الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بول شاؤول: الثورات العربية ما زالت مستمرة ومن المبكر جنى آثارها..!

بول شاؤول: الثورات العربية ما زالت مستمرة ومن المبكر جنى آثارها..!
بول شاؤول: الثورات العربية ما زالت مستمرة ومن المبكر جنى آثارها..!




حوار - هند سلامة


شاعر وناقد ومترجم، تجده دائما متابعا جيدا دؤوبا بالمهرجانات المسرحية الدولية، مصطحبا معه سيجاره المطفى الذى لا يفارق فمه وكأنه جزء من شخصيته وتكوينه، بجانب شعره الأبيض الكثيف المتناثر فوق رأسه ونظرته الفاحصة المتأملة التى ترى فيها خبرة الأيام والسنين، حين تلقاه تشعر وكأنك التقيت بأحد شعراء أو فلاسفة الأغريق، هو الشاعر اللبنانى بول شاؤول الذى حل ضيفا على فعاليات مهرجان أيام قرطاج المسرحية فى دورته الثامنة عشر، ومن المنتظر أن يستضيفه مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح فى دورته الثانية خلال شهر إبريل القادم، وكان بول ضيفا عزيزا طوال اثنين وعشرين عاما على مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى بالقاهرة، وفى لقاء ممتع ومثمر جمعنى به ضمن فعاليات أيام قرطاج، تحدث شاؤول فى السياسة والأدب والمسرح، وكان معه هذا الحوار:


