الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جلسة مناضل..ولعنة مريم المجدلية فى شغل عفاريت

جلسة مناضل..ولعنة مريم المجدلية فى شغل عفاريت
جلسة مناضل..ولعنة مريم المجدلية فى شغل عفاريت




كتبت_هند سلامة


فى قاعة صغيرة وعلى أضواء أنوار خافتة تٌوهيئك نفسيا لما أنت مقبل عليه من أحداث عرض «الجلسة» أو «شغل عفاريت» كما أحب أن يطلق عليه صاحبه مخرج ومؤلف النص مناضل عنتر، وإن كان العنوان الأول أشد عمقا وتشويقا من العنوان الثانى الذى قد يوحى بأنك على موعد مع مشاهدة عرض كوميدى وليس عملا مسرحيا جادا يحمل قدرا كبيرا من الرعب والتشويق، فما الذى كنت على موعد معه وكيف هيأك مصمم الديكور والإضاءة عمرو الأشرف لمعايشة حالة «الجلسة» قبل انعقادها، كما ذكرنا دخل الجمهور القاعة على مصابيح إضاءة خافتة ثم أحاط القاعة يمينا ويسارا بأوراق حائط تشبه الستائر فى شفافيتها كتبت عليها تعاويذ مختلفة بأحرف مقلوبة ثم يخرج مجموعة من الممثلين بملابس الشيخ والقس وأشكال الشياطين تصميم مروة عودة ومكياج إسلام عباس من فتحة عمق المستوى الثانى للمسرح الذى تم تصميمه بقاعة العرض فى مشهد حركى جماعى كى يخبرونك جميعا بأنك على موعد مع مشاهدة عمل غير تقليدى بقاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة.
يتناول عرض الجلسة قصة فتاة أصيبت بلعنة مريم المجدلية التى جاء ذكرها بالكتاب المقدس «الإنجيل» وبين شيخ وقس وإبليس وأعوانه تدور أحداث الصراع المسرحى بعد أن يحاول القس والشيخ محاولات فاشلة لإنقاذ هذه الفتاة التى أصيبت بمس شيطانى لكن دون جدوى فالشيطان أو الجن الذى يتحدث على لسانها أغلب الوقت، يدفعها إلى قتل نفسها للخلاص منها نهائيا حتى لا تنتصر العقائد السماوية على سحره، فبإصرار شديد لم يشأ هذا الشيطان التخلى عن ترك الفتاة أو منح الفرصة لمحاولة إنقاذها ويجند كل جيوشه ضد الشيخ والقس كى يحتفظ بها، فربما عشقها..!! حتى هذه اللحظة لم يفصح المؤلف عن الأسباب الحقيقية وراء إصرار هذا الشيطان على الاحتفاظ بهذه الفتاة على وجه التحديد، مما أوقع العمل فى فخ الغموض الشديد، ثم شابه عيبا رئيسيا يمس «عظم» المسرحية من الداخل وهو تجاهل تفسير لعنة «مريم المجدلية»، فما هى لعنة المجدلية؟! لم يجب النص عن هذا السؤال، وكأن المؤلف افترض فى الحاضرين قراءة الإنجيل، ومعرفة القصة التى ارتبطت فى أذهان الجميع بأنها كانت مجرد إمرأة ارتكبت خطيئة الزنا فحماها السيد المسيح من ازدراء المجتمع وعقابه قائلا: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر» هذه هى القصة الشائعة، أما القصة الحقيقية أو اللعنة التى أصابت المجدلية كما أراد أن يقدمها مناضل فى «الجلسة» هى إصابتها بحسب ما جاء بالإنجيل بمس شيطانى فيقول عنها إنجيل مرقص.. «كانت قد ابتليت بسبعة شياطين أخرجهم منها المسيح فتبعته»، كما أن لهذه السيدة حكاية طويلة مع السيد المسيح بعد اتباعه فقيل عنها أنها أول من بشر بقيامته بعد مكوثها على قبره ثلاثة أيام كاملة تبكى حزنا على اختفاء جثته..!! لم يشر النص المسرحى من قريب أو بعيد لهذه التفاصيل الدقيقة والتى بنى على أساسها فكرة العرض، فكيف فات المؤلف إيضاح هذا الجانب شديد الأهمية الذى من المفترض أن تنطلق الأحداث من خلاله، فهو استعان بلعنة المجدلية كمرجعية أو كأساس تاريخى لإصابة هذه الفتاة، فكان من الأولى إيضاح هذا الجانب الغامض من حياة هذه السيدة ولماذا اعتبرتها المسيحية رمزا من رموز القديسين، خاصة وجاء ظهورها فى العرض بالفعل كمبشرة أو كسيدة طاهرة حاولت دفع إغواء الشيطان عنها بكل الطرق، فلماذا لم يتم تفسير هذه الأمور التى ربما اختلطت على الحاضرين، بجانب ذلك لم