الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الإعاقة مــرض نكـهـته المـرار فى حلق الأسرة المصرية

الإعاقة مــرض نكـهـته المـرار  فى حلق الأسرة المصرية
الإعاقة مــرض نكـهـته المـرار فى حلق الأسرة المصرية




تحقيق- محمود ضاحى


تلك الصدمة التى تصيب الآباء والأمهات عند ولادة طفل معاق فى أسرتهم خاصة أن حلم الإنجاب والتمتع بالأبوة غريزة زرعها الله فى قلوب الآباء وفقا لقوله تعالى «المال والْبَنُون زينة الحياة الدنيا». تعيش مئات من الأسر المصرية فى تعاسة دائمةُ يشربون مرارة الحنظل بطفلهم المعاق الذى يتمنون شفاءه حتى لا يكون عبئا عليهم طوال حياتهم، خاضعين لذُل البحث عن علاجه، متنقلين من مشفى إلى آخر، ومن مركز طبى إلى عيادات مختلفة، يتجمع عليهم آلام الدنيا عندما يكونون غير قادرين على توفير نفقات معيشة الطفل وعلاجه، فيظل مرضه يمزق قلبهم فتئن على حالها وحاله.

عشرات المشكلات يعانى منها المعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة فى مصر، بداية من الرعاية الصحية، منتقلًا إلى التعليم ثم الأنشطة الترفيهية، والأمل الوحيد هو تحسين الحالة الصحية له قدر الإمكان، خاصة أن بعض فئات المجتمع المصرى لغة الإبصار لديها عن المعاق أنه متخلف عقليا، ناهيك عن كسر قلوب أمهاتهم بإظهار نظرات الشفقة والتعاطف لهم.
ولا يزال السؤال يطرح نفسه كيف حال ذوى الاحتياجات الخاصة من الأطفال إن فاتهم قطار العلاج، وأهملتهم الدولة متمثلة فى وزارة الصحة، لكن الإجابة تكمن فى سطور من الوجع والشكوى تحكيها أمهات المعاقين.
آلام وأنين الآباء
«اتبهدلت فى التأمين الصحى وعمرى 55 سنة وأعانى من النقرس والسكر»، بهذه الكلمات بدأت عزة يحيى- والدة الطفل محمد أحمد محمود 17 عاما- رحلة عذابها فى محاولة علاج فلذة كبدها والدموع كادت تنهمر من عينيها إن نجلى عانى من نقص الأكسجين أثناء الولادة، الأمر الذى سبب له إعاقة حركية، ولا أملك من حطام الدنيا سواه بعد فقدانى أباه، مضيفة إنها تحدثت مع الكثيرين من وزارة الصحة عن العلاج الطبيعى ولم يستجب أحد، وتابعت: ذهبت لمراكز خاصة للعلاج الطبيعى بأجر 3 آلاف جنيه فى الشهر، ولم استطع تحمل تلك النفقات.
وأوضحت أن نجلها أجرى عملية «سمكرة ثلاثية للقدم» فى معهد شلل الأطفال بتكلفة باهظة، ويحتاج لإجراء 5 عمليات أخرى فى «الظهر والركبة ومشط قدميه، والحوض، وأصابع قدمه»، وكل هذا يجب أن يتم تحت رعاية صحية خاصة، إضافة إلى النفقات المادية، وحاولنا الاعتماد على التأمين الصحى ليتلقى ابنى العلاج به إلا أن المعاملة داخله غير آدمية.
أما محمد عبدالدايم- 45 عاما يعمل بورش الصرف الصحى فى كفر علوى وأب لخمسة أطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة- فقال إن أغلب أطفاله يعانون من مشاكل فى السمع والنطق، وهم «أميرة 17 عاما، وجمال 15 عاما، ومنار10 سنوات، وخالد عمره سنتان، وأمل 7 سنوات تعانى من تشنجات بسبب كهرباء زائدة على المخ»، وتابع فى حزن وألم: تعانى ابنتى أمل من مشاكل فى النطق، بالإضافة إلى أنها أجرت جراحة بالمخ لتركيب صمام بريوطى لها، مشيرا إلى أن إعاقتها ناتجه عن زواج الأقارب، واستكمل: أنه ذهب للعديد من الأطباء والمستشفيات آخرهم كانت مستشفى الدمرداش الذى وعدهم بإجراء تحاليل جينات وراثية لإرسالها للخارج لبدء علاج أولاده بعد عمل بحث اجتماعى لهم، لكن الأمر توقف ولم يكمل المستشفى إجراءاته دون سبب، وطالب عبدالدايم وزارة الصحة بمساعدة أطفاله، خاصة أن أغلبهم فى مراحل تعليمية مختلفة.
