الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كابوتشى.. الفاتيكان.. حماس

كابوتشى.. الفاتيكان.. حماس
كابوتشى.. الفاتيكان.. حماس




عاطف حلمى يكتب:
بوفاة المطران هيلاريون كابوتشى فى الأول من يناير الجاري، فقدت القضية الفلسطينية شخصية من أبرز المدافعين عنها فى العالم، حيث عاش منفياً فى روما، بعدما حكمت عليه سلطات الاحتلال الاسرائيلى بالسجن 12 عاماً فى 1974 لمساندته المقاومة الفلسطينة فى وجه الاحتلال، وأفرج عنه بطلب من قداسة بابا روما ليغادر فى نوفمبر 1977، تاركاً خلفه كنيسته كمطران للقدس للروم الكاثوليك، لكن لم تغادر قلبه مناصرته للقضية الفلسطينية، وظل مدافعاً عنها فى المحافل الدولية دون كلل أو ملل.
ولعل آخر انشطته فى هذا الشأن تواجده فى عام 2009 على متن سفينة الاغاثة «أسطول الحرية» التى كانت تحمل الأمتعة والغذاء لأهالى غزة المحاصرين.
الحديث عن نضال المطران كابوتشى أكبر بكثير من أن يختصر فى مقال عابر، لذا سأكتفى بالسطور السابقة، لكن يهمنا فى هذا المقام أن أتناول قضية بالغة الأهمية لم تأخذ حظها وحقها المطلوب وهى دور الكنيسة الكاثوليكية فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، خاصة أن هناك معلومات كثيرة مغلوطة بهذا الشأن.
وما لا يعرفه كثيرون أن الكنيسة الكاثوليكية منذ تحرك عصابات الجماعات الصهيونية قبيل إنشاء الكيان الإسرائيلى كان موقفها الرافض لإنشاء دولة اسرائيل واضحاً وحاسماً منذ اللحظة الأولى حتى إنه عندما أرسل تيودور هرتزل خطاباً إلى بابا الفاتيكان معرباً عن نيتهم إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين جاء الرد «ستجدون الكهنة الكاثوليك فى انتظاركم لتعميدكم هناك»، أى أن الفاتيكان من يرفض بشكل قاطع قيام هذا الكيان.
ولعل إحدى لجان المقاومة الأولى للاحتلال الإسرائيلى تم تشكيلها بين الفاتيكان ومفتى القدس فى ذاك الوقت الشيخ أمين الحسينى والد القيادى فى منظمة التحرير الراحل فيصل الحسيني.
وظل موقف الفاتيكان ثابتاً على مدار عقود، بل لم تقم دولة الفاتيكان أى علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا فى عام 1993، أى بعد توقيع مصر وعدد من الدول العربية اتفاقيات سلام مع اسرائيل، وكذلك توقيع منظمة التحرير واسرائيل لاتفاقية أوسلو فى 1993 أيضاَ.
لكن يظل هناك سؤال يطرح نفسه عما طرأ على موقف الفاتيكان من القضية الفلسطينية منذ 1948 وحتى اتفاقية أوسلو.
واقع الأمر أن عدداً من المعطيات الدولية والمحلية أدت بشكل واضح إلى تحييد دور الفاتيكان وخسارة العرب داعماً بالغ الأهمية للقضية الفلسطينية، إذ يتبع الفاتيكان روحيا نحو مليار و300 مليون كاثوليكى فى مختلف دول العالم.
فمع الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعى والغربي، وتضييق الأنظمة الشيوعية على المسيحيين ومنهم الكاثوليك، بدأ الغرب وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الترويج لفكرة لا وجود لها على أرض الواقع بأن الأنظمة العربية الموالية لموسكو إبان الستينيات تمثل بوابة لانتشار الشيوعية فى تلك البلدان وأن إسرائيل هى من يقف أمام هذا الزحف الشيوعي، ورغم أن هذه المزاعم لم تكن سوى أوهام إلا أن المعسكر الغربى نجح فى الترويج للفكرة ومن ثم إلزام الفاتيكان الرافض للاحتلال الإسرائيلى بأن يقف موقفاً أقرب للحياد.
ومما عزز الموقف الغربى أن الدول العربية تقاعست ولم تتخذ أى مبادرات جادة للحفاظ على موقف الفاتيكان الداعم للقضية الفلسطينية، بل جاء ظهور تيارات الإسلام السياسى التى حولت القضية الفلسطينية من قضية احتلال لأرض عربية إلى نوع من الصراع الدينى «الإسلامى  اليهودي» لتعزز الموقف الغربي، وهنا أضر خطاب تلك التيارات بالقضية الفلسطينية، وظهرت دعوات غربية لتدويل مدينة القدس حفاظاً على الحقوق الدينية لمختلف الأديان.
وتكشف هذه التحولات، وخسارة الفاتيكان كنصير قوى للقضية الفلسطينية، كيف تم استخدام تيارات الإسلام السياسى لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، وشق الصف الفلسطيني، وكلنا نعلم ماذا حل بين الفلسطينيين أنفسهم، وما ارتكبته على سبيل المثال حركة «حماس» مع المنتمين لحركة «فتح» فى غزة حتى وصل الأمر إلى إلقائهم من فوق أسطح البنايات، وأصبح هناك حكومتان فلسطينيتان واحدة فى رام الله والثانية فى غزة، فى حين أنه لا توجد دولة فلسطينية مستقلة من الأساس.
الحديث فى هذا الملف يطول، وللأسف لا أحد يرغب فى قراءة التاريخ القريب ليعرف حجم ما فعلته تيارات وجماعات الإسلام السياسى بالقضية الفلسطينية.
ويكفى أن أشير فقط لما نراه الآن من جماعة أنصار بيت المقدس، التى أصيبت بالحول وعمى الألوان وبدلاً من أن توجه سلاحها لمن يحتل بيت المقدس، جاءت إلى سيناء لمحاربة الجيش المصري، ونفس الأمر ينطبق على داعش والقاعدة ومن على شاكلتهما، فرصاصهما يقتل أول ما يقتل الشعب العربي، بينما لم يطلقوا رصاصة واحدة نحو الجيش الإسرائيلى.