الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مصر.. ودعوة للتفاؤل فى العام الجديد

مصر.. ودعوة للتفاؤل  فى العام الجديد
مصر.. ودعوة للتفاؤل فى العام الجديد




كمال عبدالنبى  يكتب:

الشغل الشاغل للمصرين فى داخل مصر وخارجها هو الخوض فى غمار الحديث عن الوضع الاقتصادى، وما سوف تكون عليه مصر فى عامها الجديد بعدما مرت به مصر  من أزمات فى  2016 بفعل الإجراءات التصحيحية للاقتصاد المنضوى على سياسات ماضية كانت تؤجل المشكلة وتزف أوهامًا تدمغ على أفكار المصريين، فجاء تعويم الجنيه أفضل من تنويم الناس وجاء تخفيض الجنيه أفضل رسم لطريق التصحيح، هو واقع  لتسهل ولا تصعب المهام.
بالطبع الجميع يدلو بدلوه فى هذا الموضوع الذى يبدو بسيطًا للعامة وكبيرًا ووفق أسس علمية للمتخصصين، وأنا هنا أشيد بخطوات الحكومة المصرية لدفع الاقتصاد المصرى للنمو والتوسع، وأنا هنا أدعو إلى عدم التشاؤم أو الفزع من أرقام الدين الداخلى أو الخارجى.
حقيقة عانى الاقتصاد المصرى فى عام 2016 أزمات متلاحقة أدت بالرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومته إلى تبنى برنامج إصلاحى جرىء يتطلب تطبيقه اتخاذ قرارات قوية ذات تأثير على المواطنين ومستوى معيشتهم لكن فى مضمونها تحسين أداء اقتصاد البلاد وانتشاله من أزماته القابع بها خصوصًا بعد ثورة 25 يناير 2011، على رأس هذه المشكلات تباطؤ النمو، إذ بلغ النمو الاقتصادى لمصر 4.3% خلال العام المالى المنصرم 2015-2016، فى حين كانت مصر تستهدف نموًا فى الاقتصاد بأكثر من 5% ثم أزمة  النقد الأجنبى ففى مطلع العام الماضى، شهدت البلاد أزمة حادة فى النقد الأجنبى، وذلك لاعتماد البلاد على الاستيراد، ولا سيما مع تآكل القاعدة الإنتاجية، ثم تطور الأمر للأفضل، ففى نوفمبر صعد احتياطى مصر من النقد الأجنبى لأعلى مستوى منذ خمسة أعوام، وذلك بعد أن حصلت البلاد على قرض صندوق النقد الدولى والمقرضين الدوليين، ووصل إلى 23.05 مليار دولار بنسبة ارتفاع بلغت21%. وأنا هنا أقول وبكل ثقة  أن مشاكل اقتصادية كثيرة فى طريقها إلى الحل.
ليست  أول أو أكبر أزمة تجاوزها يكون باستعادة النمو. صحيح أن عجز الموازنة أكثر من عشر الناتج المحلى. ولكنه سبق أن تجاوز هذه القيمة ثلاث مرات فى الثلاثة عقود الأخيرة.
ولا يبقى وضع مصر منفردًا فى هذا السبيل فدولة مثل فرنسا تُوَجِّه فى المتوسط أكثر من 60% من إنفاقها أيضاً على برامج الدعم والتأمينات والحماية الاجتماعية لا تستطيع فرنسا خفض العجز 20% مهما تَقَشَّفَت علاج عجز الموازنة والدين يكون باستعادة النمو ويجب ألا نتشاءم ونقارن مصر باليونان فهى فى الحقيقة مقارنة ظالمة وباهتة ولا تقر بالحقيقة لأن ما يزيد على 90% من ديون الحكومة اليونانية ديون خارجية، بينما معظم الدين الوطنى ديونَا محلية عن طريق السندات، عن طريق وسطاء وهم البنوك المصرية.
