الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

طه عبد المنعم: المشهد الأدبى فى مصر «منهك» ويحتاج للإنعاش

طه عبد المنعم: المشهد الأدبى فى مصر «منهك» ويحتاج للإنعاش
طه عبد المنعم: المشهد الأدبى فى مصر «منهك» ويحتاج للإنعاش




حوار- إسلام أنور

 

طه عبد المنعم كاتب مصرى من مواليد 1978، حصلت مجموعته القصصية الأولى «ثلاث تمارين لميلان كونديرا» الصادرة عن دار روافد، على المركز الثانى مناصفة فى جائزة ساويرس الأدبية.
تسير قصص المجموعة فى خطين دراميين متداخلين، أحدهما سيرة البطل والآخر مسيرة الثورة، وجاء فى حيثيات لجنة التحكيم عن قصص طه عبد المنعم: «تنبنى قصص هذه المجموعة على احتفاء تجريبى ملحوظ، وعلى حوارات متعددة المستويات مع كتابات أخرى، وعلى التقاطات متنوعة لتجارب شخصيات بأعينها، ولكنها جميعًا تجارب موصولة بعوالم أكبر، وبوقائع فاصلة، مقرونة بالتواريخ، ومنها ما يرتبط بثورة 25 يناير، ويتحقق هذا كله، فى القصص، خلال رصد ينتزع لنفسه مساحة رحبة للحركة، وينساب بقدر كبير من التدفق، بما يجعله ينتقل انتقالات واضحة فيما بين الوقائع المرجعية العامة والهموم الشخصية، وبين رصد الروح الجماعية الغاضبة والتوقف عند القلق الوجودى الفردي»..عن الكتابة والثورة وفوزه بجائزة ساويرس دار معه هذا الحوار.
■ هل كنت تتوقع فوزك بالجائزة وإلى أى مدى صارت الجوائز معيارًا للنجاح فى ما يبدو ظل تراجع معدلات القراءة؟
- الحقيقة كنت أتوقع فوزى، ليس لأنها المرة الثانية التى أقدم فيها بالمسابقة، ولكن السبب أنى فى وسط أسماء قديرة تستحق الفوز، وهذا ما حدث بالفعل، الجائزة تعبر بشكل أو بآخر عن المشهد الأدبى فى مصر، لأن الثقة فيها كبيرة، وأصبحت تتسم بسمة التسابق والمنافسة، فى نفس الوقت أرى أن الجوائز ليست معيارا للنجاح، الفائزون معى هم معيارى للنجاح، أنا فرحت بالأسماء معى وليس بالقيمة المادية أو بالمركز، كل الجوائز الأدبية على مستوى التاريخ والعالم عليها ملحوظات، لكن من يستطيع أن يصمد ويحقق الاستحقاق، لأن العدالة صعبة أن تحقق، لهذا لا أحب الجوائز التى بها فرع واحد أو مركز واحد، ما زلت أردد أننا نعيش فى مصر، وهى ورشة أدبية كبيرة، المبدعون فيها متنوعون بشكل كبير وينهلون من الثقافة العالمية وتجاربهم وكتاباتهم، واعتقد أنه لا يوجد انخفاض فى معدلات القراءة، وإلا لم تكن تظهر الكتب المزورة والمضروبة وpdf، وانتشار مواقع وجروبات الكتب على الفيسبوك، لا ننكر أن المستوى أصلا ما زال منخفضا ولكن السبب الأكبر يرجع لصعوبات الحياة والمعيشة، الجوائز الأدبية تسلط الضوء بقدر المستطاع، ففى ظل صحافة ثقافية لا تقوم بدورها على أكمل وجه، تبحث عن اليومى والرائج، بدليل أنه لو حفل تسليم الجوائز خلا من المشاهير والنجوم فإنه لا يتم الالتفات للكُتاب الفائزين، أو الاهتمام الإعلامى بهم، بالإضافة إلى أن معظم النقاد لا يتابعون المشهد بشكل منصف إلا من لجان التحكيم والقوائم القصيرة.
■ فى ظل هذه الظروف والمتغيرات الكبيرة التى نعيشها على كل المستويات كيف ترى المشهد الأدبى فى مصر؟
- المشهد الأدبى فى مصر «منهك»، ويحتاج عمليات لإنعاشه والجوائز الأدبية بصفة عامة إحدى تلك الوسائل، نحن نعيش فى مجتمع لا يعطى المبدع حقه، لا نقاد الأدب ولا الصحافة الثقافية، نجد بعض العزاء من قراء يلقون لنا بكلمات المديح والاستحسان، فلا تلوموا الأدباء الشباب على السعى للجوائز، التى أصبحت رائجة، ويوما بعد يوم ستتخلص من الشوائب التى تحملها.
