السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«اترك أنفى من فضلك».. «آليس» يمتد فضولها إلى أنف «سيسو» و«بيسو» فى بلاد العجائب!

«اترك أنفى من فضلك».. «آليس» يمتد فضولها إلى أنف «سيسو» و«بيسو» فى بلاد العجائب!
«اترك أنفى من فضلك».. «آليس» يمتد فضولها إلى أنف «سيسو» و«بيسو» فى بلاد العجائب!




ما بين الواقع والأسطورة تتصارع الأضداد، والخط الفاصل دائما بين الصراعات الواقعية والأسطورية هو الخيال، فالأساطير ينسجها خيال أصحابها، والواقع يروى نفسه بنفسه، وبحرفة عالية مزج المخرج والمؤلف إسلام إمام الواقع بالخيال بنقد خلل المجتمع وواقعه من خلال نسج خيالات وحكايات أسطورة صراع الأنوف، والتى جاء عنوان المسرحية مشيرا إليها «اترك أنفى من فضلك»، ولأن الأنف إشارة لشدة الفضول وتجاوز حدود التدخل فى حياة الآخرين استخدمها إمام فى الإسقاط على قضايا سياسية واجتماعية متفرقة بالإضافة إلى استغلال شخصية «آليس» الآتية من بلاد العجائب كى يروى على لسانها أحداث المسرحية «العجيبة»، وتعمد المخرج استغلال شخصية آليس الفتاة الأسطورية التى أوقعها فضولها فى مشاكل كثيرة بسبب رغبتها الدائمة فى البحث والاكتشاف!
«اترك أنفى من فضلك».. تدور أحداثها حول صديقين شديدى الارتباط والحب لبعضهما البعض «سيسو» و«بيسو» حتى أنهما يقرران تقاسم كل شيء إلى حد زواج أخت سيسو من شقيق بيسو كى يزداد الالتحام والقرب بينهما، لكن فى إحدى المرات يسخر سيسو من أنف بيسو الطويل، فيتحول الأمر إلى خلاف عائلى شديد، يقرر معه شقيق بيسو هجر زوجته، ثم يحاول غريب التدخل للصلح بين العائلتين وما إن يتم حل المشكلة يظهر شخصان يرتديان أنفا طويلة وأخرى صغيرة لإثارة الفتنة بينهما من جديد، فيتضخم الأمر وتتعاظم المشكلة إلى أن تنجح آليس بالاتفاق مع الطبيب الحكيم فى الوصول إلى فكرة لوأد المشكلة نهائيا وهى إجراء عملية جراحية لهما ليصبح الجميع أصحاب أنف واحدة فتتطابق الأنوف، ويعيش الجميع فى رضا وسعادة، لكن لأن الخلاف هو أصل نشأة البشرية لن يستمر هذا الاتفاق طويلا، وسرعان ما يتحول إلى شقاق بعيد، فالحياة لا تستقيم بلا تناقض فيتجدد الصراع حول من الأكثر طولا فى القامة ومن أشدهم قصرا!
 هكذا يرسخ إمام فى عرضه إلى فلسفة الوجود وأزمة البشر الأزلية العنصرية فى عدم قبول الآخر، وتشبث كل فريق بتبنى وجهة نظر واحدة ومن لم ينضم للقطيع أصبح عدوا لدودا فاستطاع بحكمة وسلاسة نقد عنصرية المجتمع وفضوله وفتنته ونفاقه، فى هذا القالب الكرتونى البسيط وتعرض بالسخرية والنقد لقضايا اجتماعية وفلسفية عديدة، مستخدما الكوميديا ديلارتى فى تصميم ملابس الممثلين وأدائهم الساخر، ومن خلال المبالغة فى استغلال هذا الصراع التافه فى الإيقاع بين صديقين حميمين، وتأتى روعة هذا العرض فى أنه لم يتجاوز فى تناوله لقضية الاختلاف حدود الاختلاف الفيزيائى أى حدود الشكل الجسمانى لأصحاب العائلتين، فى إشارة لمدى تافهة وسذاجة الإنسان فى تضييع معانى ومشاعر إنسانية ثمينة حتى ولو على أتفه الأمور، فكان لهذا الصراع الساذج اسقاط كبير على صراعات أشد قبحا ووطأة بالمجتمع مما يظنه كثيرون، لذلك تميز هذا العمل بحكمة نقده وذكائه، بجانب أسلوب تعبيره الساخر عن تحويل كل أمر تافه إلى أمر جلل، فالنقد الساخر عادة أعمق أثرا من استخدام حكم ومواعظ مدرسية مباشرة.
