الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الفيل الأزرق» وحرفة الحكى بلا رواية!

«الفيل الأزرق» وحرفة الحكى بلا رواية!
«الفيل الأزرق» وحرفة الحكى بلا رواية!




ليس من السهل تناول الأعمال الأدبية فى قالب مسرحى لما تحمله الرواية من تفاصيل شديدة الدقة والأهمية قد يضطر صانع العمل أن يغفلها خشية الوقوع فى فخ الإطالة والملل، فهناك مساحة زمنية محددة تحكم العرض المسرحى خاصة إذا كان عرضا راقصا، كما أن الرواية مرتبطة دائما بخيال القارئ وليس من اليسير السيطرة على خيال القراء ومن ثم التفوق على هذا الخيال، هنا تكون حرفة مخرج العمل فى إعداده للرواية بأى قالب فنى قرر أن يقدمها عليه، وكان من ضمن المفاجآت الكبرى قرار مدير فريق الرقص المعاصر مناضل عنتر بتناول رواية «الفيل الأزرق» منذ عامين، وهى العمل الأدبى الأنجح والأشهر للكاتب الشاب أحمد مراد، وسبق وأن تناوله المخرج مروان حامد فى فيلم سينمائى بنفس الاسم، ثم قدمه مناضل على خشبة مسرح دار الأوبرا.
«الفيل الأزرق» رواية تتناول الاتصال بعالم الباراسيكولوجى يكشف فيه الكاتب كواليس خبايا النفس البشرية، تدور حول شخصية طبيب الامراض النفسية الدكتور يحيى الذى يستأنف عمله بمستشفى الصحة النفسية بعد خمس سنوات من العزلة الاختيارية ليجد فى انتظاره مفاجأة تتمثل فى لقاء احد اصدقائه القدامى داخل القسم 8 حيث تقرير مصير مرتكبى الجرائم فيتذكر ماضيا جاهد طويلاً لنسيانه ويصبح مصير الصديق فجأة بين يدى يحيى الذى تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يبحر فى رحلة لاكتشاف حقيقة صديقه باعتباره مرآة لنفسه أو ما تبقى منها.
كل هذه التفاصيل شديدة الدقة والاسترسال قدمها مناضل عنتر مع فريق الرقص المعاصر بحرفة فنية عالية فى رسم الشخصيات ورسم أداءها الحركى على خشبة المسرح، فاستطاع الراقصون رواية القصة بلا حكى وبالتالى لم يحتج الجمهور إلى سماع حورات مرسلة كى يعيش أحداث الرواية ويواصل مشاهدة العرض، وكانت المفاجأة فى تواصل الجمهور مع العمل مشهد مشهد وحركة حركة، حتى ولو لم يكن من جمهور الرقص المعاصر، وأشد ما ميز هذا العرض اجتذاب عدد كبير من جمهور أحمد مراد من الشباب لهذا النوع من الفن الذى كان مبهما بالنسبة لهم فيما مضى، بسبب عدم ألفته بفن الرقص المعاصر، خصوصا وهو أحد الأشكال التى تطور عليها فن الباليه، وهو الفن المصنف دائما لأصحاب الصفوة والطبقة المثقفة، لذلك تمكن هذا العمل من تغيير ثقافة الكثيرين عن ضيق أفق هذا الفن واقتصاره على قطاع معين من الجماهير، وتعرف أيضا الشباب على وجود نوع آخر وفن آخر يختلف فى فلسفته عن المسرح والسينما وكذلك الباليه، فلم يكن العرض بحاجة لإضافة جمل حوارية حتى يقترب أكثر من الجمهور لأن الاعتماد على مهارة الأداء الحركى وجودة التصميم كان أبلغ فى تفسير وحكى الرواية من تقديمها فى قالب حوارى، فعندما تخلى مناضل عن النسخة الأولى فى تقديمه لعرض الفيل الأزرق وقدمه فى الإعادة الثانية والثالثة معتمدا فقط على التعبير الحركى كان العمل أعمق أثرا وأبلغ فى التعبير الفنى عن قصة العرض.
لذلك لن تجدى إضافة حوار ضمن الرقص، وكان من الأفضل الاستغناء عن أى جمل حوارية تضمنها العمل حتى فى نسخة إعادته الأخيرة على مسرح الجمهورية فلم تكن مشاهد الدكتور يحيى وصديقه بحاجة إلى تفسير أو تأكيد على أن هذا المشهد يجمعمها معا وأن هذا المشهد يخص لقائهما بالمستشفى أو ما إلى ذلك، لأن العمل فسر نفسه بنفسه والمبالغة فى التأكيد على المعلومة المعروفة قد ينزع عن العمل حالة الهارمونى أوالإنسياب فى الانتقال بين المشاهد الراقصة التى تمتع بها من بداية العمل وحتى نهايته، كما تسبب هذه الحوارات المتقطعة فى فصل الجمهور عن الاستمتاع بالعرض وتشتيت تركيزه أثناء قرأته للتعبير الحركى، فعندما تنطق أجساد الراقصين بتفاصيل العلاقات الإنسانية التى جمعت أبطال الرواية كان لهذا عمق كبير واحتاج إلى مجهود وتمكن فى الأداء تفوق فيه راقصى الفريق جميعا، بجانب استخدام مقطوعات موسيقية ملائمة لأجواء العرض لكل مشهد وكل تفصيلة خاصة المشاهد التى جمعت صانعة الوشم وزوجة شريف ثم الدكتور يحيى وصراعه مع الشيطان الذى تلبس صديقه كل هذه المشاهد قدمها الراقصون وكأنك جالس فى قاعة المسرح تشاهد عملا سينمائيا أو مسرحيا ناطقا، كما أن المخرج قدم رواية طويلة فى ساعة ونصف الساعة دون الإخلال بتفاصيلها الرئيسية فلم تفقد شيئا من محتواها أو من الخط الدرامى الرئيسى.
تأسست فرقة الرقص الحديث عام 1993، وتعتبر هى الأولى من نوعها فى الوطن العربى التى أحرزت نجاحات كبيرة من خلال تناولها مواضيع متخصصة فى الفنون والحضارة المصرية والعربية، وقدمت أكثر من 26 عرضًا فنيًا، وشاركت فى الكثير من المهرجانات الدولية وسافرت إلى معظم الدول الأوروبية وأمريكا والصين وكوريا والبلاد العربية وحصلت بعرض الفيل الازرق على جائزة أفضل استعراض فى المهرجان القومى للمسرح عام 2015.