الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الصحافة الورقية والتحديات «1»

الصحافة الورقية والتحديات «1»
الصحافة الورقية والتحديات «1»




يكتب: إبراهيم رمضان

على الرغم من حالة التشاؤم السائدة بين جموع العاملين والقائمين على إصدار الصحافة الورقية، تخوفا من اندثارها؛ نتيجة تراجع مبيعاتها، وارتفاع تكلفتها، بعد قرار تعويم الجنيه - فى نوفمبر الماضى - وفى ضوء المنافسة الشرسة من المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة للعوامل الأخرى، التى حلت على المصريين، متمثلةً فى ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع أسعار مختلف السلع، بما فيها الصحف، إلا أننى لست على نفس درجة تشاؤم زملائى فى المهنة.
 (1)
ولكن ما دوافع عدم تشاؤمى والانسياق خلف الطرح الخاص بعدم اندثار الصحافة الورقية، على الرغم من أن هناك صحفًا كبرى، بدأت فى وقف نسختها الورقية، والاكتفاء بالنسخة الإلكترونية؟ والحقيقة أن لديَّ عدة دوافع لذلك، أولها: أن وسائل الإعلام المختلفة – تاريخيا - لم يَلغِ بعضُها بعضًا، فالراديو لم يختفِ بظهور التليفزيون، وما زلنا نستخدمه مدفوعين بحاجتنا لذلك، إما لعدم تمكنّا من القراءة، أو عدم وجود التليفزيون، وهو الأمر نفسه عندما ظهر الإنترنت، وأصبح يشغل جزءا كبيرا من أعمالنا اليومية والحياتية، لم يختفِ التليفزيون، ولكن العكس قد حدث، فقد تطور أداء كلتا الوسيلتين، وصار كلاهما يكمل الآخر، ويسعى لتقديم مضمون هادف وجاذب.
 (2)
حسنًا، كل هذه الدوافع نعرفها جميعًا، ولكن كيف يمكن للصحافة فى مصر، تحديدًا تقليص خسائرها، وتطوير أدواتها، وهو الأمر الذى أعتقد أنه يحتاج من القائمين على تلك الصناعة اتخاذ عدد من الخطوات اللازمة للبقاء والتطوير، أولها: وهى العمل، استخدام حجم «التابلويد أو القطع النصفى وحجم الكوارتر» فى الصحف الورقية بدلا من القطع الحالى الكبير، أو كما يسمى لدى المطابع بـ«الاستاندر»، وهو الأمر الذى يتيح للناشرين والمؤسسات المالكة للصحف تقليل كمية الورق المستخدم، وبالتبعية تقليل تكلفة الطباعة، وإتاحة المطبوعة بسعر يمكّن القراء من شرائها، بدلًا من الأسعار الحالية التى ستضطرهم للإحجام عنها، فسعر النسخة يتراوح حاليا ما بين 2و4 جنيهات، على الرغم من محاولات بعض الصحف، تثبيت أسعارها عند جنيه واحد، إلا أنها لن تصمد طويلا فى ضوء ضغط ارتفاع نفقات الطباعة والتوزيع.
وللعلم فقد سبقتنا دول أوروبية كثيرة فى استخدام هذا القطع، منذ فترة طويلة، وفى مصر استخدمت صحيفة «التحرير» قطعا ورقيا «خاصا أقل حجما من الكوارتر» فى عددها الأسبوعي، خلال عام 2014 - أثناء فترة رئاسة تحرير إبراهيم عيسى لها - كما استخدمته صحيفة «البديل» فى إصدارها الثانى الأسبوعي، كما تستخدم صحفًا متخصصة، مثل «أخبار الحوادث»، و«النجوم»، وغيرهما، القطع المعروف بـ«التابلويد» (القطع النصفى).
وهو ما يعنى أن التجربة شاخصة أمام أبصار الجميع، إلا أن الأمر لا يحتاج سوى التجرؤ على اتخاذ القرار، خاصة فى الصحف اليومية ـ القومية، والحزبية والمستقلة ـ التى تسعى جميعها لوقف نزيف خسائرها.
 (3)
ولكن ماذا عن القارئ الذى تعوّد على القطع الكبير، هل سيقبل بصحيفة يومية تصدر بقطع «التابلويد والكوارتر»؟ ربما تلقَى الفكرة فى بداياتها امتناعا، ولكن ككل البدايات سَرعان ما سيتكيف القارئ المصرى مع هذا الوضع الجديد، فقد سبق له وأن تكيف مع استخدام أجهزة المحمول الذكية (موبايل وتابلت) وطوّعها لاحتياجاته المختلفة: عمل، وتسلية، كما أن هناك رغبة لديَّ الكثيرين فى استخدام الأغراض الحياتية والمعرفية ذات الأحجام الصغيرة - شاشات التلفاز فى المنازل، وأجهزة المحمول فى أيدينا - ومن ثم، فإن شراء صحف أحجامها من القطع الصغير سيتيح فرصة للقارئ لتصفحها فى وسائل المواصلات دون إزعاج لمن حوله؛ بسبب كبر حجم هذه الصفحات.
إلا أن الأمر لن يكون سهلا، فالمنافسة شرسة حاليا بين ثالوث المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعى، والصحف بمواقعها المختلفة، وهو الأمر الذى سيتطلب مزيدا من الجهد، والتكلفة، لإضافة مضمون صحفى قوى وجاذب.
(4)
كل ما سبق هو حديث عن حل لتقليل نفقات الطباعة والنشر، بعيدًًا عن المضمون وتطويره، وعن العنصر البشرى القائم على إنتاج المطبوعة الورقية، أيا كانت دورية صدورها؛ يومية، أو أسبوعية أو شهرية، وهو الأمر الذى سنتطرق له بالتفصيل فى المقال القادم، متضمنًا آليات تطوير المضمون بحسب التجارب العالمية الأخرى، وكيفية إضفاء طابع خاص للصحيفة، والموقع الإلكتروني، بما يجعل كليهما مكمّلا للآخر، بدرجة تتيح للسياسة التحريرية مساحة من الحركة والحرية، وتمنح القارئ جرعة معرفية وتثقيفية، تتمتع بدرجة عالية من الدقة والموضوعية.