الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شمس يناير تودع حلوانی مصر

شمس يناير تودع  حلوانی مصر
شمس يناير تودع حلوانی مصر




بقلم - مروة مظلوم

أبت شمس الخامس والعشرين من يناير أن ترحل دون وداع جديد.. دون ذكرى مؤلمة.. دون دمعة حزن فى عيون مصر على أبوابها عامها الجديد.. رحلت ومعها أنفاس عاشقها الثائر وشاعرها المتيم وكأنها على موعد مع الفراق تودع عشاقها وأحلامها مع كل غروب.. سيد حجاب لم يترك شبرًا على أرضها إلا ووصفه.. لم يترك خائنًا لترابها إلا ولعنه.. لم يترك بيتًا فى مصر إلا وتغنى بكلماته فى حبها..فلا تخلو صفحات أيامنا من بصمته فى تاريخ كل منا طفلًا شابًا.. وشيخًا تجاوز عامه السبعين من الإبداع برصيد تحفظه خزائن قلوب المصريين..

البداية شهدتها مدينة المطرية أو الصيادين بالبحيرة موهبة عززها الأب الأزهرى موظف الحكومة حافظ الشعر والمعلقات يعقد جلسات بيتيه مع أولاده، يلعب معهم لعبة «المطارحة الشعرية» فيأخذ كل منهم الحروف الأخيرة لنهاية كل بيت كبداية لبيت شعر آخر أوقصيدة أخرى.. ويأتى دور سيد وقد نفذت محفوظاته القليلة يستعين بالأغانى فلا تسعفه فيرتجل بيتًا وراءه بيت.. فصار شاعرًا بفطرته وعمره لم يتجاوز 8 سنوات.. وحملت أولى قصائده بالفصحى روح الثائر تحت ضوء الشمس عام 1951 عندما انفجر الكفاح المسلح ضد الإنجليز فى قاعدة قناة السويس استشهد صبى من الفدائيين فى نفس عمر سيد حجاب وقتها 11 عامًا، شحنة الغضب بداخله لم تحمدها المظاهرات فكتب «كنا غزاة وأبطالًا صناديدا صرنا لرجع الصدى للغرب ترديدا».. لكننا سوف نعلو رغم أنفيهم.. وسيكون يوم نسورنا فى الجو مشهودًا»، قرأ الأب ماخطه نجله الصغيرفى «كراسة» الشعر وكان تعليقه عليها» أولًا الحمد لله ياشيخ سيد ربنا أنعم عليك بسليقة شعرية سليمة ويجب أن تحمده عليها، ثانيًا يجب ثقلها بالدراسة»، ومنذ ذلك اليوم لم يبخل عليه بوقته أو علمه درسَّ له العروض على طريقة ترديد الأزهريين مع قهوة العصارى حتى حفظها كلها مابين سن 11 و14 سنة، ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية حيث أطلق عليه زملاؤه وقتها «القبانى» فهو يزن الشعر لهم ويضبطه حتى إن أساتذته كانوا يرجعون إليه فى شعر المناسبات الدينية و المولد النبى.
بدد حجاب حلم أبيه فى أن يكون مهندسًا واتجه إلى الأدب فقال «حين قررت ترك دراسة الهندسة قسم مناجم وكنت فى الفرقة الثانية واتجه إلى الأدب أحزن القرار والدى كثيرًا مما اضطرنى أن أهجر بيت العائلة فى شبرا حتى لا أخضع إلى ضغوطهم المادية والنفسية لتغيير مسارى، لكن كانت تصلنى منه مشاعر شفقة عندما يقرأ إحدى قصائدى فيشعر بأننى مأزوم فيبعث لى برسائل مع أصدقائى إذا كنت أريد الرجوع وأشعر بالخجل فإذا كنت أريد إكمال دراستى فى آداب فهو سيتقبل الأمر، لكن انا كان لابد أن أخذ الموقف بصرامة لأنه نقطة تحول فى حياتى لاختيار مسارى وحياتى التى أحبها وليس مايفرضه الآخرون على من أسلوب حياة يلائمهم مع المحبة الشديدة لأبى واحترامه الذى رافقنى طوال العمر.

