السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يحيى حقى والأغنية الشعبية

يحيى حقى والأغنية الشعبية
يحيى حقى والأغنية الشعبية




د.حسام عطا يكتب:
تأتى لنا الفضائيات المصرية بمجموعة صاخبة من الأغانى المصحوبة بالرقصات وبعضها يحكى قصصا تمثيليا لموضوع الأغنية، الذى يشكو فى معظمه من غدر الدنيا وخيانة الحبيب وعدم الوفاء فى الصداقة وعن الصبر والاحتمال، ومدح الرجولة والشهامة الغائبة وافتقاد الجدعان من أولاد البلد، أما اللافت للنظر فهو سعى تلك القنوات المختصة بهذا النوع الغنائى المصور على نشر مجموعة من الأغنيات المأخوذة من التراث الغنائى المصرى الشعبى الذى، أهمله المختصون فى مصر.
وبعيدا عن فكرة التقييم ورطانة اللسان النقدى المستعين بالذم لهؤلاء الذين يحولون الأغنية المصرية لضوضاء وصراخ ورقص حسى، وما إلى ذلك من محفوظات نقدية متداولة، فإن هؤلاء الفنانين فى تلك القنوات المتعددة لا يزالون يحاولون بلا شك التعبير عن أنفسهم فى باب الغناء الشعبى وهم فى هذا الصدد يستلهمون الذائقة المصرية التاريخية فى حبها للجمع بين الغناء والتمثيل والرقص فى سبيكة فنية واحدة، مصدرها وإطارها هو الصخب المحتفل بالحياة، هذا الذى تراه فى أفراح المصريين البسطاء فى الشوارع، وفى مناسباتهم الاجتماعية والدينية المختلفة، ولذلك فالسؤال النقدى يجب أن يكون موجها للهيئات المسئولة عن الفن الشعبى فى مصر، وعن حفظه ونشره وتطويره دعما لوجدان الشعب المصرى وتهيئة للمشاعر العامة لمواجهة واحتمال مصاعب الحياة، وفى هذا الشأن أعود لتجربة مصرية جادة رفيعة المستوى أدارها أديب مصر العبقرى يحيى حقي، لم نتجاوزها حتى الآن، ويمكن استعادتها والبدء منها لتطوير الغناء الشعبى فى مصر وفتح المسارات الصحيحة المتعددة أمامه.
ففى كتابه «يا ليل يا عين» يحكى أنه قد تبين له أثناء محاولته جمع وتطوير الغناء الشعبى «فى مهرجان الفنون الشعبية الذى أقامته مصلحة الفنون سنة 1955 أنه لاحظ هجوما عنيفا من أغانى الراديو على الأغانى الفلكلورية، وهو هذا الهجوم الحادث الآن على الغناء الشعبى من الفضائيات، كما أنه لاحظ تراجع أغانى الحب، ولاحظ محاولات خاطئة لتقليد التمدن، وتقهقر الموال الصعيدى وخاصة الأحمر منه الذى يتحدث عن الغربة والاشتياق، أما موال النصائح، كما لاحظ اختفاء اللهجات المحلية لصالح لهجة جديدة هى لهجة الراديو/ الفضائيات الآن، مما يصيبنا بالهلع أمام حقيقة تنذر بضياع هذا التراث الفنى، إن لم تسارع بتسجيله وتطويره وإعادة نشره كما لاحظ انتشار رقصة البطن، ولا يسميها الرقص الشرقى، وهو يحمل عليها بهجوم مصدره خلوها من الجمال، وتاريخها القادم من عالم الجوارى وامتهانها لكرامة المرأة وهو لا يراها رقصة شعبية لأنها ليست متاحة فى علانية لكل الطبقات الاجتماعية، وليس مسموح بها اجتماعيا للحسيبات النسيبات من النساء...».
أنه يحيى حقى وكأنه يحدثنا عما يحدث الآن فى عالم الغناء الشعبى المصرى الذى يجب أخذه مأخذ الجد لأنه أحد أدوات الثقافة الشعبية المصرية فى نشر وتعزيز القيم المصرية الإيجابية، ولأنه كنز كبير لا يجب تركه ليفنى.