الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عبدالمتعال الصعيدى: قتل المرتد لم يعد مناسبا لعصرنا .. والاستبداد والاستعمار عطلا التجديد الإسلامى

عبدالمتعال الصعيدى: قتل المرتد لم يعد مناسبا لعصرنا .. والاستبداد والاستعمار عطلا التجديد الإسلامى
عبدالمتعال الصعيدى: قتل المرتد لم يعد مناسبا لعصرنا .. والاستبداد والاستعمار عطلا التجديد الإسلامى




إعداد - محمد شعبان

كذلك اشتبك الشيخ الصعيدى مع دعاة الإسلام السياسى مثل الداعية الإخوانى محمد الغزالى والباكستانى أبوالأعلى المودودى ورأى خلط الدين بالسياسة على طريقة جماعات الإسلام السياسى ضار بالدين وبالسياسة معا كما اعتبر دخول جماعة الإخوان المسلمين ميدان السياسة بعد ثورة 1919 أضر بقيم الوطنية المصرية فضلا عن الإسلام.
على المستوى النظرى يعد كتاب «المجددون فى الإسلام» والذى نشرته مكتبة الآداب فى أكثر من طبعة بعد رحيل الصعيدى-رحل عام 1966م-  هو خلاصة رأيه وتصوره للتجديد الإسلام.
معنى التجديد
فى مقدمة الكتاب يرسم المؤلف الخطوط العريضة للتجديد الإسلامى ويمكن تلخيصها كما يلى:
أولا: يرفض حصر وقصر الإسلام على العبادات فقط لآن الإسلام دين جامع لصلاح الدنيا والآخرة ولو كان الإسلام محصورا فى العبادات فقط ما كان هناك حاجة إلى تجديد فالعبادات كالصلاة والصوم والحج والزكاة تؤدى كما كان يفعل الرسول-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ولا حاجة إلى تجديد وفى هذا السياق يقول الصعيدى: الإسلام ليس دين عبادة فقط وإنما هو نهضة دينية ومدنية معا قصد بها النهوض بالعرب الذى اختير الرسول منهم أولا لينهضوا بسائر البشر ثانيا وقد كان العرب فى ذلك الوقت أمة أمية أقرب إلى الصلاح من غيرها لأن الأمم التى تفسد على جهل أقرب إلى الصلاح من الأمم التى تفسد على علم.
ثانيا: التجديد فى الإسلام مناسب لكل الشعوب والأعراق والجنسيات والقوميات لأنه أتى بشرائع عامة عادلة تصلح ولا تفرق بين شعب وشعب ولا تميز بين أمة وأمة.
ثالثا: تجديد الإسلام يتسع لكل زمان «لأنه إذا كانت غايته النهوض العام بالإنسانية فوسائل هذا النهوض تسير فى طريق الارتقاء ولا تقف عند حد محدود ولا تتعداه وأمرها فى هذا يخالف أمر العبادات لأنها تعتمد على الارتقاء فى العلم والعرفان والإنسان لا يمكن أن يبلغ الكمال فى العلم وإن امتد به الزمان ووصل آخر هذه الحياة كما قال تعالى فى الآية «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» ليفتح باب الارتقاء والتجديد فى العلم على مصراعيه»
شرعية التجديد
على غرار كل من كتب فى التجديد الإسلامى استدل الصعيدى بالحديث النبوى: يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.. كدليل على مشروعية التجديد ثم استعرض بعض الاشكاليات التى يثرها الحديث النبوى منها على سبيل المثال:
أولا: هل تحسب المائة التى يظهر فيها المجدد بداية من المولد النبوى أو من البعثة أو من الهجرة أو من وفاة الرسول الاكرم –صلى الله علين وسلم؟ ويوضح أن كل احتمال من هذه الاحتمالات مقبول.
ثانيا: ما المراد من رأس المائة هل أولها أم آخرها؟ واختار المؤلف أن المقصود هو بعث المجدد كل مائة عام سواء فى أولها أم فى آخرها أم فى وسطها.
ثالثا: هل يكون المجدد واحدا أو أكثر من واحد؟ واختار ما قاله الحافظ بن حجر ان المجدد قد يكون أكثر شخص واحد لأن لفظة «من» تطلق على الواحد وعلى غيره ويعلل ذلك قائلا «اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر فى نوع من أنواع الخير ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها فى شخص واحد»، كما أوضح أن المجدد لا يكون فقيها فقط بل قد يكون محدثا أو واعظا أو حاكما-مثل عمر بن عبدالعزيز- أو من علماء الكلام.
