الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عن مفردات خطبة الجمعة

عن مفردات خطبة الجمعة
عن مفردات خطبة الجمعة




هشام فتحى يكتب:

بات السؤال حاسمًا، بلا لف أو دوران، هل تخدم خطبة الجمعة بمفرداتها الحالية مصلحة الدولة المصرية؟ أم تخدم مصلحة دولة الخلافة؟ بُحت الأصوات مطالبة مشايخ الأزهر والأوقاف باعتماد خطاب مصري، لكن هيهات، الخطاب قبلى (بفتح القاف والباء) صحراوى، دعونا نعترف، فمصلحة مصر وشعبها أهم من ملايين الخطب، خطاب الجمعة يتحدث عن بلاد المسلمين، لا بلاد المواطنين، يتحدث عن حرمة دم المسلم، لا حرمة دم المواطن المصري، يتحدث عن أهل الذمة، لا أهل مصر، نعم يستحيل إصلاح الخطاب الإسلامى من داخله، يستحيل تعديل مصطلحاته ومنطلقاته.
لاحظ، أنا لا أتحدث عن النص المقدس، بل أتحدث عن الخطاب (المقدس) أو بالأحرى عن الخطاب الذى قدّس نفسه، أن انطلق من المساجد وبرامج الدين فى الإذاعة والتليفزيون. هل كانت دعوة الأزهر لتجديد الخطاب الإسلامى وإصلاحه فى محلها؟ هل يمكن للمريض أن يشفى نفسه؟ لا أظن، يحتاج المريض العلاج من الخارج  والسؤال، من يستطيع إصلاح الخطاب الإسلامى وكيف؟  يقينا، إن وزارة الثقافة المصرية لهى المنوطة بإصلاح الخطاب الإسلامى، فالثقافة بطبيعتها غير منحازة لدين، بل لقيم إنسانية، تحمل مفردات عصرها، والمثقف بطبيعة فكره لا يتوقف عند زمن معين يجتر مصطلحاته ويقدس، بل هو ينطلق دومًا للحاضر والمستقبل، يعرف أين يقف فى خريطة العصر، لا يتحرج من رفع معاول النقد ليهوى بها على البالى والمتخلف من تفسيرات وتأويلات، منهجه التراكم المعرفى الإنساني، وسيلته العقل وأدواته من ملاحظة وتجربة ونتيجة، لا يخجل من طرح الأسئلة، مادام العقل يسمح بها، ومادام العالم من حولنا قد أجاب عنها.
إن وزارة الثقافة عليها العبء الأكبر فى تسيير قاطرة التغيير فى مصر، مصر تحتاج «ثورة ثقافية» و«نهضة تعليمية» تصاحبها خطوة بخطوة، إن أبطال المجتمع الصحراوى بجزيرة العرب صدر الإسلام، وما تلاه من عهود، ليسوا منزهين عن الخطأ، فكل ابن آدم خطّاء، لهم أعمالهم ولنا أعمالنا، وما رأوه فى القديم صالحا، قد لا نراه نحن كذلك، فلكل عصر علومه ومعارفه، فلا قداسة لشخص، ولا قداسة لتفسير أو تأويل، إن دور وزارة التعليم والبحث العلمى لا يقل أهمية عن دور الثقافة فى تسيير قطار التغيير فى مصر، وإذا كانت ميزانيات الثقافة والتعليم فى مصر على فقرها وعوزها، فلا أمل فى شىء، ولا رجاء فى إصلاح.
وإنه لمن العجيب أن يخصص الدستور المصرى مادة لتمويل الأزهر من جيوب المصريين ليقوم ببث مفرداته العتيقة التى لن تخدم الدولة فى تطلعها للتغيير الجذري، لتقف على قدم وساق وسط عالمها المعاصر، ولا تجد مادة دستورية مصاحبة تلزم المصريين بتمويل الثقافة والتعليم.
إن جسدًا بدون فكر هو جسد ميت، ومجتمع توقف وعيه عند حدود دولة الخلافة الأولى مجتمع مقبور لا رجاء لقيامته. ونأتى للسؤال الحرج، هل من حق خطبة الجمعة الاستئثار حصريا بالفضاء السمعى للمصريين؟ هل تسمح الدولة لخطاب الأحد مثلا بأن يعرض بضاعته على أسماع المصريين جميعا أسوة بخطبة الجمعة؟ هل من حق خطاب الأحد تشغيل الميكروفون الخارجى للكنيسة كما يفعل المسجد؟ أليس الدستور المصرى معترفا بقداسة ثلاثة أديان سماوية؟ وبالتالى أليس من حق أحدها أن يعرض بضاعته بالسوق الدينى فيشترى كل مصرى ما يوافقه من بضاعة وما يهواه ومايطمئن لسلامته؟
لا أطلب سوى تفعيل الدستور النائم، أم تراه مجرد قصاصات ورقية (ورق دشت) مصيره صندوق القمامة؟! يقينا ليس المبتغى التقليل من أهمية الجُمَع (بضم الجيم وفتح الميم) ولا خطابها، بل للتذكير بأن مفردات لها قد عفى عليها الدهر واكتفى، ولا يمكن أن يصرخ شيخ بملء فيه بأن الإسلام حرم قتل المؤمن، وذلك للدلالة على حرمة الدم الإنساني، ثم يسكت، لأنه بمفهوم المخالفة سوف نفهم عكس ما يرمى له بأن دم غير المؤمن حلال، مطلوب تعديل الخطاب إذن، فالدم المصرى كله حرام، ودم الإنسان كله حرام، ولن يستطيع المشايخ تبديل منطلقاتهم وتعديل مصطلحاتهم لخطاب وطنى إنسانى، ليس لأن النص المقدس يخلو من مفردات إنسانية، لا، بل لأن خطاباتهم، وتفسيراتهم، وتأويلاتهم، عجزت عن إدراك ذلك فى النص المقدس، وبات عليهم ترك الساحة بسماحة لأهل الثقافة والتربية والعلوم الإنسانية، فهم أجدر وأفهم وأقوى على فعل ذلك وتبليغه للمصريين.
وعلى الدولة المصرية تحصين الفعل الثقافى والمعرفى ممن يرومون به سوءًا، عليها المبادرة فورًا بإلغاء مادة ازدراء الأديان من قانون العقوبات، هذا السيف المسلط على رقاب المثقفين وأهل العلم والمعرفة، هذا إذا أرادت الدولة حقًا تغييرًا معرفيًا فى الخطاب الدينى الإسلامى.