ياسمين المعتز- والدة الطفلتين التوأم عمر وجودى وعمرهما 9 سنوات- سردت فى سطور الوجع معاناة طفيلها فقالت: إنهما عانيا من تليف شبكى شديد فى مركز الإبصارعقب ولادتهما مباشرة بسبب نقص الأكسجين، وتابعت: نتيجة الإهمال الطبى داخل الحضانة وصل التليف إلى إصابتهما بالعمى الكلى بعد مرور 3 أشهر من ولادتهما.
وأوضحت ياسمين وقلبها يعتصر ألمًا أن فقدهما البصر ألحق بهما سمات التوحد، فأصبحا يعانيان من إعاقتين ليس لهما علاج فى مصر، خاصة بعد أن أصبحت إعاقتهما مركبة، وأشارت إلى أنها طرقت أبواب أغلب المراكز العلاجية فى مصر بلا فائدة فلا يوجد علاج للإعاقات المركبة فى مصر، مؤكدة أنه فوق إعاقتهما حُرما من التأمين الصحى والتعليم فى مصر، وطالبت الحكومة بإنشاء مدارس لذوى الاحتياجات الخاصة لأصحاب الإعاقات المركبة بالتعاون مع أولياء الأمور.
بينما تضيف نعمة شعبان- والدة الطفلة خلود أحمد محمود 9 أعوام- إن ابنتها كانت شديدة الذكاء ولكنها أُصيبت بثلاث جلطات على المخ أثرت عليها، وأدت إلى فرط حركى، إضافة إلى زيادة الكهرباء على المخ والتى تُسبب لها تشنجات فيصعب السيطرة عليها، واستطردت: لم تقتصر جلطات المخ على خفض الذكاء فقط لدى طفلتى، ولكنها أثرت على نسبة الإبصار أيضا، منوهة إلى أنها تقدمت ببلاغ على رقم 56929 الخط الساخن للإعاقة فى المجلس القومى للأمومة والطفولة بعد أن تعرضت ابنتى لنوبة صرع شديدة فى الشارع وفشلت فى السيطرة عليها أو حتى تهدأتها، وتابعت: وتعتبر نوبة الصرع هى الأكثر خطورة على حياتها، وبالفعل استجاب المجلس للشكوى، وتواصلو معى، وتم تحويلها إلى قسم المخ والأعصاب فى مركز الأمومة والطفولة بالمعادى ولكن بلا فائدة وحالة ابنتى على ما هى عليه.
واستكملت: ذهبت للكثير من المراكز الطبية الخاصة لعلاج ابنتى وكانت قيمة الكشف 200 جنيه فلم يكن لدى هذا المبلغ فاستدنته من الجيران لأن زوجى «أُرزقى» يوفر قوت اليوم بيومه، لكن كانت الضربة القاصمة حينما حدد المركز جلسات تنمية مهارات وتحسين سلوك لابنتى تكلفتها 800 جنيه فى الشهر الواحد فأجريناها مرة ولم أستطع الاستمرار لعدم قدرتى توفير نفقاتها، ومن وقتها لم أفعل أى شىء سوى الذهاب لمستشفى العباسية والذى صرفت لى دواء مسكنا ومقويا لمدة شهر واحد فقط، بعد أن فقدت الأمل فى العلاج من خلال التأمين الصحى، وواصلت الأم المكلومة: مزق قلبى رغبة ابنتى المريضة عدم استكمال تعليمها نهائيًا.