داعى التجديد
ما الداعى إلى التجديد؟ ينقل المؤلف ما قاله رشيد رضا فى هذا السياق:
إنما كان المجددون يبعثون بحسب الحاجة إلى التجديد لما أبلى الناس من لباس الدين، وهدموا من بنيان العدل بين الناس، فكان الإمام عمر بن عبدالعزيز مجددا فى القرن الثانى لما أبلى قومه بنو أمية وأخلقوا، وما مزقوا بالشقاق وفرقوا، وكان الإمام أحمد بن حنبل مجددا فى القرن الثالث لما أخلق بعض بنى العباس من لباس السنة، ورشاد سلف الأمة، باتباع ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وتحكيم الآراء النظرية فى صفات الله وما ورد فى عالم الغيب، بالقياس على ما يتعارض فى عالم الشهادة، وكان الشيخ أبوالحسن الأشعرى مجددا فى القرن الرابع بهذا المعنى، وحجة الإسلام أبوحامد الغزالى مجددا فى أواخر القرن الخامس وأول السادس لما شبرقت نزغات الفلاسفة وزندقة الباطنية، والإمام أبومحمد على بن حزم الظاهرى فى القرن السادس لما سحقت الآراء من فقه النصوص الشرعية، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم مجددين فى آخر القرن السابع وأول الثامن لجميع ما مزقت البدع الفلسفية والكلامية والتصوفية والإلحادية، من حلل الكتاب والسنة السنية، فى جميع العلوم والأعمال الدينية، وحسبنا هؤلاء الأمثال فى التجديد الدينى العام.
وظهر مجددون آخرون فى كل قرن، كان تجديدهم خاصا انحصر فى قطر أو شعب، أو موضع كبير أو صغير، كأبى إسحاق الشاطبى صاحب الموافقات والاعتصام فى الأندلس، وولى الله الدهلوى والسيد محمد صديق خان فى الهند، والمولى محمد بن بير على البركوى فى الترك، والشيخ محمد عبدالوهاب فى نجد، والمقبلى والشوكانى وابن الوزير فى اليمن.
وهنالك مجددون آخرون للجهاد الحربى بالدفاع عن الإسلام، أو تجديد ملكه وفتح البلاد له، وإقامة أركان العمران فيه، وهم كثيرون فى الشرق والغرب والوسط، ورجاله معروفون، كبعض خلفاء العباسيين والأمويين، ومنهم من جمع.
بين أنواع من التجديد كالسلطان صلاح الدين الأيوبى الذى كسر جيوش الصليبيين من شعوب الإفرنج المتحدة، وأجلاهم عن البلاد الإسلامية المقدسة وغيرها، وأزال دولة ملاحدة العبيديين الباطنية من البلاد المصرية، وكذلك فتح الترك لكثير من ممالك أوروبية، عرف فيها مجد الإسلام».
إذن التجديد ليس وقفا على ميدان دون ميدان بل إذا حدث خلل فى مجال بعينه-سياسة أو فقه أو عقيدة أو عمران- يكون مصحح هذا الاتجاه مجددا.
ضد التعصب
من النقاط البارزة التى توقف عندها المؤلف وهى رفضه للتعصب المذهبى عند الحديث عن المجددين، حيث رفض بعض علماء السنة اعتبار أى عالم شيعى من المجددين لأن شرط المجدد عندهم هو نصرة السنة وإماتة البدعة والشيعى عندهم مبتدع فيقول عن هذا التوجه: وهذا عندى غلو فى التعصب وقد ذكرت فيما سبق أساس التجديد فمن تحقق فيه فهو مجدد سواء كان سنيا أم كان شيعيا أم كان من غيرهما من الفرق الإسلامية ولا شك أن هذا اثر من آثار التعصب الممقوت بين الفرق الإسلامية وإنه يجب القضاء عليه الآن لتعود إلى المسلمين وحدتهم والفتهم»
عوائق التجديد
إذا كان المؤلف قد توقف عند الإمام محمد عبده وتلميذيه محمد مصطفى المراغى  ومحمد رشيد رضا ثم الملك عبدالعزيز بن سعود باعتبارهم مجددى العصر الحديث فانه –بناء على ذلك- طرح سؤالا لماذا لم يظهر مجددين بعدهم؟ وبمعنى آخر ما العوائق التى منعت ظهور مجددين لعصرنا الراهن بعد الأسماء السابقة؟
يمكن تلخيص العوائق الذى ذكرها المؤلف فى النقاط التالية:
أولا: شيوع الحكم الاستبدادى فى بلاد المسلمين ومن ثم لا يمكن أن يقوم إصلاح مع فساد فى الحكم.
