الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هطالب بحق ابنى زى «هدير مكاوى»

هطالب بحق ابنى زى «هدير مكاوى»
هطالب بحق ابنى زى «هدير مكاوى»




د. دينا أنور  تكتب:

اختلف أو اتفق كما تريد مع قضية هدير مكاوى وصغيرها، لكن لا توهم ذاتك بأن هدير حالة شاذة وتلميعها فيه خطورة على فتيات المجتمع اللواتى يحملن لواء الشرف والعفة، فالحقيقة أن هناك آلافا من السيدات كهدير يحاربن فى قضايا إثبات نسب صغارهن أمام محاكم الأسرة، الحقيقة أن هناك آلافا من الفتيات انتحرن أو قتلن بسبب قضايا الشرف والزواج العرفى والسري، والحقيقة أن هناك آلافا من الفتيات تعرضن للغدر فى قصص حب فاشلة، وتورطن فى علاقات جنسية تحت مسمى الحب والزواج العرفى هربا من جحيم أسرى أو مجتمعى أو لقلة الخبرة أو بحثا عن الاستقرار العاطفى والدعم المعنوي، ولم يفقن على الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، وهو ما ترويه بطلتى اليوم فى قصتها.
تقول بطلتي: أنا يا دكتورة فتاة من أعماق الصعيد، نشأت بين أبوين يفضلان إخوتى الذكور على فى كل شيء، ويسخروننى لخدمتهم، طرق العرسان بابى فى سن صغيرة، وأجبرنى أهلى على ترك تعليمى فى المرحلة الثانوية للزواج من ابن عمى الذى لا أطيق رؤيته ويكبرنى بضعف سنوات عمري.
حاولت بكل ما أوتيت من قوة ألا أتمم هذا الزواج دون جدوى، بكيت وصرخت وادعيت الجنون وحاولت الانتحار ولم أفلح، كانوا يحضرون لى شيخا اعتقادا منهم أننى مسحورة، وعندما فقدت الأمل فى إقناعهم رتبت مع إحدى صديقاتى الهروب للقاهرة، وفى يوم زفافى طلبت مقابلة المأذون وصرحت أمام الجميع أننى مرغمة على هذا الزواج، فحدث هرج ومرج كبير فى القاعة وامتنع المأذون عن كتب الكتاب واستغللت الفرصة وهرولت إلى المحطة وبدأت رحلتى إلى المجهول.
عندما وصلت القاهرة استضافتنى صديقتى لبضعة أسابيع كنت أبحث فيها يوميا عن عمل، إلى أن وجدت عملا كسكرتيرة لدى أحد أصحاب الشركات الخاصة، ولحسن حظى واجتهادى وتعاطفه مع ظروفى وضع ثقته الكاملة معي، وأصبح يعطينى عمولات جيدة جعلتنى أكون مدخرات لا بأس بها فى عمرى الصغير، فى هذا الوقت تعرفت على شاب عن طريق العمل، أحببته حبا جنونيا ووجدت معه عطفا وحنانا لم أحصل على مثله من أهلى وإخوتي، تعلقت به بشكل مرضى وأصبحت لا أرى غيره ولا أستطيع إكمال يومى بدون سماع صوته أو رؤيته.
عرفنى على أهله وأصبحت أزورهم وأود والدته وأصبحت أخته صديقتي، زاد تعلقى به وبأسرته وأحسست أنهم عوضونى عن قساوة أهلي، فى هذا الوقت شعرنا برغبة كبيرة فى الزواج والعيش تحت سقف واحد، ولكن ظروفه المادية هو وأسرته كانت معسرة بسبب عدم تحصيلهم لشيكات أموال لوالده المتوفى من أحد أقاربهم، وكان يعانى مع المحامى ليحصل له قيمة تلك الشيكات، ولأننى كنت أحبه بجنون عرضت عليه أن أشترى شيكات والده وأحصلها بدلا منه عن طريق المستشار القانونى للشركة التى أعمل فيها والذى كان من كبار محامى البلد، وافق فورا وعرض على أن نتزوج عرفيا إلى أن يستطيع تسوية أوضاعه وتنمية مشروعه لكى يأخذنى من يدى ويذهب معى إلى أهلى وأنا زوجته بعقد شرعي.
