الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدولة الغائبة بين النظام والشعب ‎

الدولة الغائبة  بين النظام والشعب ‎
الدولة الغائبة بين النظام والشعب ‎




هشام فتحى يكتب:
التقيته بالميكروباص، كان يجلس بالمقعد الخلفى، استرعاه أننى طلبت من السائق بأدب أن يخفف من سرعته، قال: لماذا تكلمه بكل هذا الأدب؟ وكأن الرجل يريدنى أن أخبط السائق (الطائر) فى رأسه لكى ينصاع فيخفف من سرعته إلى السرعة القانونية فيجتاز الطريق السريع متبعا قواعد المرور، التفت إليه وقلت: نعم، يجب أن أحادثه بأدب سيما فى ظل غياب الدولة، أولا هذه شيمى وعقيدتى أن اخاطب الناس بلطف ولين، صدقنى أنا أنظر فى وجوه السادة السائقين قبل ان أوافق على ركوب الميكروباص معهم، فصاحب الوجه السمح الهادئ البشوش - وهم قلة - تجدنى أقفز إلى مركبته بكل حبور وسرور، وصدقنى أننى بعد أن أدفع الاجرة أسرع أحيانا فى طلب النزول فورا من (المدرعة) إذا ما رأيت السيد السائق يتجاوز السرعة القانونية إلى سرعة الموت المحقق، إنها شخصيتى وطبيعتى أيها السيد، ثانيا إن الرجل هو الأقوى منى فى كل شىء، جسديا هو الأقوى، جهالة هو الأعلم، صياحا هو الأعلى صوتا، سفالة حدث ولا حرج، جمعا لأولاد كاره من بلطجية الطريق يحصل بامتياز على شهادة الأيزو، وهب أننا مزقنا ثياب بعض، وشغلنا الطريق وأربكناه وعطلنا المرور والأمور، ثم اقتادونا إلى قسم الشرطة، ترى هل أحصل على حقى هناك؟ هل يمكن أن يحاسبه أحد فى ظل اختلال المعايير ومعلومية المعارف وما أدراك لعل (الطائر البلطجى) يعرف فلانا وعلانا من السادة الأمناء فيقومون معى باللازم، وما ادراك ما اللازم.
وقع كلامى على ذهن صاحبى المحاور – لا أعرفه بالمناسبة ولم ألتق به من قبل - وقع كلامى عليه بردا وسلاما، وكأننى أجبته عن سؤال حائر لديه منذ سنين احتار فى الإجابة عنه وعجز، قال: تمام، كلامك صحيح، لكنك يبدو وكأنك لست مصريا، أقصد وكانك عائدا توا من سفر بالخارج، أكنت مقيما بالخارج؟ فى أوروبا مثلا؟ هل كنت تعيش فى مصر فى المعادى مثلا ثم قادك حظك العاثر لكى تأتى إلينا هنا فى منطقتنا البائسة؟ إنك يا صديقى ستتعب، سترهق نفسك كثيرا، لن تستطيع العيش هنا، فى ظل انفلات الأخلاق، وانقلاب المعايير، وسيادة البلطجة والفهلوة، ثم أردف قائلا: إنها ثورة يناير، تلك التى قضت على الأخضر واليابس فى مصر، كشفت عورات المصريين، أخرجت منهم كل سافل وبهيم، إنها الطامة الكبرى التى انقضت على الدولة فأنهتها، قوضتها، خربتها، لكننى أعطيك سرا، ليست القضية فى الدولة وجودها من عدمها، القضية كلها أخلاق، لقد ابتعدنا جميعنا عن كتاب ربنا وسنة رسوله، ألم يقل نبينا صلوات الله عليه وسلامه تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى.
نظرت إليه بلطف وحاورت، قلت: أخى الكريم، اسمحلى أن اختلف معك، العالم من حولنا توصل إلى السر بكل سهولة، سر الدولة، توليفة سهلة، ليست كيمياء، عليك ببساطة ان تطبق القانون، سهلة، إنها وصفة سحرية، افصل بين السلطات (بضم السين)، طبق القانون يا سيدى، هذا السائق البلطجى الذى يقودنا لو اشتغل فى السعودية أو أى دولة خليجية، لن أقول فى دولة أوروبية، فلسوف نراه ملتزما بمعايير المرور، لن يستطيع الطيران بالسيارة، لن يسير بها (غرز)، لن يكسر الإشارة، لن يتعدى خطوط المشاة، سيسير بالسرعات القانونية، سيتعامل بلطف مع الركاب، لن يشغل فلاشة الراديو فيصم بها الآذان، لماذا؟ لماذا سيدى؟ خوفا من سيف القانون، هناك الدولة ثابتة القدمين، يداها غير مرتعشتين، الدولة القوية هى الحل سيدى وليس الأخلاق، إن الأخلاق نسبية، منعدمو الأخلاق كثر، فهل ننتظر الدولة اتصافنا بالأخلاق والضمير والدين حتى نطبق القانون طواعية واختيارا؟ لا يا سيدى، إن قانونا بلا سيف لا لزوم له، دولة بلا عصا للعقاب ليست دولة، تجدها تستباح من البلطجى واللين اللطيف، إن العالم من حولنا حل المعادلة الصعبة منذ أمد بعيد، طبق القوانين، القوانين التى أقسم الكبير والصغير على احترامها أمام شاشات التليفزيون. الدولة هى الحل يا صديقى.
فى الحقيقة لم أرد ان ادخل معه فى جدال حول صحة الحديث الشريف الذى ذكر أهو كتاب الله وسنتى أم كتاب الله وعترتى؟ سيما وقد ذكرت الصيغتان بالكتب الصحاح حتى لا يتهمنى صاحب الطريق بالتشيع، وما التشيع منى إلا ببعيد.
لكننى استرسلت قائلا: اسمحلى أن أعطى تعليقا بسيطا على اتهامك لثورة يناير بانها كانت السبب فى تقويض الدولة، وكأن الدولة كانت قائمة قبلها، وكأن القانون كان هو السيد فأتت الثورة لتطيح به من علٍ، ثورة يناير يا صاحب الطريق كانت أنقى وأطهر حدث يحدثه المصريون الشرفاء، فى 25 يناير سنة 2011 منذ تاريخهم الطويل المديد، شباب صغير رائع اصطفوا والتفوا واجتمعوا على قلب شخص واحد، من كل الشرائح الاجتماعية، ذاب الدين والجنس والعرق والجهة بالميدان، راموا التغيير، حلموا بمصر الخضراء، مصر الأمن، مصر الحرية، مصر الكرامة، مصر الإنتاج، نعم لم يكن لهم قائد، ولربما كان لهذا السر فى قوتهم وتجمعهم، ولربما كان لهذا أيضا السر فى تضعضعهم وانفضاضهم وتفتتهم بفعل فاعل، نعم الفاعل معلوم، قوى النظام القديم، كانت أقوى من احلام الشباب، دسّوا بينهم أهل الظلام فانطفأ النور، كان الشباب يريدون الدولة يا صديقى، الدولة التى غابت منذ أمد طويل.
لم يقتنع بكلامى، هو يروم دولة الخلافة وأن يبدأ كل شخص بإصلاح نفسه لتصبح الحياة ملائكية، بينما أنا لا أرى طريقا للإصلاح سوى عودة الدولة وتطبيق القانون.