ثانيا: بلوغ امر المسلمين الحالى درجة عالية من التعقيد يحتاج على إثرها إلى ثورة كاملة لأن الإصلاح السابق لمرحلتنا الحالية لم يطل كل المجالات ومن ثم انتكست الأوضاع بعد فترة وعادت إلى ما كانت عليه.
ثالثا: جمود جمهور علماء الدين فأصبحوا قوة مع الجماهير تعوق أى تجديد حقيقى.
رابعا: دول أوروبا والغرب عموما يناوئون كل حركة إصلاحية بين المسلمين فإذا راوا أمة إسلامية أخذت فى الإصلاح شن عليها حربا تشغلها عنه أو سلطوا جواسيسهم يسعون بالفساد بين طوائفها حتى تقوم فيها فتن داخلية تعترض أعمال الإصلاح ولا تمكن القائمين به من المضى فيها كما حاربت انجلترا جمال الدين الأفغانى فى الهند وفى مصر لمنعه من إصلاح المسلمين
المجدد المنتظر
ناقش الكتاب فكرة تروج لها بعض الروايات وهى ظهور المهدى المنتظر فى آخر الزمان ليملأ بلاد المسلمين عدلا ويوضح أن هذه الروايات ضعيفة السند ومن ثم يدافع عن فكرة المجدد المنتظر لأن صاحبها لا يزعم أنه يقوم بوحى من الله-كما تتحدث روايات المهدى المنتظر- وإنما يدعو إلى التجديد والإصلاح بطريق الاجتهاد ويؤيد دعوته بالدليل والبرهان لا بتلك التنبؤات الموضوعة ولا بدعوى الولاية والتأييد من الله تعالى لأن الله قد أغلق الدعوة بهذه الوسائل بعد النبى-صلى الله عليه سلم- وفتح باب الاجتهاد للناس ليصلوا إلى ما يلزمهم من التجديد والإصلاح فى كل عصر وتكون وسيلتهم إليه الإقناع بالدليل ليؤمنوا بالإصلاح عن علم ويأخذوا بالتجديد عن فهم.
ويمضى: ومما تمتاز به فكرة المجدد المنتظر على فكرة المهدى المنتظر أن دعوة الأولى خالصة بريئة لا غش فيها ولا تصنع ولا خداع ولا احتيال ولا إكراه ولا قهر لأن صاحبها لا يتطلب منها الا الإصلاح فلا يثير فتنة بين المسلمين ولا يحدث بها حروبا بينهم لأنه طالب إصلاح وتجديد لا غير.
المجددون
ناقش الكتاب ما يزيد على 55 شخصية -منذ القرن الأول الهجرى وحتى القرن الرابع عشر الهجرى- قيل إنهم مجددون عارضًا وموضحًا هل كان هؤلاء مجددين؟ وإلى أى مدى وصلوا بالتجديد هل وقفوا عند المسائل الدينية فقط أم وصل تجديدهم الدين بالدنيا؟ وسنختار بعض هذه الشخصيات لتتضح فكرة المؤلف وما يقصده بالتجديد
أولا: معروف الكرخى
من الشخصيات التى اختارها المؤلف كواحد من مجددى القرن الثانى الهجرى الإمام الزاهد معروف الكرخى المولود ببغداد.
والسبب الذى جعل الصعيدى يتفق مع من كتبوا فى التجديد الإسلامى فى عهد معروف الكرخى مجددا يرجع إلى طبيعة هذا القرن حيث غلب على المسلمين حب الدنيا وزينتها ومتعها فغالوا فى الدنيا وتركوا الدين ومن ثم أصبح التجديد المطلوب فى هذا الوقت هو إرجاع المسلمين إلى الدين بإعادة الزهد كقيمة إسلامية.
