، لأن الطليعة يعتمد عادة على تجارب طليعية شابة، احتوى أيضا العرض على بعض المبالغة فى الإفيهات والإيحاءات الجنسية التى كان من الممكن الاستغناء عنها فى مواضع كثيرة، فصناعة الضحك من هذه الإفيهات أصبح أسلوبا قديما ومكررا فى صياغة وافتعال مواقف كوميدية.
لكن تجاوزا لهذه العيوب يعتبر «واحد تاني» عملا مسرحيا مفاجئا للجمهور كما ذكرنا فى بداية المقال وعالجه المخرج شادى سرور بمهارة مخرج محترف فلم يخذل جمهوره الذى اعتاده دائما صاحب تجارب مهمة وأعمال متميزة، وكانت المفاجأة أيضا فى الطرح الجديد لأداء الفنان عمرو عبد العزيز الذى لعب شخصيتى النادل والأمير، حيث ظهر عمرو بشكل مختلف عن الذى اعتاد الظهور به فى أعمال مسرحية سابقة فكان أكثر دقة ونضجا فى لعب الشخصيتين بجانب إلتزامه بالنص وتأدية دوره بكوميديا سلسة بسيطة دون مبالغة أو افتعال، فكان حريصا على الظهور بشكل مختلف متخليا عن تكرار نفسه، أيضا يشهد العرض عودة الفنانة إيناس شيحة والتى لعبت دور الأميرة وزوجة النادل الفقير وأدت إيناس الشخصيتين بمهارة، وكذلك كان إيهاب بكير فى دور الإرهابى والرجل المتفتح ثم محمد اسماعيل وجميع أبطال العرض، لكن يبقى فى المقدمة والذى كان الأكثر حضورا وتميزا على خشبة المسرح الفنان أحمد صيام حيث لعب شخصية المؤلف المعذب بين الواقع والخيال باحتراف شديد ويذكرك بسلاسة أدائه وانفعاله بالشخصية بأبطال مسرحيات زمن الفن الجميل فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي، ففى النهاية يعتبر «واحد تاني» تجربة متميزة وجديدة بالمسرح، تحرر فيها العرض من التجارب التقليدية التى يعتمد معظمها على نصوص مسرحية عالمية أو على إعادة قراءة لنصوص قديمة هلكت بحثا، فأكثر ما ميز هذا العمل الحرص على التغيير واللعب خارج المضمون.