الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكاية والدة آخر ملوك المسلمين بالأندلس و«زفرة العربى الأخيرة»

حكاية والدة آخر ملوك المسلمين بالأندلس و«زفرة العربى الأخيرة»
حكاية والدة آخر ملوك المسلمين بالأندلس و«زفرة العربى الأخيرة»




كتب - علاء الدين ظاهر

 

كشفت الدكتورة نورا عبد المهيمن طاش الباحثة فى الآثار والتاريخ ومفتشة آثار بالادارة العامة لمناطق آثار الوجه البحرى وسيناء عن حكاية من أبرز الشخصيات النسائية فى تاريخ الأندلس،إنها «عائشة الحرة» زوجة الملك على أبى الحسن الملقب بالغالب بالله وابنة عمه الملك الأيسر ووالدة آخر ملوك المسلمين فى الأندلس أبوعبدالله محمد حاكم غرناطة،حيث كان أبو الحسن محباً لزوجته عائشة ورزقت منه بولديها أبو عبدالله محمد وأبو الحجاج يوسف،إلا أنه فى أواخر أيامه استهوته فتاة نصرانية قشتالية تدعى إيزابيلا دى سوليس والتى كانت أسيرة واعتنقت الإسلام وتسمت بثريا الرومية، وأغرته بجمالها حتى أحبها وتزوجها وأنجبت منه ولدين سعد ونصر وسعت لأن يتولى الحكم أحدهما، وأصبحت الآمرة الناهية بالقصر فتألمت عائشة لذلك ولم يعد يؤنسها سوى ولديها وحب الناس وتأييد الشرفاء لها، وعُرفت بعائشة الحرة تمييزاً لها عن الجارية الرومية، أو إشادة بطهرها ورفيع خُلقها.
وقالت: كانت ثريا فضلاً عن حسنها الفائق شديدة الدهاء والأطماع وتمكنت من السيطرة على أبو الحسن الذى كان قد شاخ واستأثرت بالسلطان والنفوذ، واستخدمت كل السبل من أجل إقصاء عائشة الحرة وولديها محمد ويوسف عن كل نفوذ أو حق فى الملك وكان أكبرهما أبو عبدالله محمد ولى العهد المرشح للعرش، وما زالت ثريا بأبى الحسن حتى أقصى عائشة الحرة وولديها، بل إنه أمر باعتقال عائشة الحرة وولديها والزج بهم فى السجن وعوملوا بمنتهى القسوة، فأثار هذا التصرف الأرعن غضب الكثير من كبار الأمراء الذين يؤثرون الأميرة الشرعية وولديها.
وأشارت إلى أن الأميرة عائشة الحرة كانت شجاعة لم تستسلم لقدرها الجائر وعقدت العزم على النضال لاسترداد حقها وحق ابنها واتصلت بأنصارها ومنهم بنى سراج أقوى أسر غرناطة وأخذت تدبر معهم وسائل الفرار والمقاومة، واستطاعت بمساعدة بعض أصدقائها المخلصين الهرب مع ولديها من المعتقل وسارت إلى وادى آش وأعلنت الدعوة لابنها أبى عبدالله محمد، وكان أبو الحسن فى إحدى غزواته وبعد عودته وجد أن الأمر قد تغير فقد مال الناس إلى أبى عبدالله لما لحق به من ظلم بسبب عشق والده الشيخ لتلك الفتاة الحسناء ثريا الرومية، ففر أبو الحسن إلى مالقة حيث أخيه أبوعبدالله محمد بن سعد المعروف بالزغل.
وتابعت:حاول القشتاليون غزو مالقة فحاصروها لكن أبو عبدالله الزغل هزمهم،وحاول أبو عبدالله محمد محاكاة عمه فعزم أن يحارب القشتاليين إلا أنه مُنى بهزيمة ساحقة وانتهت المعركة بأسره وعودة الجيش إلى غرناطة بدون ملكه،ففرح به ملك قشتالة وأكرمه وعظمه ورفض إطلاق سراحه وعلم أن به يصل إلى مراده من أخذ بلاد الأندلس،وقرر كبار غرناطة وقادتها استدعاء والده أبوالحسن المخلوع الذى تسلم السلطة مجدداً.
واستطردت: كان السلطان أبوالحسن قد أصبح شيخاً فانياً ضريراً فتنازل عن الملك لأخيه محمد أبو عبدالله الزغل، وانتقل إلى المنكب حيث توفى بعد أن فشلت مساعيه لدى فرناندو ملك قشتالة لافتداء ولده، لا بدافع الحب أو الشفقة عليه إنما ليحصل عليه فى يده ويأمن شره ومنافسته وعرض نظير تسليمه أن يدفع فدية كبيرة وأن يطلق عدداً من أكابر النصارى المأسورين عنده، فأبى فرناندو وآثر الاحتفاظ به إلى حين، ووسط كل ذلك ظلت والدته الأميرة عائشة الحرة محتفظة بهدوئها وسكينتها وبذلت مجهوداً آخر لإنقاذ ولدها فأرسلت إلى ملك قشتالة سفارة على رأسها الوزير ابن كماشة ليفاوض فى الإفراج عن الملك الأسير مقابل الشروط التى يرضاها.
وأكدت: أن المفاوضات انتهت بعقد معاهدة سرية تتلخص نصوصها فى أن يعترف أبو عبدالله بطاعة الملك فرناندو وزوجته الملكة إيسابيلا، وأن يدفع لهما جزية سنوية قدرها اثنا عشر ألف دوبلا من الذهب، وأن يفرج فى الحال عن أربعمائة من أسرى النصارى الموجودين فى غرناطة يختارهم ملكهم، ثم يطلق بعد ذلك فى كل عام سبعين أسيراً لمدة خمسة أعوام، وأن يقدم أبى عبدالله ولده الأكبر رهينة مع عدد آخر من أبناء الأمراء والأكابر ضماناً بحسن وفائه، وتعهد الملكان الكاثوليكيان من جانبهما بالإفراج الفورى عن أبى عبدالله وألا يكلف فى حكمه بأى أمر يخالف الشريعة الإسلامية، وأن يعاوناه فى افتتاح المدن الثائرة عليه فى مملكة غرناطة وتصبح هذه المدن واقعة تحت طاعة ملك قشتالة، وأن تستمر هذه الهدنة لمدة عامين من تاريخ الإفراج عن السلطان الأسير،وسقطت مالقة بعد دفاع مجيد استطال ثلاثة أشهر ودخل عبدالله الزغل تحت طاعة ملك قشتالة.
وأضافت: أما أبى عبدالله الصغير ابن عائشة الحرة فقد أظلمت الدنيا فى وجهه ورأى أن نهاية الفردوس الأندلسى قد أزفت، ورغم استبساله الشديد فى الدفاع عن غرناطة بعد حصارها من ملك قشتالة ومحاولاته المستميتة فى إنقاذها انتهى الأمر بالاستسلام بعد حصار7 أشهر، وتم التوقيع على معاهدة التسليم، وغادر أبو عبدالله قصره ومعه أهله وبعض أصحابه نحو منطقة البشرات، وقد توقف فى تل البذول المشرف على غرناطة والحمراء وراح يُسرح بصره لآخر مرة على مواطن عزه وسلطانه فانهمر دمعه وأجهش بالبكاء، فصاحت به أمه عائشة الحرة «إبكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال» وعرفت تلك التلة باسم «زفرة العربى الأخيرة».