وفى هذا يقول المؤلف: كأنى بهؤلاء الزهاد رأوا الإسلام قد أدركه البلى بتنازع المسلمين على الدنيا فأرادوا ان يجددوه بإعراضهم عنها وإيثارهم الفقر، على الغنى ومبالغتهم فى ذلك إلى حد تقديس الفقر وهذا ما يمكن أن يوجه به عهد معروف فى مجددى القرن الثانى من الزهاد وهو توجيه قد يكون به وجه من الصحة لأن وجود مثل هؤلاء الزهاد قد يؤثر فى أولئك المتنازعين على الدنيا ويصلح من أمرهم ما أفسد على الناس دينهم ودنياهم»
لكن المؤلف يبدى اعتراضا على هذا الاتجاه-اتجاه الزهد –فيقول: لكن مبالغة أولئك الزهاد فى أمرهم إلى حد تقديس الفقر كان له أسوأ أثر بين المسلمين وكأنى بهم أرادوا أن يصلحوا فساد الناس فى الغلو فى أمر الدنيا بالغلو فى أمر الآخرة فداووا غلوا بغلو والإسلام ليس بدين الغلو فى أمر الدنيا أو الآخرة وإنما هو دين الاعتدال فى أمرهما فلا يمدح فيه من يفرط فى أمر دنياه كما لا يمدح فيه من يفرط فى أمر أخراه
ثانيًا: أحمد بن حنبل
قبل الحديث عن أحمد بن حنبل يجب التوقف عند معنى مقولة «خلق القرآن» التى قال بها المعتزلة قديما لأنهم كانوا يرون أن الله هو الواحد الأحد الذى لا يسبق وجوده وجود ومن ثم كل شىء مخلوق بعد عدم بما فى ذلك القرآن  إلا الله أما أهل السُنة فقالوا إن القرآن غير مخلوق لان القرآن هو صفة الكلام  وصفات الله قديمة.
يمثل مذهب الإمام أحمد بن حنبل المذهب الفقهى الرابع فى مذاهب فقه أهل السنة إلا أن ما جعل ابن حنبل فى قائمة المجددين ليس تأسيسه لمذهب فقهى بل بسبب موقفه من قضية خلق القرآن وملخصها أن المعتزلة تحالفوا مع المأمون حتى يجعل قولهم إن القرآن مخلوق هو مذهب الدولة العباسية ومن ثم ألزم المأمون كل فقهاء وعلماء الُسنة القول بأن القرآن مخلوق إلا الإمام أحمد رفض أن يقول بذلك.. ويقول المؤلف: جهر الإمام أحمد برأى أهل السُنة وأصر على القول بأن القرآن غير مخلوق وصبر على ما أصابه من الحبس والجلد وقاوم فى ذلك أقوى ملوك الأرض من المأمون والمعتصم والواثق وكان ما أصابه من الحبس والجلد فى عهد المعتصم.. وبهذا يقتصر تجديد ابن حنبل على إحياء ما كان عليه السلف من الشجاعة فى قول ما يرون إنه الحق»
ثالثًا: محمد عبده
ولد الأستاذ الإمام محمد عبده فى محلة نصر التابعة لمحافظة البحيرة عام 1845م وتوفى عام 1905 ويعد عبده من رموز التجديد الإسلامى فى العصور الحديثة لذلك توقف المؤلف عند تجديد الأستاذ الإمام قائلاً: هو المجدد الذى أدرك رسالة التجديد الحديثة على حقيقتها وعرف أنه لا نجاح للمسلمين إلا إذا عملوا بها.
يلخص الصعيدى الفكر التجديدى عند محمد عبده فيقول: «كان يذهب إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ويدين بالتأويل فى العقائد الذى لا تدين به السلفية وينشد الحق بين الفرق الإسلامية كلها، ويرى أنها اختلفت فى الأصول عن اجتهاد كما اختلفت فى الفروع فلا يهمه أن يكون مرة مع السلفية ومرة مع الأشعرية ومرة مع المعتزلة ومرة مع غيرها من الفرق الإسلامية. ومن توهم فى الشيخ محمد عبده أنه كان سلفيا يضيق واسعا ولا يجعل منه صاحب رسالة فى التجديد الحديث».
ثم يستدرك موضحا علاقة محمد عبده بالفكر السلفى فيقول: «لا ننكر تأثر محمد عبده بمدرسة ابن تيمية إلى حد ما فى دعوته إلى تحرير الفكر من التقليد والى فهم الدين على طريق السلف قبل ظهور الخلاف وإلى الرجوع فيه إلى أصوله من الكتاب والسنة حتى ترجع الأمور الاعتقادية والتعبدية إلى ما كانت عليه فى عهد السلف بلا زيادة ولا نقصان وإن كان لا يجمد فى ذلك على ظواهر النصوص كما تجمد هذه المدرسة».