روت والدة- عبدالرحمن محمد 3 أعوام- تفاصيل معاناتها مع نجلها قائلة: بدأ مرض طفلى بشكوى من ارتفاع درجة حرارته، بعدها مباشرة ذهبت به إلى مستشفى الدمرداش وبعد 3 شهور من الذهاب والإياب منها وإليها قال الأطباء إن طفلها مصاب بورم على الحبل الشوكى ولابد من إجراء 3 عمليات جراحية له، وبالفعل أجريت، وتابعت: بعد الانتهاء من العملية بفترة زمنية قصيرة أصيب بالتبول اللاإرادى ولم يستطع السير على قدمه، عدت بعدها إلى المستشفى مرة أخرى فشخصوا حالته على أنه مصاب بضمور فى الأعصاب، وأضافت: أنه قبل إجراء العملية كان يسير طبيعيا وكانت ولادته طبيعية ولم يصاب بأى مرض بعد ولادته ولا توجد أى عوامل وراثية للمرض، متهمة مستشفى الدمرداش بالانتكاسة المرضية لنجلها نتيجة إهمالها.
وأشارت إلى أنها تابعت مع الأطباء فى مستشفى الدمرداش لفترة طويلة ولم يحدث أى تحسن بل رفض المستشفى قبولنا مرة أخرى، ولعدم استطاعتها لم تذهب لأى مراكز طبية خاصة، مؤكدة أنها حتى الآن لا تعرف كيف تعالج نجلها.
إحصائيات
وفقا لإحصائيات رسمية لمنظمة الصحة العالمية فإن عدد المعاقين فى العالم العربى 15 مليونا، وبين 20 و30 مليونا وفقا لتقديرات الدراسات والأبحاث، كما أكدت منظمة الصحة العالمية أن نسبة الذين يلقون الرعاية والتأهيل منهم لا تتعدى الـ5% فضلا عن النقص الشديد فى البرامج والخدمات التدريبية والعلاجية التى لا تتجاوز نسبتها الـ 2% من مجموع الأطفال المعاقين وفقا لتقارير المجلس العربى للطفولة والتنمية
لجنة الإعاقة فى البرلمان
أوضح أحمد أبو كريشة- عضو لجنة الإعاقة فى البرلمان- وصول العديد من طلبات ذوى الاحتياجات الخاصة والمعاقين للنظر فيها وبالفعل قدم العديد من الشكاوى لوزارة الصحة ولم تستجب له.
وأضاف إن المستشفيات تحتاج إلى نظرة من الدولة، معتبرا أن أداءها غير مرض تماما، والكثير من المرضى يحتاجون إلى (موتوسيكلات أو كراسى متحركة) لتسهيل حركتهم ولم نستطع تلبية طلباتهم حتى الآن من الحكومة، مضيفًا: إن هناك نسبة الـ 5% الذى من المفترض يتم أن تعيينهم فى الوظائف الحكومية لم يتم النظر فيهم حتى الآن.
وأشار إلى أن هناك مشروع قانون لذوى الاحتياجات الخاصة أمام البرلمان يتضمن إصدار بطاقة ذكية لكل معاق، وتخصيص نسبة لا تقل عن 10% من أماكن الإقامة بالمدن الجامعية، وتخفيض 50% على تذاكر وسائل المواصلات المكيفة جار تنفيذه والعمل عليه.
المجلس القومى للأمومة والطفولة
قال الدكتور محمود سليمان مدير مشروع الإعاقة بالمجلس القومى للأمومة والطفولة إن المجلس يسهل الحصول على الخدمات المتاحة للمواطنين حال عدم قدرتهم الحصول عليها من الجهات المعنية أو فى حين مواجهة أى مشكلة من خلال تقديم شكواهم على الرقم الساخن 0800888666.
وأشار إلى أن المجلس يتجه لزيادة قدرات الأطباء فى الرعاية الصحية وتدريبهم على الاكتشاف المبكر للإعاقة، وسيحدد جلسات تدريبة لأسر الأطفال المعاقين تأهلهم للتعامل مع أبنائهم.