يفصح العمل عن التفاصيل الكاملة أو الخلفية التاريخية للفتاة التى نسبت لنسل المجدلية وانفرد بها الشيطان دونا عن  غيرها، فكيف اتصلت بهذا العالم، وما هو تكوينها النفسى والإنسانى الذى أدى بها لهذا المصير، وهل من الممكن التعاطف معها أو العكس، وهل هى إشارة لكل الفتيات الذين تعرضوا لنفس الظروف أم كانت لها جذور عائلية تربطها فعليا بالمجدلية..؟!! كل هذه الأسئلة لم يجب عنها العمل، ولم يشبع فضول الجمهور فى معرفة المزيد عن علاقتها بالشيخ أو القس وما دوافعهم تجاه إنقاذها من هذا المصير وهل هما مؤمنان حقا بهذا العالم، وما هو اليقين الذى يحرك إيمانهم به؟!!  
للأسف بالرغم من أن مناضل تطرق إلى موضوع شديد الجرأة والجدل والأهمية، إلا أن المعالجة الدرامية جاءت أقل من جرأة طرحه التى بدا عليها، فعالج قضية المس الشيطانى بشكل عام ومر عليها مرور الكرام مستشهدا بمجموعة من المقتطفات التى تخص هذه القضية بدءا من علاقة سيدنا آدم بإبليس ورفضه السجود له ثم علاقة الجن بسيدنا سليمان، ثم الحقيقة الإيمانية للشيطان وتوحيده فيما يخص العقيدتين الإسلام والمسيحية، دون فحص وتدقيق أو حتى نقد لهذا الجانب الذى مازال يثير جدلا واسعا بالمجتمع، فكانت رسالة العمل مشتتة بين عرض القضية ونقدها، وكأن الكاتب احتفظ بكل التفاصيل والمعلومات وبخل بها على الجمهور ولم يعرض منها سوى القشور، وبالتالى جاءت الكتابة منقوصة ومبتورة، وظل المشاهد يبحث دائما عن حلقة مفقودة..!
لكن تجاوزا لعيوب النص المسرحى قدم المخرج والممثلون عملا جيدا على مستوى التمثيل والتعبير الحركى الذى صممه أحد أهم أعضاء فريق الرقص الحديث عمرو البطريق، حيث حرص البطريق على تصميم تكوينات حركية شديدة العمق والأهمية خاصة فيما يتعلق بحركة الشياطين على المسرح وطريقة حومهم وصراعهم حول الفتاة الضحية، ثم تمازج حركتهم معا فى علاقتهم ببعضهم البعض باتخاذ أوضاع غير طبيعية فى التكوين الجسمانى وإلقاء الكلام، والتى ناسبت هيئة وطبيعة تكوين الجن أو الإطار الشكلى للشيطان الذى قد يظهر عليه للإنسان فى صورة معينة ثم يخفت ويختفى ظهوره بشكل مفاجئ، لذلك تفوق البطريق فى هذا التصميم الحركى الجيد والمتين، فبرغم أنه تحمل عبء ومسئولية تصميم حركى لعرض درامى للمرة الأولى، إلا أنه كان على قدر المسئولية فى تقديم عمله بمهارة شديدة واحتراف، ساعده فى ذلك جودة استيعاب الممثلين وتنفيذهم للحركة على المسرح بأداء جيد للغاية خاصة وجميعهم ممثلون فقط، فهم لا يمارسون الرقص أو التعبير الحركى بشكل احترافي، وبالتالى يحسب لهم مهارة الأداء المميز بشكل مضاعف لأنهم جميعا ودون استثناء جمعوا بين جودة الأداء الحركى والتمثيلى فى نفس الوقت، ولم يخذل أحدهم طموح المخرج ومصمم الرقص، فكل كان ميسرا لما اختير له، بدءا من طه خليفة فى دور إبليس ثم إيمان غنيم فى دور الفتاة المغلوبة على أمرها وميدو عبد القادر فى دور القس وكذلك فهد إبراهيم فى دور الشيخ والشياطين حسن نوح، مصطفى عبد الهادي، مارينا مجدي، أحمد عادل، كريم فراج، محمد علي، كريم نوار، وإيناس عزت فى درو مريم المجدلية.
جدير بالذكر أن هذا العمل يعتبر تجربة التأليف المسرحى الأولى للمخرج ومصمم الرقص مناضل عنتر مدير فريق الرقص الحديث بدار الأوبرا والذى سبق وأن قدم مع فريقه عددا كبيرا من الأعمال الناجحة على مستوى التصميم الحركى والرقص المعاصر على رأسهم كان عرض رواية «الفيل الأزرق» للكاتب أحمد مراد، «مولانا» للكاتب إبراهيم عيسى، «حلم البصاصين»، «عشم إبليس»، «أعمق مما يبدو على السطح»، «غير المتوقع يحدث أحيانا»، ويستعد قريبا لعرض «جنة الحشاشين» على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا.