الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

خلاف فقهى حول الطلاق الشفهى

خلاف فقهى حول الطلاق الشفهى
خلاف فقهى حول الطلاق الشفهى




كتب - عمر حسن

أثارت  قضية إلغاء الطلاق الشفهى  جدلا واسعا  بعد إعلان أستاذ الفقه المقارن، الدكتور سعد الدين هلالي، عن انتهائه من إعداد دراسة شاملة عن قضية الطلاق الشفهى، وضع فيها كل الأسانيد والأدلة الفقهية التى يستند لها رأيه، والذى يقضى بعدم وقوع الطلاق إلا عن طريق استخراج وثيقة من عند المأذون الشرعى.

 

وعلّل الهلالى رأيه بقوله إن الزوجين قد استدعيا مندوب الدولة باختيارهما، وتوجهت إرادتهما إلى توثيق العصمة رسميًا بما يجعلهما على بينة من أمرهما، وأن الزوجة فى ظل هذا التوثيق لا تملك فى القضاء الشرعى أمر نفسها ولا تبدأ عدة الطلاق إلا من يوم تحرير طلاقها رسميًا، كما أن الزوج لا يملك فى القضاء الشرعى الزواج بخامسة وعلى ذمته رسميًا أربع نسوة حتى ولو زعم طلاقهن شفهيًا، وكأن الزوج بتوثيقه لعقد زواجه رسميًا قد اشترط على نفسه ألا يحدث طلاق شرعى إلا بالتوثيق الرسمى ما يجعل طلاقه الشفهى لغوًا.
وكان لابد من مناقشة الوضع الشرعى لقضية الطلاق الشفهى مع إعلان  الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى خطابه الأخير باحتفالية عيد الشرطة، بأننا فى حاجة إلى قانون يمنع الطلاق الشفهى، خاصة بعد زيادة نسبة الطلاق إلى 40%، وفق تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وقال موجهًا حديثه لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: «هل نحن يا فضيلة الإمام بحاجة إلى قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفهى، لكى يكون أمام المأذون، حتى نعطى للناس فرصة تراجع نفسها، ونحمى الأمة بدل تحولها لأطفال فى الشوارع بسلوكيات غير منضبطة».
عاصفة من الجدل أثارها موضوع الطلاق الشفهى بين أوساط العلماء الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض للقانون، فى انتظار القول الفصل لمؤسسة الأزهر الشريف.
من جانبها قالت الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الأصل فى الطلاق الحظر وليس الإباحة، فهو علاج للأسرة التى فشلت فى حل مشاكلها، واستنفذت حلول الإصلاح بين الزوجين، وفى هذه الحالة يكون الطلاق حفاظًا لمصلحة المرأة، وصونًا لإنسانيتها، وحماية للأبناء من التشرد، لأن الشريعة الإسلامية تقوم على المصلحة للعباد.
وتابعت صالح قائلة: «بكل أسف هذا التشريع الرحيم انقلب إلى نقمة ومحاولة للانتقام والتهديد والوعيد من جانب الزوج تجاه زوجته، لذا أصبحت كلمة الطلاق سهلة على لسان الزوج»، مضيفة: «جعل الله الطلاق صحيحًا حينما يتلفظ الزوج بهذه الكلمة بشكل صريح وفى ضوابط معينة، لكن سوء استخدام الكلمة من جانب كثير من الأزواج يجعلهم ينكرون وقوع الطلاق شفهيًا أمام المأذون، خاصة فى حالة عدم وجود شهود».
واستطردت: «لتلك الأسباب وجب أن يكون الطلاق موثقًا عند المأذون، حتى لا تكون الزوجة معلقة بلفظ قد ينكر الزوج قوله أحيانًا أو لا يتذكر أنه قاله من الأساس فى ساعة غضب»، موضحة أن الله –عز وجل – أكد ضرورة ذلك التوثيق فى سورة «الطلاق» بقوله: «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا».
وعلّلت تأييدها لرأى الدكتور سعد الدين الهلالى قائلة: «نعم أجمع الفقهاء على عدم اشتراط وقوع الطلاق موثقًا، وأنه يقع بمجرد صدور اللفظ عن الزوج، لكن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، فلا يجب أن نربط  كل شيء بعهد الرسول، وهذا ليس إنكارًا أبدًا للسنّة، ولكن عهد الرسول كان مأمونًا»، متابعة: «بعض المطلقات يذهبن لاستصدار فتوى من دول الخليج بأن الطلاق البدعى لا يقع، كأن يقول الزوج أنت طالق بالثلاثة».
