الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

استراتيجية إعادة التدوير

استراتيجية إعادة التدوير
استراتيجية إعادة التدوير




يكتب: أحمد عبده طرابيك

 تعتبر عملية التخلص من المخلفات بمختلف أنواعها من أكثر المشكلات التى يعانى منها المجتمع، سواء كانت مخلفات منزلية يومية، والمتمثلة فى مخلفات عمليات التنظيف وتجهيز الطعام وكذلك بقايا الأطعمة وغيرها، أو المخلفات الموسمية من الأجهزة المنزلية والأثاث وغيره، وتمتد سلسلة المخلفات لتشمل المخلفات الطبية للمستشفيات، ومخلفات المدارس والمؤسسات الحكومية، وصولًا إلى مخلفات المصانع المختلفة الصلبة والسائلة على حد سواء. كل هذه المخلفات تمثل مشكلة كبيرة عند التخلص منها، خاصة أن تراكمها يؤدى إلى أضرار بيئية وصحية كبيرة، إلى جانب أضرارها على جمال المكان وهيئته التى ينفر منها الانسان.
فى كثير من الدول المتقدمة تشكل عملية التخلص من المخلفات جانبًا مهمًا فى الاقتصاد القومى للبلاد، حيث تتم الاستفادة من تلك المخلفات بطرق علمية، وبطرق منظمة من خلال عملية فرز وتصنيف لتلك المخلفات وتجميعها وإعادة تدويرها ودخولها فى مراحل انتاجية جديدة.
 أن تتحول عملية التخلص من المخلفات من عبء ومشكلة تئن بها ميزانية أى دولة، نظرًا لما تتحمله الدول والشعوب من أعباء للتخلص من المخلفات، إلى مصدر من موارد الدولة فى شكل مواد أولية تدخل فى صناعات جديدة، فهذا أمر جدير بالاهتمام، خاصة أن عملية الاستفادة من المخلفات وتحويلها إلى من عبء إلى مورد، والتى تعرف بعملية «تدوير المخلفات» تشمل على عدد من الجوانب المهمة للاقتصاد القومى تتمثل فى:
أولاً: التخلص من المخلفات المختلفة المنزلية، ومخلفات الورش والمصانع، وحتى المخلفات الزراعية بطرق علمية توفر أقصى درجات الحفاظ على البيئة بكل مكوناتها الطبيعية والبشرية، ومن ثم تقلل من التكاليف الباهظة الناتجة عن التلوث البيئى للهواء والتربة والمجارى المائية المخصصة للاستهلاك الآدمى أو للزراعة.
ثانياً: الاستفادة من الخامات المعاد تدويرها باعتبارها مواد أولية جديدة تدخل فى إعادة تصنيع المنتجات القديمة السابقة من جديد، أو فى صناعات ومنتجات جديدة بنفس الجودة أو اقل جودة لاستخدامات أخرى مختلفة، وبذلك تقلل من استيراد المواد الخام اللازمة لعمليات الانتاج، وترشيد استهلاك المواد الأولية المحلية.
 يوجد جانب سلبى يشكل غاية فى الخطورة أثناء القيام بعملية التخلص من المخلفات تتمثل فى خلط جميع المواد مع بعضها البعض، وسوء عملية التخزين، الأمر الذى يؤدى إلى تلف الكثير من المخلفات والتى قد تكون صالحة وتتطلب إلى جهود كبيرة وتكلفة باهظة لإعادة تدويرها والاستفادة منها مرة أخرى، ولذلك تتطلب عملية التخلص من المخلفات نشر ثقافة التخزين من خلال الفرز فى المنزل أو الورش والمصانع والمؤسسات، وكل الأماكن التى ينتج عنها مخلفات، بحيث لا يؤدى اختلاط المخلفات مع بعضها إلى تلفها خاصة المخلفات السائلة، وكثير من المخلفات الصلبة التى تتفاعل وتتحلل ومن ثم يصعب الاستفادة منها وإعادة تدويرها.
 فى بعض الدول المتقدمة تتم معالجة مياه الصرف الزراعى، والاستهلاك الآدمى كل على حدة، وإعادة استخدام تلك المياه فى أغراض أخرى، مثل الغسيل، وزراعة الغابات وغيرها، كما أن الكثير من دول العالم اتجه إلى توليد الطاقة الكهربائية من غاز الميثان الناتج من مخلفات المنازل «القمامة»، من خلال بعض المعالجات الخاصة غير المعقدة، أما المخلفات الزراعية فلها الكثير من الاستخدامات التحويلية إلى صناعات مهمة وحيوية يأتى فى مقدمتها قش الأرز الذى يدخل فى صناعة الورق، وصناعة الأسمدة العضوية، ومخلفات النخيل التى تدخل فى صناعة الأخشاب المصنعة، والأثاث وأعلاف الحيوانات، وإلى غير ذلك من النماذج الناجحة والتجارب التى حولتها كثير من الدول إلى موارد مهمة ومنافع مزدوجة بالتخلص من المخلفات من ناحية، وايجاد موارد جديدة من ناحية أخرى.
 هناك شىء آخر لا يقل أهمية عن عملية إعادة التدوير وهى عملية الفاقد فى التخزين، حيث يتم فقدان الكثير من الموارد المهمة الصالحة والجيدة من خلال عملية التخزين، يأتى فى مقدمة تلك الموارد محصول القمح، والذى تستعد الدولة الآن لاستقبال محصول جديد منه، حيث ما يتم فقدانه من ذلك المورد الاستراتيجى سواء من خلال الفساد الذى استشرى فى السنوات الأخيرة، والناتج عن وجود وسطاء فى عملية انتقال القمح من المزارعين إلى وزارة التموين، أو سواء من خلال سوء التخزين فى «شون» مكشوفة للهواء والشمس والأمطار، وأرضية ترابية يختلط فيها القمح مع الأتربة. ومن الأمثلة الأخرى على فاقد التخزين هى كميات الحديد الكبيرة من القضبان الحديدية الملقاة على جانبى السكك الحديدية. ويوجد الكثير من الأمثلة على هدر الموارد التى استنزفت جانبا كبيرا من ميزانية الدولة من أجل توفيرها، ثم تترك دون استخدام، أو بسبب سوء التخزين، نتيجة الاهمال، وعدم التنسيق بين الإدارات والوزارات المعنية بذلك الأمر.
 يبقى الشىء الأهم من عمليات التدوير والفاقد من سوء التخزين، ألا وهو ثقافة التلوث التى انتشرت فى مختلف المجالات، فما زلنا نرى المخلفات المنزلية «القمامة» تلقى من نوافذ البيوت أو الطرقات، وما زالت مخلفات الصرف الصحى تلقى فى الترع والمجارى المائية التى تمد محطات تنقية المياه باحتياجاتها المائية ويشرب منها الحيوانات والزروع، فهل نصل إلى مرحلة الوعى، ويأتى الوقت الذى نعى فيه قيمة «الوقاية خير من العلاج».