الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الإسلام والديمقراطية فى الميزان.. تونس نموذج




نشر مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط التابع لجماعة برانديز عن مسألة التوافق بين الديمقراطية والسياسات الإسلامية فى العالم العربى اعدتها الباحثة سان فيوز. ورأى بعض المحللين أن السماح للحركات الإسلامية بالمشاركة فى العملية السياسية سيجعلها أكثر لينًا، فبتلك المشاركة تكون الحركات الإسلامية مسئولة أمام ناخبيها فى إطار التحول الديمقراطى الذى يحتاجه الشرق الأوسط العربي. فى حين رأى آخرون أن منح الحركات الإسلامية فرصة المشاركة فى العملية السياسية سيجعلها تتخذ من صناديق الاقتراع وسيلة للوصول إلى السلطة، وبمجرد وصولهم سينقضون على الديمقراطية وآلياتها التى أوصلتهم إلى سدة الحكم.
 
وتشير الدراسة إلى أن الربيع العربى تمخّض عنه وضعٌ لا تُشارك فيه الأحزاب الإسلامية فى العملية السياسية فحسب؛ بل باتت فيه أيضًا هى الجهات الفاعلة المهيمنة. وتحلل فى هذا السياق حكم حزب النهضة، وهو حزب إسلامى فاز بأغلبية الأصوات فى الانتخابات البرلمانية فى العام الماضي، فيما يتعلق بثلاثة مصادر رئيسية للضغط السياسى الذى يواجهه الحزب، ومصادر هذا الضغط أولا فى العلمانيين التونسيين وممثلهم فى الحكومة وثانيا فى السلفيين الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية فى البلاد وأخيرا الاتجاهات الفكرية المتباينة داخل الحزب.
 
فى بعض الحالات؛ لم يكن الإسلاميون الذين صعدوا إلى سدة الحكم قادرين على ترجمة انتصاراتهم الانتخابية إلى حكمٍ فعال، وذلك لأنهم وجدوا أنفسهم مقيَّدين بالمؤسسات «غير الديمقراطية غالبًا» التى خلفتها الأنظمة السابقة. ومن أمثلة تلك المؤسسات النظام الملكى فى المغرب، والمجلس العسكرى الذى كان يحكم مصر حتى وقت قريب.
 
أما فى تونس؛ فاختلف الوضع كثيرًا؛ حيث تمتع حزبُ النهضة الإسلامى بحرية كبيرة فى الإدارة إبان الانتقال السلمى من الحكم الاستبدادى إلى الديمقراطية. وفى حين أن من السابق لأوانه الجزم بأن ثورة الياسمين التونسية ستُرسى فعلًا ديمقراطية مزدهرة فى تونس؛ تقدم الحالة التونسية فرصة لدراسة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية على المستوى الفعلى عنه على المستوى النظري.
ويُشير التقرير إلى أن حزب النهضة الإسلامى أبدى عند تعاطيه مع الضغوط الثلاثة المذكورة أعلاه التزامًا بالمكونات الرئيسية للديمقراطية؛ بما فى ذلك الفصل بين السلطات، والمشاركة فى الانتخابات، وتولِّى المناصب. غير أن للحزب سياسات أخرى من شأنها أن تحد من حرية التعبير عن الرأى فى المسائل الدينية، وأن تقوّض القوانين الليبرالية فى مجال حقوق المرأة، مما يشير إلى أن الحزب يصنع ديمقراطية فى إطار مجتمعى يقيّد فيه الدين العديد من جوانب الحياة العامة، وإلى أن الدولة تفضّل إكساب المواطنين هوية عربية إسلامية دون الاكتراث بحقوقهم كأفراد.
 
الربيع العربى التونسي
 
على عكس نظائرها فى مصر وليبيا واليمن؛ مهدت الانتفاضة التونسية انتقالًا سلميًّا إلى حدٍّ كبيرٍ بعيدًا عن التسلط. ففى أعقاب احتجاجات يناير 2011 التى أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي؛ مهدت سلسلة من الحكومات المؤقتة الطريقَ لانتخابات المجلس الوطنى التأسيسى (أو البرلمان)، والتى اعتُبرت أول انتخابات حرة ونزيهة منذ الاستقلال. وقد حصل حزبُ النهضة الإسلامى الذى كان محظورا إبان النظام السابق على 41% من الأصوات، وفاز بـ89 مقعدًا من أصل 217 مقعدا فى البرلمان. وفى ديسمبر شكّل الحزب الإسلامى ائتلافًا مع اثنين من الأحزاب العلمانية، وهما: حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» اليسارى الوسطى الذى فاز بـ29 مقعدا فى البرلمان، و«التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات» الذى فاز بـ20 مقعدا.
 