الجوائز بصفة عامة، ومعظم الكُتاب يعرفون هذا، لا تدل على قيمة للعمل الأدبى، فما زالت هناك أعمال أدبية متميزة لم تحصل على شيء، ولا يسعى أصحابها لشىء. نحن نسعى فى التقديم للجوائز الأدبية لتحقيق قدر ما من جماهيرية فى مواجهة «وحش البست سيلر» أو ترهل سوق النشر.
■ ثورة 25 يناير حاضرة بقوة فى مجموعتك القصصية «3 تمارين لميلان كونديرا» ألم تخش من الوقوع فى غواية الثورة والسقوط بفخ الزعيق السياسى وخاصة فى ظل الأعمال التى كتبت عن الثورة وكانت أقل كثيرًا من قيمتها ووهجها؟
- لم أتعمد الحديث عن الثورة لذلك لم يكن لدى خوف غواية الزعيق السياسى أبدا. الثورة كحدث مفاجئ لنا جميعا وللأسف للمثقفين أيضا. مَن رأى الثورة قادمة وإن كان بإحساس غائم هو الذى سيستقبل وهجها بهدوء وعلى مهل، أما مَن تلفحه الثورة يلفظ الصهد الذى ابتلعه فى كتابة متعجلة أقل كثيرا من قيمة الثورة. لذا أظن أن هؤلاء لم يفهموا الثورة وارتعبوا منها فجاءت كتابتهم هكذا.. أتذكر مقولة لكثير من المثقفين قالوها على استحياء بمجرد مرور سنة على الثورة: «متى ترجع الأمور كما كانت حتى نستريح ونعاود الكتابة والقراءة؟» سمعتها كثيرا وهم يصفون حالهم المزرى كيف لم يكتبوا حرفا منذ اندلاع الأحداث.. هؤلاء من يحاولون التخلص من العبء بكتابة باهتة، لا أدعى أنى كنت ثوريًا ولكن رأيت الحياة فى مصر تحتاج ثورة، وبشكل عام ثورة 25 يناير بطل رئيسى فى حياتى وحياتنا وحياة الشعب المصرى بأكمله، لذا ليس بمستغرب ظهورها فى القصص.
■ فى القصة الأولى من المجموعة تحدثت عن حياة سابقة للراوى وشعوره بالوحدة.. برأيك هل نحن أسرى حيواتنا السابقة؟
- كان ضروريا أن أبدأ المجموعة بتلك القصة، علاقتى بأبى وأمي، سؤالك «هل نحن أسرى حيواتنا السابقة؟» طريف حقا... فأذكر مسلسلاً أجنبيًا عن ركاب طائرة تحطمت بهم الطائرة على سطح جزيرة مجهولة، هم غرباء تماما عن بعض ولكنهم أسرى حياتهم الماضية، فهى التى تحكم تصرفاتهم وسلوكهم وشخصياتهم، مع أن الجزيرة تقدم لهم حياة جديدة تماما، الثورة قدمت لى حياة جديدة تماما ولكنى أسير حياتى السابقة، فهى ما زالت ترمى بظلالها على علاقاتى وحياتى الجديدة. نعم نحن أسرى حياتنا السابقة.
فى عالمنا العربى، نظل نحمل حيواتنا السابقة كأسفار على ظهر حمار، تكبلنا وتشدنا إلى أسفل، ويأتى المجتمع ليضيف قيودا أخرى، وإذا نجونا وتخلصنا، نجونا متآخرين، كان هذا قلق وهم أثناء كتابتى للقصص، كيف نحن أسرى حياتنا السابقة وكيف نتخلص منها.
■ الخوف من الفقد والموت حاضران بقوة فى المجموعة هل يمكن للكتابة أن تعوضنا عما فقدناه؟
- للأسف نعم، المثقف أو المبدع يحاول أن يخرج بفنه وإبداعه للناس ولكن فى مجتمعاتنا يتم قمعه ومنعه ومحاصرته، فيعود ويلجأ للكتابة ويتقوقع عسى أن يقتات المستقبل على تلك الكتابة. بالإضافة الحياة بعد الثورة صعبة وكمية الخلافات والانقسامات فاقت الحد، والتاريخ لم يعد يكتبه المنتصرون لسبب بسيط أنه لم يعد هناك منتصرون. لذا تكتسب الكتابة أهمية قصوى الآن.
■ فى قصة «طائر تبدو عليه ملامح القداسة» تحدثت عن المدينة وقسوتها وكيف أنها تقتل الحب برأيك هل الحداثة والعولمة تقتل أرواحنا؟
- هذه رؤية وقراءة للقصة، احتمال لم أقصدها فى ذاتها كما وصفت، اعتقد أنى قصدت أن نجاة «بطلة القصة» تعذبها تلك التغيرات والحياة التى قد نصفها بالحداثة والعولمة وحبست عذاباتها داخل الكتابة ولكنها لم تكن كافية فانتحرت.
■ تتضمن قصصك بعض الاقتباسات والأبيات الشعرية لمبدعين آخرين ألا تعتقد أنها قد تحدث تشويش لدى القارئ فى تذوقه لحكايتك وكتابتك الخاصة؟
- هذه سمه أعتقد فرضها عصر ما بعد الحداثة، حيث المشاع والنظم مفتوحة المصدر، لو وضعت هذا التصرف فى سياق العصر الذى نعيشه لن تجده غريبا. فى نص لأحمد شافعى موجهه إلى محمد عبد النبى، ظللت أقرأ النص واكتب عليه هوامش وتعليقات حتى وجدتها دخلت إلى النص وعندها أحسست أنه ملكي، فوضعته فى الكتاب، فهناك نوعان من الإبداع، الإبداع الذى يفجر ما قبله، والإبداع الذى يعيد اكتشاف ما قبله، وقد تجمع كلا النوعين، تضع بصمتك ورؤيتك وتُعيد الاكتشاف، لسبب هام وبسيط، أن الزمن يتغير وتلقى القراء والكُتاب للإبداع يتشكل يوميا، بل وأصبح سريعا ومتلاحقا. لم يعد التجريب بلا هدف- معظم النقاد عندما يطلقون التجريب على عمل أدبى فهم يضمرون أنه خرج من قضبان سكة القطار بلا وجهة – لكن فى رأيي، التجريب هو تقليب تربة نفسك وتربة أسلافك من الكُتاب.
■ غلاف المجموعة يحمل قدرا كبيرا من التمرد والمزج بين عدة فنون متنوعة؟
- الغلاف أخذ منى ومن الرسام «محمود حافظ عيسى» مجهودا كبيرا، فقد تناقشنا كثيرا حول الفن، وخصوصا حول الرسام النمساوى «إيغونشيلي» وتكلمنا حول الإشارات فى القصص مثل «أليس» من رواية «أليس فى بلاد العجائب»، و«نيو» من فيلم «ذا ماتريكس» فى القصة نفسها، فى مزج بين الأدب والسينما. ولا يمكننا بالطبع إغفال القرد «ميلان كونديرا»، لذا تكون لديه تصور للوحة التى تعبر عن هذا المزيج ونفذ وصمم الغلاف الفنانة والشاعرة غادة خليفة.
■ هناك حالة من التمرد فى قصص المجموعة على المجتمع الذكورى وعلى السلطة الأبوية وانحياز مطلق للمرأة هل هذا حنين للعودة للمجتمع الأمومي؟
- المجتمع الذكورى معناه طريقة تفكير متسلطة ومركزية، باختصار بها كافّةً عيوب النظام القديم. وكل تفكير جديد مختلف يصنع مجتمعا جديدا نستطيع أن نصفه بالمجتمع الأنثوى «فقط لأننا نستخدم الثنائيات، ذكورى فى مقابل أنثوى».. لكن النظام الجديد الذى نطمح به يستلزم الثورة على النظام القديم. بالنسبة للمرأة فهى فاعل فى كافّةً المجتمعات، اختارت فقط فى ظل النظام القديم الركون فى الظل وترك السلطات للذكور يلعبون بها ويقيمون الحروب ويكتنزون الثروات، أما هى فتفرغت لبناء المجتمع، لكن فى النظام الجديد والمجتمع الجديد وجهت له الانتقادات ولكنها فى نفس الوقت لا تسعى للسلطة، لأن النظام الجديد لا سلطة فيه.. المرأة تسحب السلطة من يد الرجل لأنها لا تريدها موجودة أصلا.
■ خرجت فى السنوات الماضية العديد من الأعمال الأدبية التى تستخدم تيمة وتقنية الكتابة عن الجسد ومعظم من كتبوا فى هذه المنطقة كاتبات هل اعتبرت هذا تحدى لك ككاتب أن تكتب من خلال نافذة الجسد؟
- لا أعرف مقدار كتابة الجسد فى مجموعتى القصصية بالمقدار الذى يضعنى وسط كتابة الجسد، أعتقد أن كتابة الجسد لا تعنى الجنس أو الجسد كجسم، بل تعنى كسر التابوهات، تعنى الحرية، تعنى أن يكون الجسد وجسدك بالأخص جزء من العالم الذى تعيشه. الكتابة عن الجسد هى أحد تصوراتنا عن الكتابة، نحن لا نضع تصوراتنا عن العالم أمامنا أثناء الكتابة.. بل نضعها خلفنا.. نضعها كأرضية للانطلاق.