لم يكتف المخرج بهذا الإطار الشكلى الساخر فى نقد المجتمع سواء المتعلقة بملابس الممثلين الذين ارتدوا جميعا ملابسات البهلونات نساء ورجال أو فى الكتابة الساخرة، بل انعكس ذلك وبشكل واضح على أدائهم جميعا بدءا من حسن حرب ورامى الطمبارى بطلى العرض وهما الصديقان الحميمان قاما بأداء دورهما بمهارة ورشاقة لا تخلو من الأداء الكرتونى وهو ما تميزا بها خاصة فى المشاهد التى جمعتهما معا لكن بدا الطمبارى وكأنه محكوما بمساحة وإطار محدد فى رسم شخصيته، مما تسبب فى اخفاء جوانب كثيرة من موهبته التمثيلية التى لم يتم استغلالها كما يبنغى أن يكون، وكأن المخرج امتلك أحدث الأجهزة الإلكترونية ولم يستغل من إمكانتها المتعددة سوى شيئا واحدا، فلم تشبع شخصية بيسو موهبة الطمبارى الغنية لأن رامى لديه المزيد، ولم تترك له الشخصية مساحة الإفصاح عن هذا المزيد، على عكس ذلك فتحت شخصيتى مثيرى الفتنة تامر الكاشف ومحمد خالد مساحة للممثلين فى إظهار مهاراتهم فكلاهما تحركا بخفة ورشاقة، واستطاعا بمهارة شديدة التحكم فى ضبط إيقاع العرض وإضفاء حالة من المتعة عليه بأدائهما لشخصية صاحبى الأنف الصغيرة والطويلة، من بين أكثر عناصر الجذب فى الممثلين أيضا كانت دعاء رمضان التى أدت بتميز وحضور طاغ شخصية زوجة شقيق بيسو وحققت بأدائها التمثيلى والحركى الغاية من شخصية الزوجة الأقرب لشخصيات أفلام الكارتون فكأن إحدى بطلات هذه الأفلام خرجت حية فى دعاء على خشبة المسرح سواء بأدئها الصوتى المبالغ فيه والذى يعد من صميم هذه الشخصية أو بحركتها الطفولية على المسرح، ثم تساوى الجميع فى نفس مهارة الأداء منهم آليس نورا القاضى التى قدمت دورها بسلاسة وحضور، رضا طلبة شقيق بيسو، حسين جمعة، مصطفى سعيد، وكريم الكاشف.
تكمن أهمية هذا العرض فى أنه من الأعمال المناسبة للأطفال والكبار معا، فهو عمل راق يناسب عروض مسرح الطفل ومن المهم أن يوضع فى الحسبان إقامة أعمال تحمل هذا الرقى وهذه المعانى للأطفال، بجانب أنه عمل مسرحى يحمل سخرية لاذعة لأوضاع اجتماعية عنيفة وسيئة وبالتالى سيتمتع به الكبار قبل الصغار، لكن ربما العيب الوحيد الذى عانى منه العرض هو الزحام التشكيلى والبصرى على خشبة المسرح، فملابس البلياتشو أو البهلونات التى صممتها بمهارة مروة عودة، بجانب استخدام بعض العرائس تصميم محمد فوزي، كانت تغنى عن زحمة ألوان الديكور من تصميم عمرو عبد الله، الذى لم يمتزج بصريا مع الملابس فأدى إلى حدوث حالة من الإزعاج البصرى أثناء المشاهدة، إلى جانب الإفراط فى استخدام عرائس الماريونت والذى أدى لحدوث زحام شديد على المسرح، خاصة أن العرض اعتمد على ارتداء الأقنعة الملونة والملابس الزاهية فهى وحدها كافية لجذب أعين الجمهور لأن هذا الأسلوب من صميم فلسفة الكوميديا ديلارتى الذى ظهر فى إيطاليا بالعصور الوسطى، كان الممثلون يرتدون الأقنعة لاجتذاب الجمهور مستخدمين مهارات متعددة كالإيماءة والأكروبات والعزف على الآلات لضمان سرعة استجابة الجمهور لهم وتداخلهم مع العرض، فهذا الفن الذى يتخذ من المبالغة أساسا فى رسم الشخصيات وبالتالى المبالغة فى تصميم ملابسها وأدائها، قد لا يقبل إضفاء مزيدا من المبالغة على ألوان الديكور أو الإفراط فى استخدام عرائس ماريونت إضافية فى الوقت الذى ظهر فيه الممثلون بهيئة عرائس، وكأن المخرج أراد استخدام كل شيء لتحقيق صيغة المبالغة لأقصى درجة!