■ كنت ضيفا عزيزا لسنوات طويلة على مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، فلماذا لم تشارك بدوره هذا العام؟
- لم يدعونى أحد هذه الدورة، والمسرح التجريبى حدث كبير فى مصر والعالم العربى كان مهرجانا بديعا شاركت فيه حوالى 50 دولة عربية وأجنبية، إلى جانب الندوات التطبيقية وكان يتميز بإصدار كتب عربية مترجمة وهذا من أروع ما قدم، فلم يحدث بالعالم أن أصدر مهرجان هذا الكم من الكتب المترجمة، ففى كل دورة كان يصدر حوالى 15 أو 20 كتابا بجانب الندوات التطبيقية، هذه كانت من أهم مميزات التجريبى الذى كان حدث مصرى وعالمى تعرفت بفضله على المسرح العالمى مثل ما نشهده عادة بمهرجان قرطاج ودمشق سابقا، فكان مهرجانا مليئا بالحضور والحيوية فى تلاقح وتمازج المسرح العربى مع المسرح الغربى كى يطلعوا على بعضهم البعض.
■ إذن كيف رأيت طرح فكرة إلغائه ثم محاولة تغيير اسمه بعد الثورة؟
- على العكس لابد من الاحتفاظ بهذا الاسم، لأن الثورة فى الأساس فعل تجريبى أى تغييرى، فنحن نجرب أفكارا وكل ثورة تجريبية تنجح فى شيء وتفشل فى آخر، وفى المسرح نحن بحاجة للتجريب والتغيير لأن مسرح النظريات والمدارس والأيديولوجيات انتهى وسقط فانتهت البريشتية وجروتوفيسكى وانطون أرتو، كل النظريات الواقعية الاشتراكية سقطت مثل المدرسة الطبيعية الواقعية ثم الرمزية والسيريالية كل هذه النظريات أخذت دورتها  وانتهت من تلقاء نفسها وكذلك النظرية البنيوية انتهت وحل محلها التفكيكية، والنازية والصهيونية والوجودية، كل هذا ذهب وحل محله التجريب فمن قبل كانت الرؤية تسبق العمل الفنى، لكن اليوم الاحتكاك بالواقع هو الذى يعطى النظرية، فالفعل الكتابى هو الذى يصنع النظرية إذا كان هناك نظرية، هذا هو التجريب والمسرح لم يكن تجريبيا بالمعنى الدقيق لأنه كان يأخذ نظريات بريخت الملحمية وينفذها كما هى.
■ إذن أنت ضد دعوات إلغائه والبدء من جديد؟
- هناك دعوات حداثية نادت بإلغاء الأصوليات المسيحية واليهودية والإسلام،  ففى رأيهم يجب حذف الماضى كله واجتثاثه لأنه عبء، ولا يمكن ومن غير المقبول احراق التراث  فهذه أصولية حداثية، وبالتالى لابد من الاستفادة بكل إرثنا الدينى والثقافى والحضارى العربى والعالمى، وكذلك الاستفادة من كل التجارب المسرحية التى سبقتنا، فالانقطاع عن تاريخ المسرح وانجازاته موت، فلا يمكن إلغاء محمود دياب وكرم مطاوع وسعد أردش فماذا سيبقى لنا إذا تجاهلنا هؤلاء، لدينا إرث دينى وفنى وشعرى وسينمائى وتشكيلى ومسرحى وأدبى، وكل إرث ينبغى أن نستنفذه ونتحاور معه، ولا يجب أن أتعامل مع الماضى ككتل جامدة بل لابد أن استفيد من التراث كمفردات أو كنيثار وليس كأبجدية، وعلى سبيل المثال الماركسية بقيت كنيثار فبعض قواعدها الاقتصادية باقية، لكن من الأخطار التى تشهدها الحضارة الغربية اليوم فى تطبيق نظام العولمة أنها تدمر الماضى وتنبى الحاضر على الفراغ!
■ هل ترى أثرا للثوارت العربية على المسرح والشعر؟
- من المبكر الكلام عن الثورة وتأثيرها فى الفنون لأن التأثير السياسى قد يكون بطيئا تى تصل للناس أفكار الثورة فالانفعال شىء والثورة شىء آخر، لأن الأفكار تحتاج إلى وقت فالكلام عن تأثير الثورة بالشعر أو المسرح أو السينما مبكر جدا، هناك أفلام قدمت عن الثورة لكنها مازالت تحمل مفاهيم قديمة، فهناك فرق بين الكلام عن الثورة، ومسرحية تأثرت بنيتها وتغيرت تقنيا بفعل الثورة هذا يحتاج إلى وقت طويل، هناك كلام انفعالى بالمسرح لكن يبقى البناء القديم، ولم يمنحنا أحد حتى اليوم بناء جديد فلا يمكن بعد خمس سنوات ابحث عن رواية ثورية، لأن هذا النوع قد يظهر بعد عشر سنوات من الأحداث، كما أن الثورات بالعالم العربى لم تنته بعد، سواء باليمن أو العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، فالثورات العربية مازالت فى بدايتها وعلى سبيل المثال الثورة الفرنسية انطلقت عام 1979 دمرت الملكية، ودمرت الكنيسة، وجاء إمبراطور ثم لويس السادس عشر، ثم جاء طاغية، وظلت الثورة مستمرة دون استقرار حتى استقرت بمبادئها عام 1855، أى بعد سبعين عاما من انطلاقها، لأن المسألة ليست مجرد مظاهرة نطلق عليها ثورة، فالثورة بطيئة فى تطبيق مبادئها لأنها تحتاج إلى وقت وأفراد، ومصر تعداد سكانها 100 مليون وليس معقولا أن تصل مبادىء الثورة لهذا الرقم ويقتنع بها ويطبقها الجميع، لكننى أتمنى من كل مسرحى وشاعر وفنان تشكيلى أن يرى الواقع، لأن النظرية موت، والواقع هو الحياة ومن خلاله يبنى الخيال، خاصة أن الواقع كله حولنا خيال علمى فما يحدث فى سوريا ولييبا والعراق خيال علمى يحتاج تأملا وبحثا عن كتابة جديدة وهذه هى تجارب العالم كله بالثورات.
■ وكيف ترى حال المسرح العربى اليوم؟
- المسرح العربى متراجع كثيرا هناك فقط أفراد لهم تجارب شخصية معدودة، بينما كان الموسم المسرحى العربى بالسبعينيات مزدحم بالعروض، ففى لبنان كان ينتج فى الموسم الواحد حوالى أربعين أو خمسين مسرحية وكذلك فى مصر، وسوريا، وتونس والمغرب، لدرجة أنه كان هناك حالة تناغم غير مقصود بين التجارب المسرحية العربية، لكن لم يعد هناك موسم مسرحى كما كان من قبل، فالكبار ظهروا منذ خمسينيات القرن الماضى بلبنان ومصر وسوريا بينما الشباب حاليا غير متحمس ومازالت السطوة والريادة فى تونس على سبيل المثال لجيل السبعينيات مثل توفيق الجبالى وفاضل الجعيبى وفاضل الجزيرى، وبحسب ما عرفته من مهرجانات قريبة المسرح تراجع كثيرا فى العشر سنوات الأخيرة، والمسرحيون ليسوا هم المسئولون عن ذلك لكن هناك عوامل أدت إلى هذا التراجع مثل الحروب بالمنطقة، الوضع الاقتصادى، سيطرة التليفزيون، وتخلف الجامعات ومعاهد الفنون بكل العالم العربى، وكذلك وضع الجمهور تغير كثيرا، معهد الفنون المسرحية أصبح مدرسة للتليفزيون وليس للمسرح، ولا ألوم الشباب على ذلك، لأن هناك أسباب حياتية أقوى فلا أحاكم أحدا لكننى أصف الوضع.
■ هل لديك أى توقعات مستقبلية لتحسن الأوضاع على المستوى الثقافى أو السياسى؟
- المستقبل مجهول، فهناك اليوم أربع دول عربية تحت الاحتلال من قوات أجنبية، ولا أحد يعرف مصير البلدان الأخرى العالم العربى يعيش معركة مصيرية وكيانية تهدد أرضه وحدوده ولن تنته هذه المعارك، لأن العالم كله يتآمر على العروبة والإسلام، فالغرب لا يريد العرب بالمنطقة لهذا لا أستطيع التكهن بما الذى سيكون عليه العالم العربى بعد عشر سنوات، فقد يزول لبنان وأنا كلبنانى متخوف على بلدى!!