ومنح هذا الائتلاف رئاسةَ الوزراء لحمادى جبالي، الأمين العام لحركة النهضة، وانتخب منصف المرزوقي، رئيس «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية»، رئيسًا للجمهورية. كما رشح الائتلاف مصطفى بن جعفر، أمين عام حزب التكتل، لرئاسة المجلس الوطنى التأسيسي.
 
وقد صدر قانون مؤقت فى ديسمبر 2011 يقسّم السلطة بين تلك الكيانات الثلاثة، ولا يزال يُعمل بهذا الدستور المصغّر لحين صياغة البرلمان دستورًا جديدًا. وإدراكا منه أنه سيعجز عن الانتهاء من صياغة الدستور الجديد قبل يوم 23 أكتوبر 2012 كما هو مقرر؛ أعلن المجلس الوطنى التأسيسى مؤخرا أنه سيفرغ من صياغة الدستور بحلول فبراير 2013.
 
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية المستمرة والإحباط بشأن تباطؤ وتيرة التغيير؛ يتمتع حزب النهضة الإسلامى بالشرعية التامة لصياغة دستور جديد، ولقيادة تونس فى المرحلة الانتقالية. وترى الدراسة تلك الشرعية والتى هيّأت الظروف لحكم الحزب الإسلامي.
 
مصادر الضغط
 
يواجه حزب النهضة الإسلامى التونسى ضغوطًا يشكّلها العلمانيون، والسلفيون، والانقسامات الأيديولوجية الموجود داخل الحزب.
 
أولا: العلمانيون
 
كان حزب «التجمع الدستورى العلماني» يهيمن على الحياة السياسية فى تونس فى عهد بن علي، وكانت المعارضة السياسية محدودة للغاية آنذاك. غير أن الشعب ضاق ذرعا فى عام 2011 من الفساد والبطالة، وشن على إثر ذلك احتجاجاتٍ ضد النظام السلطوي. ومن ثم شهدت تونس تناميًا فى عدد الأحزاب العلمانية المسجَّلة، وفى عدد منظمات المجتمع المدنى أيضًا.
 
وعارض العلمانيون ونظراؤهم فى المجتمع المدنى إصلاحات حزب النهضة المقترحة فى أربعة مجالات وهى: الربط بين الدين والدولة فى الدستور الجديد، وحرية التعبير، وحقوق المرأة، وشكل النظام السياسى هل هو نظام برلمانى أم نظام رئاسي.
 
الدين والدولة
 
بعد وقت قصير من تشكُّل المجلس الوطنى التأسيسى فى نوفمبر؛ أثارت مسألة اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسى لصياغة دستور تونس الجديد ردود فعل متباينة؛ حيث أيّد البعض الفكرة على اعتبار أن الشريعة الإسلامية هى هوية التونسيين، فى حين رفضتها الأحزاب اليسارية لكون الدستور لجميع فئات الشعب.
 
ولحسم ذلك الجدل الدائر حول هوية الدولة؛ صرحت حركة النهضة الإسلامية التى تقود الحكومة الائتلافية الحالية المؤقتة فى تونس اليوم فى السادس والعشرين من مارس المنصرم بأنها لن تطالب بأن يكون الإسلام مصدرًا أساسيًّا للتشريع فى الدستور الجديد.
 
حرية التعبير: قوّض تشتت الأحزاب العلمانية فى تونس من قدرتها على الانقلاب ضد حزب النهضة الحاكم، الذى اتخذ قرارا مؤخرا بشأن تقييد حرية التعبير. ويُذكر أن فكرة تجريم ازدراء الأديان فى تونس جاءت بعدما اندلعت أعمال شغب فى 11 يونيو على خلفية ظهور رسوم مسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وأصدرت كتلة من نواب النهضة بيانًا رسميًّا يوم 12 يونيو يدعو إلى تجريم ازدراء الدين، كما اقترحت كتلة أخرى من نواب الحزب الإسلامى فى الآونة الأخيرة مشروع قانون من شأنه أن يجرّم «الإهانة، والألفاظ النابية، والسخرية، والتمثيل» بالله والنبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأن يعاقب كل من ينتهك المقدسات بالسجن والغرامة.
حقوق المرأة: فرض حزب النهضة الإسلامى بعض القيود على الحريات الشخصية للمرأة، مما أثار انتقادات لاذعة من الجماعات النسائية والعلمانية التونسية. فعلى الرغم من تعهُّد الحزب بالالتزام بقانون الأحوال الشخصية الذى يعترف بالرجال والنساء كمواطنين على قدم المساواة؛ اقترح أعضاء من الحزب وضع مواد دستورية تنتقص من وضع المرأة التونسية. وأعرب النشطاء عن غضبهم إزاء نص فى مسودة الدستور والذى يعتبر المرأة هى «المكمل للرجل»، مطالبين بسريان مفعول قانون 1956 الذى يمنح النساء المساواة الكاملة بالرجال. واتهمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لجنة الحقوق والحريات التابعة للمجلس الوطنى التأسيسى بضرب مكاسب المرأة التونسية، والإخلال بمبدأ المساواة بين الجنسين، عند تصويتها على الفصل الثامن والعشرين من الدستور. وأعربت الرابطة عن رفضها القاطع لصيغة هذا الفصل، الذى فيه «انتقاص من كرامة المرأة، ودورها فى المجتمع».
 
