الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

10 أسباب تدفع الدولار للتراجع أمام الجنيه.. والالتزامات الخارجية تحدٍأمام الحكومة

10 أسباب تدفع الدولار للتراجع أمام الجنيه.. والالتزامات الخارجية تحدٍأمام الحكومة
10 أسباب تدفع الدولار للتراجع أمام الجنيه.. والالتزامات الخارجية تحدٍأمام الحكومة




تحليل - أحمد زغلول

شهدت أسعار صرف الدولار فى الأيام القليلة الماضية تراجعًا أمام الجنيه، وبالنظر إلى المتوسطات العامة لأسعار صرف الدولار فى الجهاز المصرفى فقد انخفضت من مستويات 18.76 جنيه للشراء، و18.89 جنيه للبيع، إلى 17.88 جنيه للشراء و17.99 جنيه للبيع فى الفترة من 1 إلى 9 فبراير الجارى، وذلك بعد فترة مماثلة من الاستقرار النسبى.

وكان سعر العملة الامريكية قد قفز أمام الجنيه بعد قرار البنك المركزى بتحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، حيث ارتفع من مستوى 18.88 جنيه إلى ما يقرب من 19.85 جنيه (أعلى مستوى وصل له الدولار بعد التعويم)، وما لبث أن تراجع إلى مستويات أدنى، وبعدها تذبذب بين الارتفاع والانخفاض لكن بشكل محدود.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة الآن هو هل يستمر تراجع الدولار أمام الجنيه وصولًا إلى مستويات مقبولة ( السعر العادل)؟.. أم يعاود الارتفاع وأن التحسن الحالى فى سعر الجنيه مؤقت لأسباب «مؤقتة»؟.
وهنا لا يمكن تقديم تحليل لأسباب تراجع الدولار أمام الجنيه دون النظر إلى كافة مؤشرات السوق، وأداء الاقتصاد والقطاعات المدرة للنقد الأجنبى.. وفى هذا السياق لابد أن نشير إلى أن هناك تحسنًا ملحوظًا طرأ على عدد معتبر من المؤشرات وأهمها:
>> ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج
وخلال شهر ديسمبر الماضى ارتفع اجمالى التحويلات مقارنة بذات الشهر من العام الماضى بمعدل 15.4% لتصل إلى نحو 1.6 مليار دولار (مقابل نحو 1.4 مليار دولار خلال شهر ديسمبر 2015).
ليرتفع بذلك إجمالى تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الفترة أكتوبر - ديسمبر 2016 بما قيمته 500 مليون دولار تقريبا بمعدل نمو بلغ 11.8 % مقارنة بذات الفترة من العام الماضى لتصل إلى نحو 4.6 مليار دولار (مقابل نحو 4.1 مليار دولار خلال الفترة أكتوبر - ديسمبر 2015).
وتجدر الإشارة إلى أن 3.3 مليار دولار أو ما نسبته 72 % تقريبا من إجمالى تدفقات تحويلات العاملين خلال الفترة أكتوبر - ديسمبر 2016 تخص شهرى نوفمبر وديسمبر، أى فى أعقاب قرار البنك المركزى بتحرير سعر الصرف.
تراجع فاتورة الاستيراد وزيادة الصادرات
حيث تراجع إجمالى واردات مصر خلال الربع الأول من العام المالى الحالى 2016 /2017 بنحو 810 ملايين دولار ليبلغ نحو 93. 13 مليار دولار مقابل 74. 14 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالى السابق له 2015 /2016.
فى الوقت نفسه ارتفعت صادرات مصر خلال الربع الأول من العام المالى 2016 /2017 لتسجل 5.3 مليار دولار، مقابل 4.7 مليار دولار خلال الربع المناظر 2015 /2016.
زيادة استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة
حيث استمر الاجانب فى ضخ استثمارات جديدة فى أذون الخزانة الحكومية للشهر الثالث على التوالى عقب قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري.
حيث اسفرت تعاملات الأجانب عن صافى مشتريات (قيمة عمليات اكتتاب الاجانب فى أذون الخزانة المصرية بعد استبعاد قيمة المستهلك منها خلال الفترة) بلغ 11.5 مليار جنيه مصرى خلال شهر يناير 2017، وما قيمته 6.8 مليار جنيه مصرى خلال شهر نوفمبر 2016، ثم  2.4 مليار جنيه مصرى خلال شهر ديسمبر 2016.