■  انحزت فى المجموعة لما يُعرف بالنص المفتوح حيث المزج بين السرد والشعر والسيرة الذاتية هل هذه النوعية من الكتابة أعطت لك مساحة وحرية أكبر؟
- التنظيرات بشأن الكتابة تأتى بعد فعل الكتابة ذاته، لذا تحديدا دعنا لا نسميها نوعية الكتابة، الحرية هى الأساس والطموح لمساحة أكبر من البوح هى التى تكون النص المفتوح، الذى قدمته فى نصوصي، قيمة النص هى التى تحدد وجوده وليس لأنه سرد أو شعر أو سيرة.. طبعا هناك فروق واضحة بين القصة والرواية، مثلا.. استعجب كثيرا من مَن يقول إنها متوالية قصصية، اعتبر هذا من باب الثناء فقط، ولكنى غير مقتنع به، لأنى، أنا الكاتب، يعرف مقدار الخيال والحقيقة فى العمل، وهو ليس بأى حال من الأحوال كما قال البعض لى: «إحنا كنا هنطلع لك فيش وتشبيه». اعتبر أنى نجحت بقدر ما لو وصل لهم هذا الشعور، أى ظنوا انهم عثروا على بين السطور، وهو أمر ليس صحيح على الإطلاق.
■ وجهت شكر فى نهاية المجموعة للشاعرة «أسماء ياسين» والمترجمين «محمد عبد النبي» و«أحمد شافعى» والقاص «محمد أبو الدهب» لأى حد تعتبر جيلك رافعة لك ومن أكثر الكتاب الذين تأثرت بهم؟
- هناك نوعان من الكتاب تتأثر بهما، الأول يدفعك للإلهام والثانى يدفعك للتوقف. الشكر لهؤلاء الأصدقاء لأنى تأثرت بهم فعلا، من مجرد كلمة أو اقتباس إلى اشتباك وإلهام. الكاتب الذى يجد نفسها وحيدا أو منعزل لا أثق فيه وفى كتابته. أثق فى كتابة الكاتب الذى يشتبك ويتفاعل ما حوله سواء كان المجتمع أو الأفراد، كتاب ومبدعين. عموما حاولت أطبق ما أراه فى عالم الكتابة، سواء فى الاقتباسات أو خلطة الكتابة داخل النصوص، بمعنى أن شكل نصوصى يعبر بشكل ما عن رؤيتى للكتابة نفسها. هناك مقولة رائعة لأمبرتو إيكو: ما لا تستطيع تنظيره ينبغى سرده» ولكنى حاولت أن أسرد ما أريد تنظيره أو على الأقل أطبقه، كما أن قصص الكتاب، ليس بها أى معارضة أو تناص مع الكاتب التشيكى الفرنسى «ميلان كونديرا»، ولكن أدين له بالفضل، فى أن جعلنى ألمس جوهر الكتابة، بثلاثيته عن الكتابة، التى تجمع ثلاث كتب، صدرت عن المركز القومى للترجمة، فهو القرد الذى طرق بابي، وبالطبع لم يكن هذا التأثير السحرى منه ليحدث إلا لو كان لدى تاريخ ومخزون كبير من القراءات من نجيب محفوظ وماركيز إلى «سرماجووأورهان باموق»، والكثير من التجارب فى الكتابة وتمارين الكتابة.
■ ما عملك المقبل؟
بعد توقف طويل، استأنف مشروع بدأت فيه من أكثر من سنة حول المخرج الأمريكى «كواتنين ترانتينو»، واعتقد أن المشروع سيستغرق أكتر من سنة آخرى لإتمامه، «حتى فترة قريبه مكنتش مقرر أنه هيكون رواية»، لكن بعد اكتمال التصور والحبكة والشخصيات ستكون رواية، لكن بطعم القصص. فالرواية عن ثمانية فتيات تحكين قصصهن فيما يشبه سيرة للمخرج عن أفلامه وحياته. ولأن المشروع سيستغرق فترة طويلة، قررت إصدار مجموعة قصصية فى منتصف العام القادم. هناك عدة أسماء تداعب ذهنى لكل من الرواية والمجموعة، لن أحسم القرار فيهم إلا عند الانتهاء منهم. وأبحث عن تمويل وتفرغ لإعادة تطوير بحثى المتوقف لنشره نهاية العام القادم، بالإضافة لعملى فى تحرير الكتب، وأظن أن قيمة الجائزة سوف تساعدنى على الصمود لإصدار مشاريعى بتفرغ وراحة.