الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحرب العالمية للعملات «2»

الحرب العالمية للعملات «2»
الحرب العالمية للعملات «2»




صبحى مقار يكتب:
تأتى الولايات المتحدة فى مقدمة الدول التى تتهم بالتلاعب فى أسعار صرف عملاتها لتحقيق مصالحها دون النظر إلى تأثير ذلك على الاقتصاد العالمى، حيث اعتمدت على قوة الدولار كعملة الاحتياطيات الدولية وأساس المعاملات بين الدول، واستخدمته كسلاح موجه ضد الدول الصاعدة، خاصة الصين والهند والبرازيل، والتى حققت مستويات نمو عالية واحتياطيات مالية كبيرة وفوائض فى موازينها التجارية نتيجة لزيادة حصتها التصديرية مقارنة بالولايات المتحدة واليابان وأوروبا.
وقد قامت الولايات المتحدة بإغراق النظام المالى العالمى بالسيولة النقدية من الدولار مع معدلات فائدة منخفضة جدا من خلال برنامج التيسير الكمى لتبلغ قيمة الأموال التى تم طرحها نحو ثلثى عرض النقد الدولى بالدولار.
وتتمثل أهم أهداف برنامج التيسير الكمى فى إحداث انخفاضات حادة وسريعة فى سعر صرف الدولار لإحداث حالة من الانتعاش فى الاقتصاد وتخفيض تكلفة السلع الأمريكية المعدة للتصدير لمنافسة صادرات الدول الصاعدة، وتخفيض النفقات العامة من خلال تجنب دفع الفوائد على السندات، وإحداث خلل فى الأداء الاقتصادى للدول الصاعدة بانتقال الأموال الساخنة إلى أسواقها المالية ذات الربحية الأعلى، وبالتالى، خلق فقاعات اقتصادية مثلما حدث فى أزمة النمور الآسيوية، حيث تعتبر الفقاعة الاقتصادية وصفا للحالة التى تحدث نتيجة للمضاربة الدافعة إلى ارتفاع أسعار السلع بطريقة تؤدى لتزايد المضاربة عليها وبلوغ أسعارها مستويات خيالية لتصل إلى مرحلة انفجار الفقاعة وحدوث هبوط حاد ومفاجئ فى أسعار هذه السلع، خاصة فى الدول التى تشهد رواجا اقتصاديا لفترات زمنية محددة، دون أن تستند إلى قاعدة إنتاجية قادرة على توليد الدخل المنتظم والاستمرار فى حالة الرواج على أسس مستدامة. وأيضا، إحداث ضغوط تضخمية فى أسواق الدول الصاعدة برفع أسعار صرف عملاتها ورفع أسعار تكلفة الإنتاج مما يؤدى إلى ضعف تنافسية صادراتها وانخفاض معدلات نموها مما أجبر بعض الحكومات إلى فرض الضرائب على تدفقات رءوس الأموال الأجنبية القادمة إليها.
وتتمثل أهم أسباب حرب العملات فى تنامى صادرات الصين (14.1% من صادرات العالم عام 2015)، ونمو فائضها التجارى بنسبة 20.5% خلال الفترة 2009-2015 ليصل الفائض إلى 600.2 مليار دولار عام 2015. فى الوقت الذى تراجعت فيه صادرات الولايات المتحدة من المرتبة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى المرتبة الثانية، ونمو عجزها التجارى بنسبة 6.7% خلال نفس الفترة ليصل العجز إلى 803 مليارات دولار عام 2015. كما بلغ معدل نمو عجزها التجارى مع الصين 10.4% ليصل العجز إلى 260.3 مليار دولار عام 2015 مما أضاف ضغوطا تضخمية قللت معدل نمو الاقتصاد الأمريكى، زادت معدل البطالة، خفضت أداء وربحية المؤسسات الاقتصادية ومتوسط دخل الفرد. وعلى الرغم من انتقاد واشنطن للسياسة النقدية الصينية ومطالبتها برفع قيمة اليوان لتقضى على ميزة رخص السلع الصينية مقارنة بالأمريكية، إلا أن الصين تعتبر نفسها غير مسئولة عن العجز التجارى الأمريكى الناتج عن تراجع إنتاجية وتنافسية الاقتصاد الأمريكى، وتركز على أنه يجب على الولايات المتحدة حل مشاكلها بدلا من تحميلها للآخرين. كما أكدت على عدم ترك تحديد قيمة عملتها لقوى السوق حتى لا ترتفع بشكل كبير يؤدى إلى إفلاس العديد من الشركات الصينية وارتفاع معدل البطالة وخلق الاضطرابات الاجتماعية.
وقد ساهمت أطراف أخرى فى حرب العملات، حيث اتبعت الدول الأوروبية سياسات تقشفية لخفض عجوزات موازناتها، وتدخلت الهند لمنع ارتفاع الروبية مقابل الدولار، كما تدخلت اليابان، التى تعتمد فى نموها على الصادرات، عدة مرات لوقف ارتفاع الين بضخ كميات كبيرة منه فى السوق، كما اتهمت فى نفس الوقت كوريا الجنوبية بخفض قيمة عملتها وتثبيتها لسعر الفائدة.
وقد أظهرت العديد من الدراسات الدولية تفوق اليوان على الدولار فى آسيا ليصبح عملة مرجعية إقليمية فى منطقة آسيا والمحيط الهادى مع تكثيف استخدام سياسة التيسير الكمى فى الدول الغربية. ووفقا لاستطلاع لبنك HSBC، تثق الشركات الصينية فى مستقبل اليوان كعملة عالمية رئيسية للتجارة والاستثمار، حيث تأمل 77% منها إتمام ثلث معاملات التجارة الصينية باليوان عام 2017، كما تعتزم 30% من الشركات استخدام اليوان فى أغراض متعلقة بالاستثمار خلال نفس العام. ومن هنا تكمن المشكلة الكبرى، حيث يرتبط الاقتصاد الصينى بشدة بالعالم الخارجى، خاصة الدول المتقدمة، فمنذ تخفيض اليوان فى أغسطس 2016، تراجعت التجارة الخارجية بنسبة 8% ولن يحقق أى انخفاض جديد فرقا كبيرا لتراجع النظام المالى الصينى، وضعف الاقتصاد العالمى وحركة التجارة العالمية نتيجة لسياسات الحماية التجارية لبعض الدول كرد فعل لتخفيض عملات أهم شركائها التجاريين. لذلك يتوقف مستقبل الاقتصاد العالمى بصفة أساسية على مدى نجاح الحكومة الصينية فى إجراء الإصلاحات الهيكلية التى تضمن عدم تركز الاستثمارات فى القطاعات المعتمدة على التصدير، وعدم انخفاض الإنتاجية على المدى البعيد نتيجة لارتفاع أسعار الآلات والمعدات المستوردة، ومعالجة المشكلات التى تواجه قطاع البنوك ليتوافق مع تطلعاتها بامتلاك سوق لرءوس الأموال تمكنها من المنافسة الدولية. وكلما تأخر الإصلاح كلما ارتفعت التكلفة وزادت التوقعات بأزمة مالية عالمية جديدة.