وبذلك ارتفع الرصيد القائم لاستثمارات الاجانب فى هذه الاذون إلى 7.8، 10.2، ثم 21.7 مليار جنيه مصرى (بما يعادل 439، 556، 1153 مليون دولار) وفقا للمركز فى نهاية كل من نوفمبر، ديسمبر 2016، ويناير 2017 على التوالى مقابل 0.989 مليار جنيه (112 مليون دولار) فى نهاية شهر أكتوبر 2016، بما يشير إلى عودة ثقة المستثمرين الدوليين فى الافاق المستقبلية للاقتصاد المصرى وقدرته على تخطى التحديات الراهنة.
انخفاض مدفوعات الفيزا كارد بالخارج
وتراجعت هذه المدفوعات خلال شهر ديسمبر 2016، وذلك للشهر الثانى على التوالى، فقد انخفضت مدفوعات الفيزا كارد بالخارج خلال شهر ديسمبر 2016 بمبلغ 169.0 مليون دولار بمعدل تراجع بلغ 71.0% لتقتصر على 68.9 مليون دولار (مقابل 237.9 مليون دولار خلال ديسمبر 2015).
علماً بأن شهر نوفمبر 2016 سبق أن شهد تراجعاً بمعدل 32.3% ليسجل 112.0 مليون دولار ( مقابل 165.5 مليون دولار خلال شهر نوفمبر 2015.
استمرار ارتفاع قيمة الاحتياطى النقدى للبلاد
وقد سجلت قيمة الاحتياطى النقد للبلاد 26.3 مليار دولار بنهاية يناير الماضى، وهو الأمر الذى يعزز من قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، ويعكس ارتفاع تدفقات النقد الأجنبى وإن كان الجزء الأكبر من هذه التدفقات عبارة عن تمويلات خارجية سواء قروض من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد، أو حصيلة طرح سندات دولية أو غير ذلك، إلا أنها فى النهاية تعكس ثقة فى الاقتصاد المصرى من جانب المؤسسات والمستثمرين الذين يقومون بضخ هذه التمويلات لمصر، وكذلك فإنها تضمن تقوية قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها واحتياجاتها من النقد الأجنبى.
ارتفاع تدفقات النقد الأجنبى للبنوك
ارتفاع تدفقات النقد الأجنبى للبنوك العاملة بالسوق المحلية بشكل كبير بعد قرار تحرير سعر الصرف، حيث اقتربت قيمة حصيلة البنوك من النقد الأجنبى منذ تحرير سعر الصرف من 10 مليارات دولار ، وهو أمر دعم قدرة البنوك لفتح الاعتمادات اللازمة لاستيراد السلع المهمة والأساسية بالنسبة للسوق.
تحسن نسبى فى إيرادات السياحة
 تحسنت إيرادات السياحة نسبيًا.. كما أن هناك توقعات باستمرار تحسن عوائد السياحة فى الفترة المقبلة، ويأتى ذلك فى ظل قيام عدد كبير من دول العام بالغاء كافة القيود التى كانت مفروضة على مواطنيها للسفر إلى المناطق السياحية المصرية، وهناك توقعات قوية بأن تقوم روسيا (صاحبة التأثير الأكبر على عوائد السياحة فى مصر) بالغاء حظر الطيران الذى كانت قد فرضته منذ ما يقرب من العام ونصف العام بسبب سقوط طائرة ركاب تابعة لها فى سيناء نتيجة حادث ارهابى.
وقد أعلنت يوم الجمعة الماضية 4 دول أوروبية وهى السويد وفنلندا والنرويج والدنمارك رفع القيود المفروضة على سفر مواطنيها إلى المناطق السياحية فى جنوب سيناء منذ نحو 15 شهراً.
وأوضحت الأربع دول الإسكندنافية انها رفعت القيود المفروضة على سفر مواطنيها إلى كل من شرم الشيخ ودهب وسانت كاترين فى محافظة جنوب سيناء، ولفتت سفارات الأربع دول فى بيانات صحفية أنه بالتنسيق مع بلدان شمال أوروبا تم صدور قرار بتغيير تحذيرات السفر لجنوب سيناء.
