الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هيا بنا نثور

هيا بنا نثور
هيا بنا نثور




صبحى مقار  يكتب:

 فى نفس عام 2011 الذى بدأ فى مصر بثورة 25 يناير وما تبعها من أزمات وتدهور فى الاقتصاد المصرى، بدأت فى ألمانيا الثورة الصناعية الرابعة بمبادرة من رجال أعمال وسياسيين وأكاديميين، حيث قاموا بتعريفها على أنها «وسيلة لزيادة القدرة التنافسية للصناعات التحويلية فى ألمانيا من خلال زيادة دمج الأنظمة الإلكترونية الفيزيائية فى عمليات التصنيع»، وقد تبنت الحكومة الألمانية هذه المبادرة وأعلنت عن اعتماد استراتيجية للتكنولوجيا المتقدمة، كما أسست الولايات المتحدة فى عام 2014 جمعية للإنترنت الصناعى غير هادفة للربح تحت قيادة كبرى الشركات الصناعية الأمريكية (General Electric, IBM, Intel, AT&T).
وجاءت هذه الثورة بعد ثلاث ثورات صناعية بدأت الأولى منها فى إنجلترا عام 1760، وانتقلت بعدها إلى دول غرب أوروبا وباقى دول العالم، وتم خلالها إحلال الآلات محل العمالة البشرية بصورة جزئية، تصنيع مواد كيميائية جديدة، انتشار عمليات تصنيع الحديد، تحسين كفاءة الطاقة المائية وزيادة استخدام الطاقة البخارية وظهور نظام المصانع.. كما بدأت الثورة الصناعية الثانية فى منتصف القرن التاسع عشر مع اكتشاف طريقة بسمر لتصنيع الصلب كأول عملية صناعية غير مكلفة لإنتاج كميات كبيرة من الصلب بتكلفة أقل ثم تطورت بشكل سريع فى غرب أوروبا والولايات المتحدة واليابان ليشهد ذلك العصر تطور أغلب الابتكارات القائمة على العلم مما ساهم فى وجود نطاق واسع من النظم التكنولوجية الحديثة التى لم تكن معروفة من قبل مثل التلغراف وشبكات الغاز والمياه والصرف الصحى والسكك الحديدية.
وقد بدأت الثورة الصناعية الثالثة فى أواخر خمسينيات القرن الماضى مع ظهور أجهزة الحاسب الآلى والتسجيل الرقمي، حيث انتقلت المصانع من مرحلة إنتاج كميات ضخمة من المنتجات المتماثلة إلى إنتاج كميات قليلة من منتجات متنوعة تناسب كافة الأذواق نتيجة لتطور التقنيات المستخدمة واستخدام مواد وأساليب جديدة فى التصنيع فى ظل وجود خدمات الإنترنت مما أدى إلى تطور طرق جمع وإرسال المعلومات لتصبح أساس العولمة التى نعيشها حاليًا.
وتختلف الثورة الصناعية الرابعة عما سبقها من ثورات فى عمل كل الأشياء التى نستخدمها بصفة يومية وفقًا لطلبنا، بمعنى زيادة دمج أنظمة الآلات التى يتحكم بها إلكترونيًا لتصبح آلات ذكية متصلة بالإنترنت، ليقتصر دور المديرين على تكوين شبكة آلات تقوم بعمليات الإنتاج بأقل قدر من الأخطاء مع تغيير أنماط الإنتاج بشكل ذاتى وفقًا للمدخلات الخارجية التى تحصل عليها مع احتفاظها بدرجة عالية من الكفاءة، وذلك من خلال اتصال الآلات بالإنترنت لمعرفة احتياجات وأذواق مختلف دول العالم من المنتجات لتقوم تلقائيًا بتغيير أنماط وأشكال ما تصنعه وفقًا للتغيرات فى الأذواق دون زيادة التكاليف. وبذلك تتطلب الثورة الصناعية الرابعة بنية تقنية ورقمية متطورة تساعد الإنسان على تحقيق نسب عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية فى أقل وقت ممكن من خلال تخفيض تكاليف الإنتاج وتأمين خدمات ووسائل نقل واتصال تجمع بين الكفاءة العالية والثمن الأقل مما يساهم فى فتح الأسواق الجديدة ودفع عجلة النمو الاقتصادى. ولا يتم كل ذلك إلا عن طريق إعادة هيكلة اقتصادية شاملة وتغير منظومة القيم الثقافية والاجتماعية لتتناسب مع الثورة الرابعة التى تتطور بسرعة عالية لتشمل جميع الصناعات فى جميع دول العالم. وبالتالى، سرعة تحول نظم الإنتاج، الإدارة، الحوكمة، وانتشار كل من الأنظمة الإلكتروميكانيكية متناهية الصغر التى تعرف بانترنت كل شىء، المركبات ذاتية الحركة، الطباعة ثلاثية الأبعاد، تكنولوجيا النانو، التكنولوجيا الحيوية، تخزين الطاقة مما يجعل هذه الثورة الأداة الرئيسية فى تحسين نوعية حياة السكان ورفع مستويات الدخل فى جميع دول العالم.
وستدفع عملية التحول من الرقمنة (الثورة الصناعية الثالثة) إلى الابتكار القائم على مزج التقنيات (الثورة الصناعية الرابعة) الشركات إلى إعادة النظر فى طريقة عملها وضرورة فهم رجال الأعمال والمديرين التنفيذيين لبيئة العمل دائمة التغير. كما سيتيح تداخل العوالم المادية والرقمية والبيولوجية والتقنيات للمواطنين سهولة التفاعل مع الحكومات والتعبير عن آرائهم، كما ستمكن القوة التكنولوجية الجديدة الحكومة من السيطرة على السكان باستخدام أنظمة المراقبة والقدرة على التحكم فى البنية التحتية الرقمية.
ولتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الثورة الصناعية الرابعة، يجب أن نستعد جيدًا لمسايرتها وتطويع نتائجها لصالح الاقتصاد المصرى من خلال ما يلى:
# إنشاء مجلس أعلى لتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، ويمثل فيه بجانب الحكومة شركات القطاع الخاص المعنية بذلك الأمر لدراسة آثار تطبيق هذه التكنولوجيا على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية وتحديد فرص نجاح تطبيقها فى القطاعات المختلفة، والعمل على تهيئة الاقتصاد المصرى لاستيعاب الطفرة التكنولوجية الحالية وتحقيق التوازن المطلوب بين إصدار القوانين التنظيمية المرنة لاستيعاب التغيرات السريعة للتقدم التكنولوجي، وبين الحفاظ على الأمن والاستقرار من خلال تحجيم الاستخدام غير المشروع لهذه التكنولوجيا.
# تحقيق التنمية الرقمية كضرورة لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية والبشرية، وذلك من خلال تطوير البنية الأساسية وتحسين توصيل شبكات الإنترنت والربط والتغطية الواسعة أمام المواطنين لتنمية قدراتهم على الابتكار والتعلم، وتطوير النظام التعليمى والبرامج التدريبية لتتناسب مع مهارات وطبيعة الوظائف المستقبلية فى كل من القطاع الحكومى والقطاع الخاص.