وتساءلت الدكتورة سعاد: «لماذا نعتبر أقوال الصحابة من 14 قرنًا سيفًا مسلطًا على رقابنا؟»، لتقولها صريحة: «الطلاق الشفهى لا يقع.. والتوثيق هنا سيكون للطلقة الأولى والثانية والثالثة، وكذلك يجب أن يردها الزوج إذا أراد فى فترة العدّة بوثيقه»، مختتمة: «نحن نعاقب الأزواج المستهترين الذين يذلون زوجاتهم بلفظ الطلاق.. إذا أردت الطلاق اذهب للمأذون وطلق إذا كنت جادًا فى نية الطلاق».
على الصعيد الآخر عارض أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور أحمد كريمة، مشروع قانون إلغاء الطلاق الشفهى قائلًا: «الطلاق القولى يقع لأن أى عقد من العقود فى الشريعة الاسلامية يتضمن صيغة والصيغة هنا القولية، فاللسان يعبر عما فى الوجدان».
وتابع كريمة موضحًا: «الطلاق الكتابى يُلجأ إليه فى حالة الأخرس أو العاجز عن القول»، مضيفًا أن المأذون لا يستخرج وثيقة الطلاق إلا بعد أن يتلفظ الزوج باللفظ الصريح الواضح لزوجته أمامه بقوله «أنتِ طالق ما يعنى أن الأصل فى الطلاق القول وليس الكتابة».
وشدّد أستاذ الشريعة الإسلامية على أن الله - عز وجل - أمرنا بتوثيق الديون فى المعاملات الشخصية، ولو كان راغبًا فى توثيق الطلاق لأخبرنا بذلك فى قرآنه الكريم.
وأكد كريمة ضرورة التفريق بين أن يحلف الزوج بالطلاق بقوله لزوجته «عليا الطلاق»، وبين اللفظ الصريح الواضح فى الطلاق، كأن يقول لها وهو فى كامل قواه العقلية والنفسية «أنتِ طالق»، فالأول لا يقع بفتوى الإمام على بن أبى طالب، والإمام أبى حنيفة، وآخرين، وهنا عليه أن يكفّر كفّارة يمين.
وأشار أستاذ الفقه المقارن إلى أن الطلاق الشفهى أرحم من الطلاق الكتابى موضحًا: «حينما يذهب الزوج إلى دار الإفتاء بعد التلفظ بالطلاق، يبحث له المفتى عن مخرج شرعي، لكن إذا وثّق الطلاق كتابة لن يستطيع مراجعة الطلاق بعد ذلك»، مختتمًا: «مع احترامى لمهنة المأذون الشرعي.. ليسوا جميعًا مؤهلين للعمل بالشهادة الشرعية فمنهم من حاصل على دبلوم صنايع ومنهم من كان أمين شرطة».
فى سياق متصل أوضح مستشار وزير الأوقاف، الشيخ صبرى عبادة، أن الزواج فى الأصل علاقة قبول بين الزوجين، وما اُستحدث من إجراءات الإثبات عن طريق المأذون كان بسبب خراب الذمم، أو فى حالة أن يموت الشاهدين، وينكر أحد الأزواج علاقته بالآخر، مثلما حدث فى قضايا الكثير من الفنانين، على حد قوله.
وتابع عبادة: «هذا القانون سيكون بداية الزواج المدنى وخلط الأنساب، كما أن كل من دعوا إليه أمثال الدكتور الهلالى وخالد الجندى سبقوا وأن قالوا عن الزواج العرفى حلال بدون وثيقة، فكيف ناقضوا أنفسهم بعد ذلك وطالبوا أن يكون الطلاق موثقًا واعتبروا أن الزواج بمأذون أمر مستحدث لا يمت للشرع؟».
وأردف مستشار وزير الأوقاف أن أساس الزواج هو القبول بين الرجل والمرأة، وكذلك أساس الطلاق الاتفاق بينهما، قائلًا: «لو اتفق زوج وزوجته على الطلاق اليوم فى منزلهما، والاثنان عازما النية على ذلك يقع الطلاق حتى لو لم يوثق عند المأذون لأنه أمر إجرائى وليس شرعيًا»، متسائلًا: «هل العلاقة بين الزوج وزوجته بورقة مأذون أم بميثاق الشرع الذى أقرّه الله فى كتابه؟».
ورفض تمرير ذلك القانون تحت بند أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان قائلًا: «تتغير الفتوى بتغير الزمان ولكن لا تتغير الثوابت المتفق عليها ولا جدال فيها».
تابع ص8