الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يهودى على باب «السيدة زينب» يحكى تاريخ الأبواب «المصفحة» فى الحضارة الإسلامية

يهودى على باب «السيدة زينب» يحكى تاريخ الأبواب «المصفحة» فى الحضارة الإسلامية
يهودى على باب «السيدة زينب» يحكى تاريخ الأبواب «المصفحة» فى الحضارة الإسلامية




كتب - علاء الدين ظاهر

لا أحد ينكر أن الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير شهدت حالة من الإنفلات الأمنى أدت لحالة من البحث عن أقصى درجات التأمين والأمان، ولجأ كثيرون حينها لحماية بيوتهم بالأبواب المصفحة لتمنع عنهم أى خطر محتمل فى ذلك الحين.. وإذا عدنا للوراء عشرات بل ومئات السنوات وربما آلاف لوجدنا أن الحضارة الإسلامية عرفت فكرة الأبواب المصفحة أيضًا.. لكن مهلًا لم تكن حينها الظروف تتطلب ذلك بنفس الحالة التى أشرنا إليها مسبقًا.. إذن هناك شىء مختلف فى الأبواب المصفحة التى عرفتها العمائر والمنشآت الأثرية الإسلامية عن «المصفحة» فى زماننا.. الأمر تطلب منا زيارة للمتحف الإسلامى لنعرف أكثر عن ذلك حيث يضم المتحف مجموعة من «الأبواب المصفحة» ضمن معروضاته وتمثل قطعا فنية غاية فى الروعة والأهمية.

يهودى على باب «السيدة»
الدكتور أحمد الشوكى مدير عام المتحف الإسلامى فتح لنا باب التاريخ على مصراعيه،حيث قمنا معه بجولة فى المتحف لنتعرف على أبرز وأهم القطع الأثرية التى تندرج تحت مسمى «الأبواب المصفحة»، وكانت البداية مع باب من الخشب المصفح بالفضة «مصر-عصر أسرة محمد على» ويرجع للقرن 13 هجرى / 19 ميلادى، حيث يعتبر هذا الباب من أهم الأبواب المصفحة الباقية من عصر أسرة محمد على.
الأمر لم يتوقف عند هذا كما قال الشوكي، خاصة أن ذلك الباب يحمل خصوصية تميزه عن غيره وتحديدًا من ناحية دالة على قمة التسامح الدينى، حيث يعد أحد أكبر الأبواب المصفحة بالفضة فى العالم،كما يحمل الباب اسم صانعه وهو «يهوده أصلان» وهو شخص يهودى قام بصناعة هذا الباب لمسجد السيدة زينب، وهى دلالة واضحة على ما تمتع به أهل الذمة من المسيحيين واليهود من تسامح من جانب المسلمين،كما يعكس ذلك مدى الاندماج والاتقان الفنى فى تنفيذ الزخارف ذات الطابع الإسلامى حتى وإن كان الصانع غير مسلم.
وتستمر جولتنا لنصل إلى باب من الخشب المصفح بالنحاس «مصر-العصر المملوكى» من القرن 7 هجرى / 13 ميلادى، ويتكون هذا الباب من مصراعين زينا بزخارف متماثلة متقنة، ويعد هذا الباب من آيات الجمال الفنى فى العصر المملوكى، وأخبرنا الشوكى أن الفنان صانع هذا الباب استطاع  تطبيق ما يعرف بالخداع البصرى، فيرى الناظر من بعيد فروعًا نباتية متشابكة فقط، ويتبين للمدقق من مسافة قريبة أن هذه الزخارف تتضمن رسومًا لطيور وحيوانات، كما يحمل الباب كتابات بخط النسخ باسم «شمس الدين سنقر الطويل المنصورى» أحد أمراء السلطان المنصور قلاوون الذى تولى حكم مصر فى الفترة 678 – 689 هجري/1279 -1290ميلادى، وقد نقل هذا الباب إلى المتحف من خانقاة السلطان «الأشرف برسباى» بالخانكة والتى تم تشييدها سنة 841 هجرى / 1437 ميلادى.
وأوضح الشوكى أثناء جولتنا معه أن هناك باباً خشبياً آخر ومصفحًا بالنحاس «مصر- العصر الأيوبى» وتاريخه يعود إلى القرن 7 هجري/13 ميلادى، وقد زخرف الفنان صانع هذا الباب بحشوات مجمعة تكون بشكل الطبق النجمى أحد الزخارف الإسلامية الشهيرة، وقد تم استخدام التصفيح بالنحاس فى تكسية هذا الباب، وقد نقل إلى المتحف من قبة «الإمام الشافعى» 608 هجرى/1211 ميلادى.
أبواب السلاطين والأمراء والقادرين
سألنا الدكتور محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة والرئيس السابق لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية، وحملت إجاباته جوانب مهمة كشفها لنا عن الأبواب المصفحة،وقال لنا عبد اللطيف إن الحضارة الإسلامية عرفت الأبواب المصفحة فى المبانى والمنشآت الأثرية لكن ليس بمفهومها الحالى والمتعلق بمقاومتها للسرقة والتدمير، مشيرًا إلى أن الأبواب المصفحة التى عرفتها الحضارة الإسلامية لا يحمل مفهومها الناحية التأمينية ما بقدر ما تحمل صفة جمالية وزخرفية.
وتابع عبد اللطيف: كانت تتم صناعة الباب من الخشب، وبعد ذلك يتم تصفيحه لحمايته من الخارج بمادة أخرى عادة ما تكون من حديد أو نحاس، وليس هذا فقط حيث إن هذه المواد الاخرى لم تكن تترك صماء، واستفاد منها الفنان المسلم فى عمل زخارف عليها تجعل شكلها جميلًا لتصبح تحفة فنية فى حد ذاتها، وهذه الزخارف منها مثل الأطباق النجمية والأشكال الهندسية المتكررة والزخارف النباتية وغيرها.
وأكمل قائلا: لم تكن الأبواب المصفحة منتشرة بين العامة، ولم يكن أى أحد يقدر على صناعتها وامتلاكها لأنها كانت مكلفة وباهظة الثمن،وعادة ما كانت الأبواب المصفحة توجد على مداخل المدن الضخمة ومنها باب الفتوح وباب النصر، وبعض المنشآت والعمائر التى بناها السلاطين والأمراء الكبار ذوى المقدرة المادية مثل القصور،ومن أشهر المساجد فى القاهرة ذات الأبواب المصفحة برقوق والسلطان حسن والمؤيد شيخ.
أفضل أنواع الأخشاب والمعادن
الدكتور أحمد الصاوى أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة أكد لنا أن الأبواب كانت من أبرز مكونات المنشآت والعمائر فى الحضارة الإسلامية، وتجاوزت ذلك لتصبح قطعا فنيا فى حد ذاتها،وهذا ينطبق أكثر على الأبواب الخشبية المصفحة بمعادن منها النحاس،خاصة أنه كان يتم اختيار أفضل أنواع الأخشاب لصناعة تلك الأبواب،وشهد العصر العباسى بداية إدخال الحشوات فى صناعة وتكوين الأبواب الخشبية لتصبح قطعة فنية مزخرفة، حيث إن تلك الحشوات كانت توضع بطريقة فنية لتظهر على شكل زخارف متنوعة.