وثقت فيه لأننى حقا كنت أراه شابا رائعا ورجلا بمعنى الكلمة، كنت متعلقة جدا بوجوده فى حياتى ولا أتصورها بدونه، تزوجنا عرفيا وشهد على زواجنا اثنان من أصدقائه فى حضور أسرته، وانتقل للعيش معى فى شقتى التى كنت أستأجرها بجوار عملي، وبدأ فى الظهور على حقيقته سريعا.
أصبح يأخذ أموالى دون إبلاغي، ويبيع محتويات شقتى التى كونتها بكفاحى دون استشارتى بحجة مشروعه، أصبح يستغلنى ويتركنى بالأيام ليقيم مع والدته بحجة مرضها ولا يأتى إلا لممارسة الجنس، تحملت كل هذا لأنه كان دائما يقول لى أنه يحبنى كما أحبه وأكثر، إلى أن حملت فى طفلى الأول وأجبرنى على الإجهاض بحجة الفضيحة أمام أهلى ولأن ظروفه لا تسمح بزواجنا الشرعى بعد، خرجت فى حالة نفسية سيئة وبدأت فى تعاطى المهدئات ومضادات الاكتئاب وهو مستمر فى الضغط علي، حملت للمرة الثانية بعد عام ونصف العام، وهذه المرة قررت أن أحتفظ بالجنين وأواجه الدنيا لأننى لم أرد أن أكرر مأساتي، وعندما أخبرته جن جنونه وهددنى بالطلاق، وعندما صممت على موقفى اعتدى على بالضرب والركلات حتى يجهضنى لولا صراخى وقدوم الجيران و طردى له من منزلي، هاتفت والدته وأخبرتها وحاولت أن تثنيه عن قراره ولكنه لم يرضخ، كذلك شقيقته وقفت فى صفى ودعمتنى ولكن عناده لم يستطع أحد أن يوقفه.
إلى أن عدت إلى منزلى ذات يوم ووجدته سرق أوراق قضية الشيكات التى اشتريتها منه وعقد زواجنا العرفى والكثير من الأوراق الخاصة بعملى وميراثى من والدي، وبدأ فى مقايضتى على إجهاض الجنين مقابل إعادته للأوراق، انهرت وحدثت والدته وشقيقته وصديقيه اللذين شهدا على زواجنا ليتدخلوا ولكنه رفض، وهددنى بإنكار نسب طفلى وإنكار زواجنا من الأساس وإرساله لصورنا معا إلى أهلى ليقتلونى بتهمة الشرف.
توسلت إليه كثيرا حتى يعترف بالطفل فقط حتى لا يحرمنى من الأمومة، خاصة أننى من المحتمل ألا أنجب أبدا إذا أجهضت مرة ثانية، وأن يعطينى ورقة زواجنا ويطلقنى أمام المحامى حتى أحفظ ماء وجهى وابنى أمام أهلى وجيرانى وزملائي، ووعدته أن أكتب له تنازلا عن كل مستحقاتى والتزاماته تجاه الصغير، ولكنه أبى واستكبر.
استفزت حقارته صديقه الذى شهد على حبنا وزواجنا، و عرض على أن يتزوجنى هو رسميا حتى يقوى موقفى أمام أهلى فى إثبات نسب طفلى ولكننى لم أكن أعلم ما موقفى الآن، هل أنا فى حكم المتزوجة أم فى حكم المطلقة.
والآن أنا فى شهرى السادس وأنتظر وضع صغيرى لأبدأ رحلة إثبات نسبه لأبيه الذى تخلى عنه قبل أن يولد، وفرحت جدا بتفجير قضية هدير مكاوى التى لفتت الرأى العام قليلا لما تعانيه الفتيات فى هذا المجتمع الظالم.
انتهت القصة، ومثلها آلاف القصص، ولهم جميعا نتائج وخيمة وعواقب سلبية، لا مجال للتنظير والشعارات الجوفاء وترديد مقولة «أحلى من الشرف مفيش»، هؤلاء الفتيات هن ضحايا فى المقام الأول ومخطئات فى حق أنفسهن قبل كل شيء لقلة الخبرة وتقصير الأسرة وقسوة المجتمع، لا ينبغى أن نضعهن على المقصلة ونصدر ضدهن أحكام الإعدام والشنق لأننا فى مجتمع يختزل شرف الفتاة فى قطعة جلد بين ساقيها، هؤلاء الفتيات يستحققن الرحمة والشفقة والدعم والتوجيه السليم لتقليل الخسائر، وليس للدعوة لتكرار التجربة، من لا يَرحم لا يُرحم، وكما تدين تدان، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمهن بحجر!