حلم لقاء صلاح جاهين
كان حلم حجاب مقابلة شاعر الثورة «صلاح جاهين» وقدمه له فؤاد قاعود وعندما انصت لأشعار حجاب علق جاهين فرحًا «بقينا كتير يافؤاد» وقال حجاب: عندما خرجت هذه الجملة منه بهذه الطريقة شكلت ماتبقى لى من عمر وأرشدتنى الطريق فقد كانت شهادة من الشاعر الذى أحبه أكبر شعراء زمانه، وعندما اختلفت معه كان اختلاف الإبن مع الأب فقد كنت أنتمى لفصيل يسارى يرى عبد الناصر زعيماً وطنيًا لا أكثر لايمثل الاتجاه الاشتراكى هو يؤسس رأسمالية دولة وهو كان يراه زعيمًا وطنيًا اشتراكيًا، أذكر قصيدته التى كتب فيها «أحلف بقـرآنى، وإنجيلى، بهـدف عظيـم، دايمــا يناديلى، بالمعـركـة، وسهـرهـا، بالقـاهـرة، وقمرهـا.. بجمـال وجرح قديم فى جبينه».. فغضبت واستكثرت أن يقسم أستاذى وأبى الروحى بجرح فى جبين جمال عبد الناصر.

حجاب الثائر يعود مع يناير
ثورة يناير حملت الأمل إلى قلب سيد حجاب الثائر وأحلامه بالتغيير تمثلت فى شباب مصر داخل الميدان فاختصر حلمه فيها بقوله «بالنسبة لى ثورتا 25 يناير و30 يونيو هى شىء غير مسبوق فى تاريخ الإنسانية أولًا: الكثافة الشعبية التى لم تحدث فى ثورة، ثانيًا هذه الطليعة الشابة التى استخدمت أدوات عصر المعلوماتية فى الحشد الشعبى، ثالثًا ثورة تجاوزت الأيديولوجيات والتنظيمات الحزبية لأهداف وطنية وانسانية، رابعًا لأنها جمعت بين ثورتين هما الأهم فى تاريخ الإنسانية ثورة الحريات والعدالة الاجتماعية وطالبت بهما إلى جانب المنحى السياسى كانت هناك ثورة ثقافية ظهرت فى ميادين التحرير رفضت منظومة القيم المسبوقة للثورة وضرب وطرد ممثلو هذه الثقافة من الميادين المختلفة، فجرت الطاقة الابتكارية عند الشعب المصرى فى اللافتات ورسم الوجوه والجرافيتى والمسرح الحر متمثلًا مشاهد «صرف العفريت» «المحاكمة الشعبية»، الشعر والغناء على المنصات سواء القديم أو الجديد استدعاء كل إبداع الماضى وأضافوا عليه الجديد أشعار حداد ونجم، الشعراء الذين اعتلوا منصة التحرير كانوا اشارة لميلاد ثورة ثقافية، لكن عندما سرقت الثورة الشعبية سرقوا معها هذه الثورة الثقافية، هم يحاولون فرض ثقافتهم القديمة مرة أخرى من خلال أجهزتهم يحاولون إقصاء هذا النوع من الغناء والشعر والثقافة ونفيه إلى صفحات التواصل الإجتماعى وتصدير فكر قديم وغناء قديم كفكر وأغانى أكتوبر القديمة «تسلم الأيادى «وما شابه هناك عناصر ثورة ثقافية جديدة ولدت فى ميدان التحرير وأظنها لن تنهزم وستجد طريقها لثقافة جديدة تعتمد العقل معيارًا.
أما عن إنتاجه الشعرى بعد الثورة فقال: «لم أشارك فى أى أعمال درامية باستثناء الأشعار التى شاركت بها فى ميدان التحرير والمناسبات الثقافية المختلفة ثم انطلقت كل الجهود للجنة دباجة الدستور من بعد انطلاق الثورة كتبت أغنيات فيلم وأكتب أغنيات فيلم آخر ولى مشروعات خاصة بى فى الكتابة أواصل العمل فيها».
وتبقى قصيدة «سقط القناع» التى كتبها فى أعقاب محمد محمود بعد استشهاد الشيخ رفعت هى الأقرب إلى قلبه، وتلاها بقصيدة أثناء الإعادة بين مرسى وشفيق، ثم قصيدة بعد أن تأسست جمهورية مرسى بعنوان «آن الآوان».
وعن بذاءة الألفاظ المستخدمة من بعض الشباب الثائر فنعتهم الكبار بــ«قلة الأدب» قال حجاب: «مايمارس ضد الشباب هو أكثر بذاءة وقلة أدب» الإخفاء القصرى قلة أدب، «الاعتقال والتعذيب فى السجون قلة أدب»، «قلة الأدب» الشائعة التى تزعج السلطات وتطالب بمبادرات أخلاقية لتصليحها هى «قلة أدب» المقهورون جيل مستمر قهره، لكن القاهرين والمستغلين ممن يمارسون ضد الشعب المصرى كله الإرهاب والقهر والاستغلال مطلقين علينا فى كل المنابر الإعلامية وكل الأجهزة الحكومية ولايوجد من يرفع صوته ضدهم ويقول «ده قلة أدب».