سداد مصر لجميع التزاماتها الخارجية بشكل منتظم.
حيث قام البنك المركزى بسداد التزامات الحكومة المصرية فى اتفاقية تنمية حقول غاز «ظهر» بقيمة 630 مليون دولار خلال شهر يناير الماضى لصالح شركة اينى الايطالية ، وذلك بالاضافة إلى سداده قسط شهر يناير لنادى باريس والالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة.
كما قام البنك المركزى  خلال شهر يناير أيضا بتدبير النقد الأجنبى لتوفير احتياجات الهيئة العامة للبترول وهيئة السلع التموينية بقيمة وصلت إلى 819 مليون دولار، كما وفر البنك المركزى احتياجات الجهات الحكومية والوزارات المختلفة من النقد الاجنبى بمبلغ 430 مليون دولار.
لكن وبعد أن أوردنا المؤشرات الايجابية لابد من الاشارة هنا إلى أن مستوى التحسن مازال أقل من المطلوب، لكنه يعكس تغير الدفة تجاه تحسن الأداء الاقتصادى، بعد أن كانت كافة المؤشرات توضح أن البلاد تسير فى اتجاه المزيد من الأزمات الاقتصادية.
وتبرهن كافة المؤشرات السابقة أن تراجع سعر صرف الدولار إنما يرجع إلى أسباب تتعلق بتحسن الأداء الاقتصادى، وليس كما يتردد أن اجازة الصين والتى تمتد فترتها إلى الشهر وتنتهى فى 15 فبراير الجارى، هى السبب الأساسى، فحتى إن كان تراجع الطلب على فتح اعتمادات الاستيرد من الصين سببًا، فهو ليس الأهم، وتحسن المؤشرات الاقتصادية بشهادة كافة المؤسسات الدولية يشير إلى إمكانية استمرار تراجع سعر صرف الدولار ليصل إلى مستويات مقبولة خلال الشهور المقبلة، وإن كان ذلك لا يمنع من ارتداده فى بعض الوقت إلى أعلى، إلا أن الاتجاه بصفة عامة هو «التراجع».
وقال تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار رينيسانس كابيتال، فى تصريحات له منتصف الاسبوع الماضى إن التوقعات إيجابية بالنسبة للاقتصاد المصري، لاسيما مع جدية الحكومة فى تنفيذ برنامجها الإصلاحى والدعم الذى تتلقاه من المؤسسات المالية العالمية، وتوقع روبرتسون تحسن سعر صرف الجنيه ليصل إلى 15.5 جنيه للدولار.
كما أنه لابد من الإشارة إلى أن الارتباك الذى يحدثه الرئيس الامريكى دونالد ترامب من خلال إجراءاته الاقتصادية ومواقفه السياسية، قد كان لهما تأثير على سعر الدولار أمام العملات العالمية فى الأيام الماضية، الأمر الذى يعكس أن العملة الامريكية تواجه مشكلات، أثرت أيضًا على سعرها بالسوق المحلية.
ارتفاع الالتزمات الخارجية.. وواجبات الحكومة
لكننا هنا لا يمكن أن نغفل أن هناك زيادة فى التزاماتنا الخارجية، نتيجة ارتفاع الدين الخارجى إلى مستويات غير مسبوقة (يقترب فى الوقت الراهن من 67 مليار دولار)-  ومع تغير سعر الصرف فإن نسبته إلى الناتج المحلى الاجمالى لاشك فى أنها ارتفعت- كذلك فإن هناك التزامات فرضتها الظروف الدولية من تحرك أسعار النفط عالميا، ولجوء مصر فى الشهور الماضية إلى الأسواق الفورية لاستيراد المواد البترولية اللازمة بعد توقف شركة ارامكو السعودية عن امداد مصر بالمواد البترولية بتسهيلات.
