السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

آفاق التعاون بين مصر وإندونيسيا

آفاق التعاون بين مصر وإندونيسيا
آفاق التعاون بين مصر وإندونيسيا




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

يجمع بين مصر وإندونيسيا علاقات تاريخية قوية، فقد كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت باستقلال إندونيسيا فى 18 نوفمبر 1946، وتم إقامة التمثيل الدبوماسى الرسمى فى 10 يونيو 1947، حيث تم توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين، وإلى جانب العلاقات الرسمية، توجد العلاقات الوجدانية بين الشعبين المصرى والإندونيسي، حيث «الرواق الجاوى»، نسبة إلى جزيرة «جاوة» كبرى الجزر الإندونيسية، والموجود فى حرم جامعة الأزهر الشريف حتى اليوم.
 توجد بنية تشريعية ورسمية قوية للتعاون بين مصر وإندونيسيا، تتمثل فى مجموعة واسعة من الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين فى العديد من المجالات، منها اتفاق التبادل التجارى «1997»، اتفاق تطوير وحماية الاستثمار «1994»، الاستثمار والتبادل السياحى «1994»، تجنب الازدواج الضريبى «1998»، التعاون بين البنكين المركزيين «1998»، التعاون فى المشروعات التجارية الصغيرة والمتوسطة «2000»، واتفاقية تشجيع تجارة المواشى والدواجن والحجر الصحى « 2005»، كما توجد علاقات متعددة الأطراف فى إطار المنظمات التى ينتمى إليها كل من مصر وإندونيسيا وأهمها «مجموعة الـ 15، مجموعة الثمانية الإسلامية، ومنظمة التعاون الإسلامى»، وأخيرا من خلال اتفاق الشراكة الذى وقعته مصر مع مجموعة «آسيان» فى عام 2016، خلال قمتها الأخيرة التى عقدت فى فينتيان عاصمة جمهورية لاوس، وإلى جانب ذلك توجد اللجنة المصرية الاندونيسية المشتركة، والتى عقدت خمس جلسات آخرها فى جاكرتا فى إبريل 2007، والتى تم خلالها التوقيع على ثلاث مذكرات للتعاون فى مجالات الجودة والمقاييس، والمعارض والأسواق الدولية، والهيئة العامة للاستثمار، كما يوجد مجلس رجال الأعمال المشترك.
 هناك مجالات عديدة وفرص واعدة للاستثمارات المتبادلة بين مصر واندونيسيا، خاصة فى قطاع النفط والغاز الطبيعي، والأدوية، المنسوجات والملابس الجاهزة، الإلكترونيات وتقنية المعلومات، إلى جانب التعاون فى مجال استخدام ورد النيل فى صناعة الأثاث، وفق الاتفاقية الموقعة بهذا الشأن بين البلدين فى يونيو 2010، والتى تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لمصر، حيث يشكل الورد مشكلة كبرى فى المجارى المائية، وتحويله من مشكلة إلى مورد مهم فى صناعة الأثاث يعد من الانجازات المهمة للاقتصاد الوطنى فى قطاعى الأثاث والحفاظ على الموارد المائية.
 يبلغ حجم التجارة المصرية مع العالم الخارجى نحو 98 مليار دولا، ووفق مركز الاحصاء فى إندونيسيا عام 2014، يبلغ نصيب التجارة بين مصر واندونيسيا 1,4 مليار دولار، فيما تساهم إندونيسيا فى 15 مشروعًا استثماريًا فى مصر، برأس مال اندونيسى يبلغ 51,7 مليون دولار، وتأتى اندونيسيا فى المرتبة 47 بين الدول المستثمرة فى مصر، الأمر الذى لا يتناسب مع مكانة البلدين على مستوى السوق المحلية والإقليمية لكل منهما، حيث تمتلك مصر أسواقًا واعدة فى القارة الأفريقية وفق الاتفاقيات الموقعة مع دول القارة مثل «الكوميسا، أغادير» والتى يمكن من خلالها للمستثمرين الأجانب فى مصر الاستفادة من تلك الأسواق من خلال المزايا التى تمنحها هذه الاتفاقيات، كما أن اندونيسيا بوصفها عضوًا فى مجموعة «آسيان» من شانها أن تفتح أسواق دول المجموعة أمام المنتجات المصرية.
 خلال زيارة وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودى إلى القاهرة يوم 3 فبراير 2017، بحثت مع الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى الإعداد لاجتماعات الدورة السادسة للجنة المشتركة المصرية الإندونيسية، خلال هذا العام الجارى، والتى ترأسها وزيرة التعاون الدولى من الجانب المصرى، ووزيرة الخارجية الإندونيسية من الجانب الإندونيسى، باعتبارها مظلة لزيادة حجم التعاون فى مختلف المجالات وخاصة فى مجالى التجارة والاستثمار، كما تم بحث عقد اجتماعات مجلس الأعمال بين البلدين، على هامش اجتماعات اللجنة المشتركة.
 يمثل قطاع السياحة أهمية كبيرة بالنسبة لكل من مصر وإندونيسيا، مع اختلاف البيئة الطبيعية فى البلدين، حيث البيئة الاستوائية الإندونيسية، والبيئة المدارية المصرية، إلى جانب اهتمام السائح الإندونيسى بالمزارات الدينية فى مصر، إلى جانب السياحة التعليمية، التى ما زالت لم تستغل بشكل يتناسب مع مكانة مؤسسة الأزهر الشريف لدى الإندونيسيين.
 أهم ما يميز العلاقات بين مصر وإندونيسيا هى القوة الناعمة، والتى تتمثل فى التعليم الأزهري، حيث يحظى الأزهر الشريف بمكانة كبيرة فى قلوب الإندونيسيين، والذى يقدم 115 منحة لطلاب إندونيسيا فى المعهد والجامعات والدراسات العليا بالأزهر الشريف، بالإضافة إلى إيفاد 26 مبعوثًا لتدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية فى إندونيسيا، إلى جانب ذلك يصل من اندونيسيا أكثر من خمسة ألاف طالب للدراسة فى الأزهر الشريف، لذلك أنشأ الطلبة الذين درسوا فى الأزهر ورجعوا إلى اندونيسيا «رابطة خريجى الأزهر»، وهذا ما يجعل لمصر مكانة هامة لدى غالبية الشعب الإندونيسى، ولذا يجب استثمار ذلك فى زيادة التواصل والتعاون بين مصر وإندونيسيا فى مختلف المجالات.
 لا يقتصر دور الأزهر وأهميته فى التعاون مع إندونيسيا على المجال التعليمى فقط، بل يمتد إلى قضايا العالم الإسلامي، فخلال الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الإندونيسية إلى القاهرة التقت وشيخ الأزهر الشريف، حيث تمت مناقشة مأساة مسلمى «الروهينجا» فى ميانمار، ويمثل خطاب الأزهر المتزن ورؤيته الواقعية، التى تقوم على أن حل المشكلات لا يأتى بالإثارة وتبادل الاتهامات، ولذلك لاقى ذلك الخطاب قبولًا لدى حكومة ميانمنا لحل مشكلة الروهينجا، وأهلته للقيام بدور محورى لإنهاء هذه المأساة من خلال التقريب بين قادة الأديان والشباب فى مجتمع ميانمار، وهذا ما جعل الأزهر يقدم مبادرة تقترح عقد اجتماع لكافة مكونات المجتمع فى ميانمار بالقاهرة، وقد شكَّل ذلك المقترح خطوة مهمة على طريق إيجاد حل لمشكلة مسلمى «الروهينجا»، خاصة أن القضية لها أبعاد عرقية وثقافية واقتصادية واجتماعية.