وأكد أنه لا يوجد حصر حتى الآن لعدد الأطفال المعاقين فى مصر لكن يتجاوز 2.7% من نسبة السكان ويقدر بـ 11 مليون طفل معاق، وأن النسبة غير مؤكدة بسبب ضعف الوعى الأسرى.
وأضاف إن العديد من الأسر تخفى إعاقات أولادهم، البعض يصرح، والآخرغير مدرك ويكتشفها فى مرحلة متأخرة، مطالبا بإجراء دراسات مسيحية بطبيعة كل إعاقة بخطة أكبر لبحثها بكل أشكالها ومراحلها العمرية المختلفة، الأمر الذى سيترتب عليه معرفة قدرهم تحديدا فى المجتمع ويُسهيل حل مشاكلهم بالتعاون مع الجهات المعنية وفقا لاختصاصها.
وأوضح أن زواج الأقارب يعد سببا رئيسيا فى إعاقة الأطفال، مطالبا بالابتعاد عنه لما تسببه الجينات الوراثية من أمراض مختلفة، كما أن تعرض الأم أثناء الحمل لأى أشعات تشوه الجنين وتسبب له إعاقة، وطالب الابتعاد الأم أيضا أثناء الحمل عن شرب الكحوليات والتدخين أو أنواع المخدرات، وهناك حالات استثنائية للإعاقة مثل الإصابات والحروق التى تسبب الكدمات نتيجة الحوادث وغيرها، وشدد على أن تكون الولادة الطبيعية تحت إشراف طبيب، والالتزام بالتطعيمات بعد الولادة.
وزارة الصحة
من جانبها تقول الدكتورة مايسة شوقى- نائب وزير الصحة والسكان- إن مجلس الطفولة الأمومة لا يضع الأطفال ذوى الإعاقة على رأس أولوياته، إلا أنها بادرة بدعوتهم هم وأولياء أمورهم للتعرف على احتياجاتهم ومشاكلاتهم لرفعها للجهات المعنية كى يتم حلها.
وأضافت إن المسئولية كبيرة على عاتق الدولة، خاصة أن أهم الوزارات المعنية هى الصحة والتعليم والتضامن، ولكن بحكم تخصصها كأستاذ صحة عامة تعمل فى مجال الوقاية أولا ترى أن أى أسرة لديها طفل معاق تكون مثقلة بالهموم بسبب تفكيرها المستمر فى كيفية تدبير نفقاته ورعايته.
وأوضحت أن رعاية الطفل المعاق تُعد مهمة صعبة، بسبب ندرة المدارس المخصصة لهم والمتاح منها يقع على مسافات بعيدة من سكن هؤلاء الأسر، غير أن الكتب المتوافرة لهم غير كافية، والمدرسين غير مؤهلين للتعامل معهم، علاوة على عدم توافر الأجهزة التعويضية التى تساعد الطفل فى حركته.
وقالت إنه يتم حاليًا إعداد صندوق الطفل المعاق لتقديم أفضل مساعدة لهم، مؤكدة أنه لا يمكن تحقيق جميع مطالب المعاقين لأنها قد تصطدم بالدستور والقانون.
وأشارت إلى أن الزواج المبكر كارثة مصرية تتمثل فى زواج طفلة غير مكتملة النمو تسربت من التعليم لتنجب طفلة فى أغلب الأحيان تكون غير مكتملة النمو، لتضيف لقائمة الأطفال المعاقين واحدًا جديدا.
كما أوضحت أنها تواصلت مع وزير العدل لمعرفة قانونية الزواج قبل ١٨ سنة، فأكد لها بطلان هذا الزواج، مؤكدًا أن هذا التلاعب سببه المأذونون الشرعيون الذين يسجلون الزواج عرفيا، ليتم توثيقه رسميا مستقبلا بعد بلوغ السن القانونية، لذلك تم غلق هذا الطريق على المأذونين بتغليظ العقوبة عليها التى قد تصل للشطب من المهنة، واستكملت: ويتم أيضًا إبلاغ المدارس عن المتسربين من التعليم، والزواج المبكر وذلك من خلال مشروع قانون سيتقدم به المجلس القومى للطفولة والأمومة قريبا لإقراره.