وفى ظل هذه التحديات لابد أن تقوم الحكومة بالاسراع فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتدعيم تحسن الأداء الاقتصادى وتدفق الاستثمار الاجنبى، من خلال الاسراع فى طرح قانون الاستثمار على البرلمان لإقراره فى أقرب وقت، وبدء الترويج بقوة للاستثمار فى محور قناة السويس، والمناطق الاستثمارية ذات الجاذبية، كذلك فإن من الأهمية أن تسارع الحكومة فى تفعيل اتفاقًا تم توقيعه مع العراق لتوفير المواد البترولية بتسهيلات فى السداد، الأمر الذى يقلل من الضغط على الاحتياطى النقدى للبلاد.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك لكن لابد من تكثيف الحملات الترويجية للسياحة المصرية ، لاستغلال تحسن نظرة دول العالم للظروف الأمنية فى مصر وتأمين المطارات بالشكل الأمثل.
وفى هذا الإطار لابد من الإشادة بما قام به البنك المركزى منتصف الأسبوع الماضى، حيث قرر إطلاق مبادرة لدعم تجديد واحلال الفنادق والفنادق العائمة واساطيل النقل السياحى حيث تقوم البنوك بإتاحة مبلغ 5 مليارات جنيه بسعر عائد 10% وبحد أقصى 10 سنوات وفقاً للدراسة الائتمانية للعميل، وهذا يدعم النشاط السياحى، ويساهم فى تعاظم تدفقات النقد الأجنبى للبلاد.
كذلك لابد أيضًا من الإشادة بدور مجلس الدولة فيما يتعلق بإقرار قانون الاستثمار، حيث قام بمراجعة القانون والموافقة عليه فى وقت قياسى من منطلق الشعور بالمسئولية تجاه أهمية هذا القانون لتحسين الأوضاع الاقتصادية للدولة.
أسعار السلع وانخفاض الدولار
وبالانتقال إلى نقطة مهمة وسؤال ملح.. وهو هل سينعكس تراجع سعر صرف الدولار على أسعار السلع التى ارتفعت إلى مستويات غير مقبولة خلال الشهور الماضية؟، والاجابة المفترضة هو أن تراجع سعر الصرف لابد أن يؤثر على أسعار السلع ويدفعها للتراجع، إلا أن الاجابة الواقعية وما اعتدنا عليه هو أن الأسعار حينما ترتفع فى السوق المحلية فإن من الصعوبة أن تتراجع إلى مستويات مرضية مرة أخرى والسبب فى ذلك يرجع إلى ضعف قبضة الدولة الرقابية.
فرغم التصريحات الكثيرة بشأن متابعة الاسواق، والجهود التى تبذل من أجل توفير السلع التموينية، وإن كانت الحكومة قد رفعت سعرها مؤخرًا، إلا أن كل ما يُبذل وكل ما يقال لا يمكن أبدًا أن يواجه سوقا تتحرك من تلقاء نفسها دون رقيب حقيقى.
فكيف لنا أن نترك جهازًا مثل جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ضعيفًا هشًّا فى مواجهة ممارسات احتكارية واتفاقات لرفع الأسعار بين المنتجين، دون أن تلتفت الحكومة لتقويته، فهذا الجهاز لا يملك من أمره شيئًا حيث إنه بعد أن يقوم بدراسات مستفيضة على حالة احتكارية مثلا، يقوم بإحالة الأمر إلى النيابة لتأخذ القضية مسارًا قانونيًا يستمر لسنوات، ومن الممكن خلالها أن تمارس حيلاً، لتخفيف العقوبات أو أن تلغى من الأساس.. كيف لنا أن نترك مثل هذا الجهاز يعمل به فقط 45 موظفًا من أقل عامل إلى رأس الجهاز، وهو يراقب على ملايين الشركات فى السوق.
كذلك كيف لنا أن ننتظر أن تتحسن الأسعار وجهاز حماية المستهلك مازال ضعيفًا لا يقوى على ممارسات التجار، وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة الاسراع فى تقوية الأجهزة الرقابية للدولة لتكون قادرة على مواجهة نسب الارتفاع فى الأسعار غير المبررة بكل قوة، وبما ينعكس على السوق بشكل سريع.
كذلك فإن على البنك المركزى أيضًا أن يستخدم ما لديه من أدوات، وأن يحرك قدرات الجهاز المصرفى لدفع الاسعار إلى التراجع وأن ينتهج سياسة استهداف التضخم، لأن حفظ استقرار الأسعار عند مستويات مقبولة مهمة أساسية من مهام البنك المركزى.