ويمضى «وكذلك لا ننكر تأثره بهذه المدرسة-المدرسة السلفية- فى محاربته للبدع والخرافات الدينية وفى إنكاره على مشايخ الصوفية لشيوع هذه البدع والخرافات بسببهم».
وعن الفروق بين محمد عبده والمدرسة السلفية يقول: هناك فروق كثيرة تباعد بينه وبين هذه المدرسة: منها عدم مجافاته العلوم الفلسفية لما رأى من آثارها فى نهضة أوروبا، وقد كان لهذا أثره فى دعوته إلى تقليد أوروبا، فى مدنيتها الحديثة وفى حمله على تعلم اللغة الفرنسية لتمكنه من الاستفادة من هذه المدنية، وكان لاشتغاله بالقضاء الأهلى وأثره أيضا فى حمله على تعلم هذه اللغة لأنه يعتمد فى أحكامه على القانون الفرنسى، وقد أمكنه بهذه اللغة أن يطلع على ما كتبه المربون الأوروبيون فى فن التربية والتعليم. ولما أعجب بالفيلسوف الإنجليزى هربرت سبنسر زاره فى إنجلترا ونقل كتابه فى التربية من الفرنسية إلى العربية، ومن أثر ذلك أيضا سعيه فى إدخال دراسة العلوم الحديثة فى الأزهر وكل هذا يخالف ما كانت عليه مدرسة ابن تيمية قديما وما صارت إليه حديثًا فقد نشأت على مجافاة العلوم الفلسفية ولا تزال تجافيها بعد أن صارت إلى ما صارت إليه حديثًا فى العصر الحديث من الكمال والتهذيب وبعد أن صار لها أثرها فى هذه الحضارة الحديثة وفى تقدم أوروبا وتأخرنا، وقد أوجب الشيخ محمد عبده تعلمها لأنا قد أمرنا بإعداد ما نستطيع من قوة لأعدائنا، وهذا يتوقف الآن على تعلم العلوم الطبيعية والرياضية».
ويمضى شارحًا بعض وجوه التجديد عند محمد عبده فيقول: منها إيمانه بالصلة بين الدين والعقل حتى إنه كان يقدم العقل على النقل عند التعارض بينهما فيؤول النقل بما يوافق العقل وهو فى هذا يتابع مدرسة الأشعرية التى أخذ بها فى نشأته ويخالف ما عليه مدرسة ابن تيمية قديما وحديثا لأنها لا تزال تنكر ذلك التأويل وتأخذ بما جاءت به ظواهر النصوص».
CV للصعيدى
هو عبدالمتعال عبدالوهاب أحمد عبدالهادى الصعيدى عالم لغوى من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع اللغة العربية وواحد من أصحاب الفكر التجديدى بالأزهر ومن المنادين بالمنهج الإصلاحى فى التعليم والفكر والتجديد الدينى.
ولد فى 29 شعبان 1311 هـ الموافق 7 مارس عام 1894م بكفر النجبا، مركز أجا بمحافظة الدقهلية، عندما بلغ التاسعة التحق بكتاب القرية النظامى، وتعلم هناك قواعد الخط والنحو وحفظ القرآن الكريم. بعد التحاقه بالمدارس الابتدائية النظامية التحق بالجامع الأحمدى بطنطا، وحصل على شهادة العالمية فى عام 1918م، ودرس علم المنطق وكان الأول على طلاب معهد طنطا فتم تعيينه مدرسًا بالجامع الأحمدى بطنطا، وفى عام 1932م انتقل للتدريس بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف بالقاهرة.
عرف الشيخ الصعيدى بآرائه الثورية والتجديدية، فكان يرى نظام التعليم فى الأزهر مصابا بالعقم والجدب، ورأى ضرورة تطويره بما يلائم روح العصر، لتخريج جيل من الأزهريين المجددين والمبدعين والبعيدين عن الجمود والتقليد والتعصب، والذين كان يراهم المذنب الحقيقى وراء ما يظهر من كتابات المجترئين من حين لآخر.
توفى الشيخ عبدالمتعال الصعيدى فى 23 محرم 1386 هـ الموافق 13 مايو عام 1966م عن عمر يناهز اثنين وسبعين عامًا.