ديباجة الدستور
ربما لم تسعف الظروف حجاب للتواجد المستمر فى ساحة الميدان ولكنه وقف فى ميدان آخر يحارب فيه حتى آخر نفس وهو ديباجة الدستور المصرى بعد ثورة 25 يناير وعن هذه الفترة قال: شرفت بأن أكون عضوًا فى لجنة الحقوق والحريات وهى لها عدة أهداف أحد أهدافنا كان التأكيد على احترام المرأة فاخترنا د. هدى الصدى كرسالة للمجتمع، ثانيًا انتماؤنا للشباب لذلك كان المقرر المساعد الصحفى عمرو صلاح وعلى الرغم من أن اللجنة كانت تضم قامات كبرى ونحن نقرأ مقدمة الدستور المقترح شعرنا أن هذه الديباجة لا تليق بدستور مصر بعد ثورتين فقالت د.هدى معانا الشاعر سيد حجاب وقلت أنا «ومعنا الكاتب الكبير محمد سلماوى وحجاج أزول»، وعلم السيد عمرو موسى وربما لم يوافق هواه هذا الاختيار فقرر تشكيل لجنة أخرى برئاسة د.عبدالجليل مصطفى وبمشاركتى أنا وأستاذ سلماوى والأستاذة منى ذوالفقار ود.صلاح فضل ود.محمود الربيعى هذه اللجنة تولت التشاور مع أستاذ سلماوى لكتابة مقدمة، وتولى د.صلاح فضل ود. محمود ربيع كتابة مقدمة ثالثة فى النهاية قدم السيد عمرو موسى المقدمة التى كتبها د. صلاح فضل إلى لجنة الخمسين،كنت أنا قد سربت للشباب ما كتبته فى المقدمة فالشباب ثاروا وقالوا ماوصل إلينا مقدمة أخرى أفضل وكانوا الأغلبية فاعتمدت المقدمة الدباجة التى كتبتها مع مناقشتها أو تنقيحها بالإضافة أو الحذف.