ونقر حقيقة هنا إن الاقتصادات الناجحة الأخرى تقترض خارجياً ثلاثة أضعاف ما تقترضه مصر، وأن مقارنة نسبة الدين للناتج فى مصر بدول أخرى تكون أحياناً ظالمة وفى غير محلها والسبب هو أن الحكومة المصرية تمتلك حجمًا ضخما من الأصول.
لنقارن مصر مثلاً بالولايات المتحدة (أكبر اقتصاد فى العالم). فالأصول العامة المملوكة للدولة المصرية نسبة إلى الدين أكبر بكثير من الأصول العامة المملوكة للحكومة الأمريكية نسبة إلى دينها.. محطات الكهرباء، محطات المياه، محطات القطارات والقطارات، المطارات، شبكات الاتصالات، وكل قطاع البترول.. فى الولايات المتحدة كل هذا أصول غير مملوكة للحكومة.
فى مصر الأمر مختلف فكل هذه الأصول المذكورة مملوكة للحكومة.  وحقيقة أخرى تعلمناها من الاقتصاديين أن الاقتراض بمعايير مالية سليمة أفضل من المساعدات. فالاقتراض المحسوب بأجل وسعر فائدة مُعلنين هو سبيل التمويل الناجح والكفء سواء لاقتصاد صغير كشركة، أو مصنع، أو اقتصاد كبير كالدول والحكومات.
صحيح إن خفض قيمة الجنيه له تكلفة مؤثرة وفورية على المصريين. زيادات مباشرة فى الأسعار  ستشعر بها بصورة قوية الطبقة المتوسطة، الأكثر استهلاكاً للسلع المستوردة، للخدمة الصحية الخاصة، للتعليم الخاص، كل هذا مع درجة حماية اجتماعية أقل لكن هذا الأثر لن يستمر طويلاً- الاقتصادات تُصَحِّح نفسها سريعاً.
 عمومًا تصحيح سعر الصرف كالذى فعلته مصر إجراء يؤدى مباشرةً إلى تقليل الواردات (بما يوفر دولارات)، وزيادة فى الصادرات (بما يوفر مزيداً من الدولارات).. يحدث ذلك دون الحاجة لأى قرارات إدارية مُصاحبة سواء بحظر استيراد سلعة أو تحديد واردات أخرى، هنا  الصادرات المصرية تصبح أرخص، فيزداد استهداف الطلب عليها. ووارداتنا تصبح أغلى، فيتجه المستهلك أحياناً للمنتج المصرى.   
الكثيرون يرون تصحيح سعر الصرف خَصماً من قوتنا الاقتصادية.. تاريخنا الحديث يثبت العكس لمن يتخوف من تصحيح سعر الصرف: فى 40 سنة، الاقتصاد المصرى زاد حجمه خمس مرات، فى وقت انخفضت قيمة عملته 10 مرات.
الخلاصة إذن كما يلى، الأزمة التى نمر بها لا تتطلب انزعاجاً. عجز الموازنة، الدين العام، الديون الخارجية. تقييم آثارها ليس بقيمها وأرقامها المجردة، وإنما من خلال تنسيبها لحجم الاقتصاد الكبير. والنمو كفيل بتجاوز تلك المشكلات. النمو هو المفتاح الذى يجب أن نتبناه جميعًا سواء رئيسًا أو مرءوسًا أو مسئولًا أو غير مسئول فى الشعب الذى يريد معيشة كريمة.
ويجب أن نسند الأمر للواقع العملى والحقائق العلمية والخبرات الطويلة للكثير من الاقتصاديين ونبعد عن  القلوب الحاقدة. وفى نهاية مقالى أتمنى أن أكون واضحًا ومبسطًا عن الحالة الفعلية التى يعيشها الاقتصاد المصرى وزيادة معدل النمو هو بالفعل الطريق للإصلاح ومن رأيى أن تشجيع الصناعات الصغيره والمتوسطة بطريقة فعالة (وليست شعارات ثم تفاجأ بتعقيدات البنوك لاقراض صغار المستثمرين) هى الوسيلة لزيادة معدل النمو حتى يجد المصريون منتجًا مصريًا محترمًا يشترونه عندما يستغنون عن المنتج المستورد.