شكل النظام السياسي:
 
ثمة خلاف بين حزب النهضة الإسلامى والأحزاب العلمانية حول النظام السياسى الذى ينبغى أن تعتمده البلاد، هل نظام برلمانى أم رئاسي؟. حيث يفضل حزب النهضة الإسلامى النظام البرلماني، فى حين تفضل معظم الأحزاب العلمانية النظام الرئاسى أو شبه الرئاسي. وفى سياق ذلك؛ هددت بعض قيادات حزب النهضة فى المجلس التأسيسى باللجوء إلى الاستفتاء الشعبى فى حالة فشل التفاوض حول طبيعة النظام السياسى المقبل للبلاد.
 
وجدير بالذكر أن النظام البرلمانى المعدّل أو النظام الرئاسى المعدّل يمكّن من انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، فى حين أن النظام البرلمانى يمكِّن رئيس الحكومة من السيطرة على الحياة السياسية، ولا يسمح لرئيس الدولة إلا بسلطات محدودة. ويتيح هذا النظام البرلمانى لأعضاء المجلس التأسيسى (البرلمان) بعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة إمكانية انتخاب رئيس الدولة من الحزب الحاصل على أغلبية الأصوات، مما ينبئ بسيطرة حركة النهضة على كل من السلطة التشريعية الممثلة فى مؤسسة الرئاسة، والسلطة التنفيذية الممثلة فى رئاسة الحكومة.
 
ثانيا: السلفيون
 
تشكّلت فى تونس جماعاتٌ سلفية، منها ما لها ميول سياسية، وأخرى لها ميول اجتماعية. فحزب جبهة الإصلاح، وحزب التحرير، مصنَّفان ضمن الأحزاب ذات الميول السياسية، أما جماعةُ أنصار الشريعة فذات ميول اجتماعية، وترفض المشاركة فى العملية السياسية.
 
وكان حزب النهضة الذى يهيمن على الجمعية الوطنية التونسية قد أعلن فى مارس الماضى تأييده للإبقاء على المادة الأولى فى الدستور التونسى التى تنص على أن «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها». وقد فُسّر الإبقاء على هذه المادة على أنه رفض لمطالب الإسلاميين بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسى للتشريع فى الدستور الجديد، ومن ثم أطلق السلفيون احتجاجات تندد بذلك.
 
ثالثًا: الانقسامات الأيديولوجية داخل حزب النهضة
 
سعى حزبُ النهضة بعد الانتفاضة التونسية إلى تصوير نفسه كحزبٍ متماسك. ومقارنة مع نظرائه من الأحزاب العلمانية؛ أظهر حزب النهضة الإسلامى المزيدَ من الانضباط وحسن التنظيم. بيد أن الانقسامات بدأت تظهر داخل الحزب، بما يمكن أن يؤثر على قدرته على المضى قدما. فعلى سبيل المثال؛ ظهرت خلافات داخل الحزب حول قضايا تتعلق بالمشاركة السياسية والعلاقة بين القانون الدينى والدنيوي.
 
ووفقًا للدراسة؛ أظهر حزبُ النهضة عدة مؤشرات مهمة على حرصه على إرساء الديمقراطية؛ إلا أن تقويضه للحريات الفردية يُثير تساؤلات كثيرة. ودارت بالفعل مناقشات بين مراقبى السياسة العربية فى العقود القليلة المنصرمة حول ما إذا كان الإسلاميون سينتهجون نهجًا ديمقراطيًّا بمعنى الكلمة إذا ما أُتيحت لهم فرصة للحكم.
 
وأخيرًا؛ تُشير فيووَر فى دراستها إلى أن حزب النهضة سيواصل صياغة الدستور الجديد، وسيباشر التحضير للانتخابات التشريعية فى ربيع عام 2013، بيد أنه سيواجه فى الوقت عينه ضغوطًا سياسية من المعارضة العلمانية، وتحديات اقتصادية من فقر وبطالة وتفاوت بين الأقاليم.
 
ويتوقف نجاح الحزب فى إعادة تحديد العلاقة بين الدين والدولة فى تونس على الطريقة التى سيواجه بها تلك الضغوط.