الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر ولّادة رغم المحن

مصر ولّادة رغم المحن
مصر ولّادة رغم المحن




د. محمد محيى الدين حسنين يكتب:

من الاقوال المأثورة لدى المصريين أن «مصر ولادة» ومن ثم يختفى جيل من العمالقة من المسرح ليحل محله جيل آخر وتتكرر الحكاية ومصر تقدم للعالم أجيالا متعاقبة من ذوى المواهب المتميزة والخلاقة إلا أننا فى العقود الأخيرة بدأنا نلاحظ أننا نفقد رموزا فى مجالات العلوم والثقافة والفنون لم نستطع تعويضهم ولم يظهر حتى الآن ادباء فى قيمة وقامة طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وغيرهم العديد فى مجال الأدب وما يقال عن الادب يمكن ان يقال عن الفنون والعلوم والثقافة بشكل عام.
لا يكفى أن نظل نتغنى بالماضى ونتحدث عن تفوقنا فى جميع المجالات ونكرر فى كل مناسبة أننا علمنا العالم وأن المعلمين واساتذة الجامعات المصريين هم من أسسوا نظم التعليم فى البلاد العربية، ودعونا نتوقف عن الشعارات التى اصبحت بلا معنى فإذا كان لدينا خير الفقهاء الدستوريين والقانونيين فلماذا لم نستطع عمل قانون واحد لا نكتشف بعد اصداره أنه غير دستورى أو ملىء بالثغرات القانونية؟ واذا كان لدينا اطباء عظام فلماذا عزف المرضى فى الداخل والخارج عن اللجوء اليهم واصبح العلاج فى الخارج سواء على نفقة الدولة او من جيب المواطن هو الغاية والأمل؟ واذا كان لدينا تعليم كنا نتفاخر به فلماذا نجد طوابير العاطلين عن العمل تملأ الطرقات ليس لنقص الوظائف المطروحة ولكن لأن خريجينا لا يمتلكون المقومات والمهارات التى تتطلبها سوق العمل؟ والتى نتوقع تنامى المشكلة عندما يأتى المستثمر الأجنبى فلا يجد ضالته فى نوعية نواتج التعليم الجامعى، واذا كنا قد أسسنا نظم التعليم والجامعات العربية فلماذا تتحرج تلك الجامعات من التعاقد معهم واللجوء إلى الاجانب والأمثلة بعد ذلك كثيرة يصعب حصرها.
ونحن هنا لا نتباكى على الزمن الجميل ولكنها خواطر تحض على ان نتعرف على أسباب التردى الذى نعيشه، وما نقوله لا يعنى انتقاصا لأجيال الشباب من المثقفين والفنانين والعلماء وغيرهم من المبدعين إلا أن تلك الاجيال لم ترتق بعد إلى مستويات الرواد والرموز الأوائل والحقيقة أن الإنسان وخاصة المبدع هو ابن عصره، فرفاعة رافع الطهطاوى فى الترجمة، والبارودى فى الادب والشعر، وعلى مبارك فى التعليم، هم ابناء عصر النهضة التى بدأ مع محمد على ولطفى السيد وطه حسين والعقاد ابناء المرحلة الليبرالية، والتى امتدت تداعياتها الى نهاية الستينيات من القرن الماضى.
وعلى رغم مما قيل عن عداء عبد الناصر للمثقفين ـ وهو أمر قابل للنقاش ـ الا أن الكثير من المبدعين من الادباء والفنانين والعلماء تركوا بصمات واضحة فى المجتمع المصرى خلال عصره وحتى الآن، ولا زلنا نذكر ان مصر فى تلك الآونة كانت مقصد العرب فى التعليم والطب والفنون والثقافة، والكثير منا ما زال يتذكر أعياد العلم ووفود البعثات للخارج، وفرق المسرح التى افرخت فنانين عظماء مازلنا نستمتع باعمالهم عند اعادتها على قنوات التليفزيون.
يجب أن نعترف أننا تراجعنا كثيرا وأن المناخ العام قد اصبح مثبطا للهمم ومدمرا للإبداع وأضحت الحالة العامة أثرت بالسلب وأصبح كل عمل يحسب على انه «سبوبة» وكل جهد يقاس بعوائده المادية فغابت القيم عن العقول، وهذا يدفعنا للتساؤل حول طبيعة مصر الولادة، وهل ـ لا قدر الله ـ أصابها العقم؟
والاجابة واضحة وجلية، أن مصر مازالت بخير وأن المصريين يثبتون جدارتهم فى أكثر البلاد تقدما فى الشرق والغرب، والأمر لا يحتاج إلا الى إرادة مجتمعية تهدف إلى تحقيق «النهضة» والتى من أبرز شروطها توفير مناخ عام يشجع على التعلم ويقدر العلماء وأن نعمل على إعلاء قيم الابداع، والاحتفاء بها، وان نعمل على خلخلة الارتباط الحديدى بينهما وبين المكاسب المادية فليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، ولا تنهض الامم بنمو الدخل القومى وحده.
وأخيرا يجب التنبه إلى أننا لا نملك رفاهية انتظار عوائد الغاز الطبيعى ووصول السياح الى شرم الشيخ وارتفاع القيمة الشرائية للجنيه المصرى حتى نبدأ الخطوات الاولى فى طريق النهضة، والوقت يمر والنهضة بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت بل وأمن قومى أيضا.