أغانى الأطفال
سوسة، ويلا بينا، وجدو على، يا صحابى وصحباتى، 85% من الأغانى التى يرددها الأطفال من الثمانينيات وحتى الآن هى لسيد حجاب فعلى حد قوله كانت هى مصدر رزقه الوحيد إلى جانب الكتابة لمجلات سمير وميكى منذ عام 1964 وحتى عام 1966، وكل همه وشغله الشاغل قراءة الدراسات النفسية والتربوية المتعلقة بالأطفال ولاحظ وقتها اعتمادنا على دراسات أجنبية لمعرفة أطفالنا وكان يهتم باستطلاع آراء الأطفال أنفسهم فى إطار عائلته للتعرف على اهتماماتهم بشكل حسى وعن قرب ولمعرفة طريقة تفكيرهم.. وماذا يجب أن يقال وكيف يقال فلكل فئة عمرية فقال حجاب عن هذه الفترة «أظن كتبت للأطفال فى ضوء هذه المعرفة والمحبة ولاقت قبول أغانى عفاف راضى وصفاء أبو السعود وعبدالمنعم مدبولى، فخلال حياتى جذبنى مجالات الدراما لأنها تجسيد للحياة بشكل أو بآخر وأنا مهموم بالحياة ومجال الأطفال لأنهم المستقبل وأنا مهموم بالمستقبل، لكن هناك تراجعًا بشكل عام لما كان يسمى بالقوى الناعمة المصرية التى كانت تدعم كل مايقدم للطفل وتهتم به، فضلًا عن الهجمة الشرسة التى تعرض لها العقل المصرى منذ فترة طويلة منذ عصر السادات وماتلاه إلى نوع من المنصات تطلق صواريخ مضادة للعقل تمثلت فى سرقة تراث مصر السينمائى والسيطرة على الإنتاج الدرامى التليفزيونى لعدد من الدول العربية، حتى إنه لفترة طويلة كان عندنا رقيب سعودى يراقب النصوص الدرامية ويحذف كلمة «لا يا شيخ» و«النبى» لأنه لايصح القسم بغير الله وتصل إلى تغيير أسماء المخرجين «محمد عبد النبى» محمد ابن عبد رب النبى.. حصل تسلل وهابى شيئًا فشيئًا للمزاج المصرى ووصل الأمر لوجود زعيم الاحتقار للغناء العربى اللى قال «هنسى الشعب العربى الغناء المصرى». وهو مايحدث الآن هجمة شرسة على العقل والذوق المصرى أسفرت فى النهاية عن موجات الفاشية الدينية التى حكمتنا فى آخر الأمر.
رأى حجاب أن الحركة التنويرية وحدها هى التى تستطيع مواجهة الحركة التكفيرية.. وأن بعض مقررات المعاهد الأزهرية تدرس الفكر الوهابى وأن الإرهاب التكفيرى له أذرع خفية متسللة إلى مؤسساتنا الدينية ومعاهدنا الأزهرية، لمحاربة الإرهاب مطلوب بجانب التصدى بالسلاح ألا تكون هناك بيئة حاضنة لهم من ناحية وألا يكون هناك ظهير فكرى فى مجتمعنا الكفيل بمواجهته الاتجاه التنويرى الذى يعتمد العقل لا الخرافة، البيئة الحاضنة كى لاتنشئ ينبغى أن نقضى على المظالم الاجتماعية التى تدعم بيئة الإرهاب.. من أجل القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه بدون هذا يكون لدينا بالداخل طابور خامس يعمل لحساب الإرهاب .

ازدراء الأديان
أما تلك التهمة المعدة سلفًا لكل من يخالف الفكر السائد بازدراء الأديان فقد كان يرى حجاب بأنها «تهمة سخيفة نتاج عقل سخيف متخلف هذا القانون الذى ابتكروها فى زمن شهد موجة إضطهاد للمسيحيين للتطبيق على أعداء النصرانية لم يطبق على واحد من الكثيرين الذين ازدروا الديانة المسيحية، لم يطبق إلا على من اعمل عقله لمناقشة علوم السلف التى تحمل الكثير من الضلالات لم يطبق على إسلام البحيرى الذى طالب بتحكيم العقل فى علوم النقل لم يطبق على فاطمة ناعوت التى عبرت عن شفقة إنسانية إزاء ضحايا عيد الأضحى ولم يكن رأيها وإنما رأى المجتمعات الأخرى لم يطبق إلا على أحمد ناجى، القانون معاد للدستور الذى منع قوانين الحسبة ويتيح للنيابة فقط حق إقامة العوة على من يخطئ، يخالف الدستور الذى يمنع الحبس فى قضايا النشر وكل هذه قضايا نشر، هذه الأحكام ليست تعبيرا عن مصر الثورة مصر الغد هى تعبير عن رؤية سيد قطب تعبير عن أكثر المواقف تخلفًا وتشبثًا بالمواقف، الكلام يرد عليه بالكلام لا يرد عليه بالحبس.

الوصية

ولما أموت.. لومت ع اسرير ابقوا احرقوا الجسد
ونطوروا رمادى ع البيوت
وشوية لبيوت البلد
وشوية ترموهم على تانيس
وشوية حطوهم فى إيد ولد
ولد أكون بسته ولا أعرفوش
ولو أموت - قتيل - وأنا من فتحة الهويس بافوت
ابقوا اعملوا من الدم حنة
وحنوا بيها كفوف العريس
وهلال على مدنة
ونقرشوا بدمى
- على حيطان بيت نوبى تحت النيل -
اسمى .