الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. بِيــدِى!

واحة الإبداع.. بِيــدِى!
واحة الإبداع.. بِيــدِى!




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات بريشة الفنانة
هالة شافعى


بِيــدِى!


كتبها - حمدى أحمد شفيق

 

عُصْفُورَةٌ مأسورة، تاقتْ نفسُها أنْ تطير.. تُحَلّق.. تتجاوز حواجزَ الزَّمانِ والمكان.. ثمَّ تحُطّ على أرضٍ تلتقطُ منها الحُبَّ، لا الحَبّ.. فَرِزْقُ البطنِ مضمون، لكنَّ رِزْقَ القلبِ مَظْنُون!
 تسَاءَلتْ أنَّى لها أنْ تقْتَنِصَ رزقَ قلبِهَا فى أرضٍ ذاتِ أشواك؟ فألهَمَهَا الهوى بمدادِ الإجابات، وأهْدَتْهَا أيكةُ الجَوَى ما تَتَّكِئُ عليهِ حتى تصِلَ إلى غايتِها.. فإنْ يكنِ المُبْتَغَى هو إكسيرُ الحياةِ وسِرُّهَا المكنون، فلتستدعى فى نفسِها كلَّ بأس، وإنْ طالَهَا منْ وَخْزِ الشوكِ ما يُدْمِى سائرَ الجَسَد.. لا يَهُمّ ..
فإنْ سلمتِ العينُ، وبَرِئَ القلبُ، فكُلُّهُ يهون.. فالعينُ مَوْلِجُهُ، والقلبُ موطِنُهُ، وفى حنايا الرُّوحِ غُدْوَتُهُ ورَوْحَتُهُ!
قرَّرَتْ أنْ تغيِّرَ موقعَهَا فى سطرِ الحياة لتكونَ فاعلاً، ولو مرَّة، فقد عَلَّمَتْهَا ثقافةُ مجتمعِهَا أنَّ المرأةَ مفعولٌ به أبدَ الحياة، عليها أنْ تنتظِرَ النَّصيبَ خائفةً تَتَرَقَّب! ..
لا بأسَ أنْ تكسِرَ القاعدة، فإنَّهَا إنْ تفعلْ، فلن تكونَ بِدْعَاً.. لن تستكينَ ولن تخجلَ بعدَ لحظتِهَا تلك.. فإنَّما [ تُؤْخَذُ الدُّنيا غِلاباً ].. وهلِ الدُّنيا سوى حُبٍّ يلْتِحِفُ بهِ القلب؟!
ومَنْ لم تمتدَّ لَهُ يدٌ، فكيف يجتنى من الثَّمَرِ؟ لن تُرَاهِنَ على الحَظّ الذى لطالما خَذَلَها، فلم تكنْ يوماً من أولئك المحظوظاتِ اللّاتى يسْقُطُ فى أيديهنَّ نَضِيجُ الثّمَر! ليس ثمَّةَ خِيَارٌ لها إذنْ إلَّا أنْ تَمُدَّ يَدَا..
 لقدْ وَعَتْ فأَيْقَنَتْ، ونَوَتْ فصَدَّقَتْ ...
بفستانٍ ذى خطوطٍ طوليةٍ ذهبية، تنافِسُهَا أخرى سوداء، وسلسلةٍ دقيقةٍ من الذهبِ وجدتْ مَرْفَأهَا على جِيدِهَا الممشوق، تتدَلَّى منها على صدرِهَا فراشةٌ ذهبية باسطةٌ جناحَيْهَا، وطرحةٍ فوقَ الرَّأسِ سوداءَ مُحَلّاةٍ بنجْمَاتٍ مُتناهيةِ الصِّغَر، تَصَدَّعَ ليلُهَا ببزُوغِ هذا الوجهِ القَمَرِيِّ الذى تداعَتْ على صفحتِهِ كلُّ مواكبِ الجمال؛.. استعدَّتْ مَنَال لضربَةِ البداية!
التقطتْ حقيبتَهَا، وأجمعتْ أمْرَهَا.. وتحرَّكَ الموكبُ الحُورِيّ!
كان فؤاد هو شامة الحاضرين فى مسرحِ الحفلِ الَّذى أقامتْهُ الشركةُ لتكريمِهِ عشيةَ سفرِهِ إلى ماليزيا، ليُدِيرَ مكتبَ الشركةِ هناك ..
شهدَ لهُ الجميعُ بالإخلاصِ والوُدِّ والعطاءِ والتَّواضع، حتى فنجانُ القهوةِ، الّذى كانَ يُصِرُّ أنْ يغْسِلَهُ بنفسِهِ رغمَ اعتراضِ عمِّ مصطفى عاملِ البوفيه!.. كان حضورُهُ إلى الشركةِ هو موعد كلِّ العاملينَ مع البهجة.. وبدا أنَّهُ لا يلوى على شيءٍ من شؤونِ الحياةِ سوى الانغماسِ فى عملِهِ والإبداعِ فيه، ولذا لم يكنْ لِيَلْفِتَ نظَرَهُ أحدٌ، ولم يلتفتْ يوماً أنَّهُ صيدُ العُيُونِ الحالمة، وهو الشابُّ جميلُ السَّمْتِ نبيلُ السَّجَايا ...
مرَّتْ لحظاتُ الحفلِ مُسْرِعَةً، وطريقُ عينيْها إليهِ وحدَهُ، لايَحِيد! ..
فلمَّا حانتْ لحظةُ الوداع، تقدَّمتْ إليه.. أوْدَعَتْ يديهِ خِطاباً، وعينيهِ الْتِيَاعاً.. قبضَ بأناملِهِ على الخطابِ مشدوهاً، بينما حلَّتْ بساحةِ ذاكرتِهِ تلك اللحظة فى ذلك اليومِ البعيد حينَ اقتربَتْ منهُ طالبةً توقيعَهُ على أحدِ تقاريرِ العمل، فما كادَ يفعلُ حتى أحسَّ ساعتها أنَّها وقَّعتْ على قلبِه! لكنَّ طبْعَهُ الحَيِيّ وقلبَهُ الصَفِيّ الذى ما انفكَ يتشَرَّبُ مِدَادَها، لم يُسْعِفَاهُ أنْ يُحَرِّكَ ساكناً، أو ينطقَ بحرفٍ وهو شهيد!
ومنذُ هاتيكَ اللَّحظة، كلُّ الكلامِ قالَتْهُ العيون، والعينُ إذْ تنطِقُ فثَمَّ اليقين!
 أسرَعتْ إلى شقَّتِها.. تخفَّفَتْ من ملابِسِها ثمَّ ألقَتْ بجسدِها المَرْمَرِيّ على سَريرِ السُّهَاد، بينما أبْقَتْ على صدرِهَا فراشتَهَا الذَّهبية باسِطةً جناحَيْها، تُرَوِّحُ عن قلبٍ باتَ ينْتَظِر!.