الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ميلاد حنا: «مواطن» بدرجة «مفكر»




قال عن نفسه: «تركيبتى المصرية أقوى من تركيبتى القبطية، وحتى أصدقائى المسلمين أكثر من أصدقائى المسيحيين، ومن ثم فأنا أشعر برضا المصريين عنى، واحتل مكانة مرموقة فى المجتمع المصرى، وأنا مقبول حتى من الإخوان المسلمين»... إنه المفكر ميلاد حنا الذى رحل عن عالمنا مؤخرا عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، حيث إنه من مواليد 1924 أى أنه كان شاهدا على القرن العشرين بالكامل، ورغم دراسته للهندسة وحصوله على الدكتوراه فى هندسة الإنشاءات من جامعة سانت اندرو باسكتلندا عام 1950، فإنه اتجه لشئون الفكر والكتابة، لقد ترك خلفه إرثا غنيا ووافرا من الإبداع المعرفى والثقافى والنضالي، وشكل فضاء عاليا لصورة المثقف الملتزم بقضايا وطنه وأمته، واستطاع أن يقدم نموذجا مختلفًا يليق بمكانة المثقف ومسئوليته وبقى حتى اللحظات الأخيرة مؤمنا بالوحدة الوطنية ومتمسكا بثوابته الوطنية.
 
لم يكن زعيما قبطيا يلجأ إليه المسيحيون فى مشكلاتهم، ولو أراد أن يكون عضوا بالمجلس الملى لأصبح عضوا به، ولكنه لم يسع إلى المنصب لأنه فضّل لقب المفكر على لقب رجل الدين، وكان عضوا بحزب التجمع وعلى علاقة طيبة بحزب الوفد، خاصة أبرز أقطابه فؤاد سراج الدين باشا وإبراهيم فرج، وتولى رئاسة لجنة الإسكان بمجلس الشعب خلال الفترة من 1984 – 1987، لكنه شعر بغياب الأيديولوجيا داخل مجلس الشعب، حيث لم يكن هناك اهتمام بالعدالة الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدنى والتجمعات الشبابية والنقابات المختلفة، وكان دائم البحث عن المغزى المعرفى للثقافى المصرية وكان على تواصل منذ الصغر مع الكتاب والمفكرين، لذلك استطاع أن يمثل ضمير الشعب فى تلك الحقبة التاريخية المهمة، حيث ألف مجموعة من الكتب الفكرية المهمة منها: «أريد مسكنا»، و«نعم أقباط لكن مصريون»، و«دراسات وأوراق عمل حول قضايا الاسكان فى مصر» الصادر عن مجلس الشعب عام 1985، و«ذكريات سبتمبرية»، و«الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، و«حاجة الإنسان العربى للإسكان»، و«صراع الحضارات والبديل الإنساني»، و«قبول الآخر»، وكان يركز فى مقالاته على علاقة الفكر بالمجتمع من منظور الواقعية الجديدة، والواقعية الاشتراكية التى تتخذ النظرية المادية الجدلية اسلوبا لها فى تفسير الأدب، وتؤمن إيمانا مطلقا بدور الإنسان والفرد والطبقة العاملة فى المجتمع، وكان يؤمن بأن الفن يعتبر مرآة صادقة تعكس روح الجماهير والقيم الاجتماعية.
 
وأسف حنا على عدم مشاركته فى ثورة يناير، وكان يتمنى أن يدلى بدلوه فى هذه الثورة مفكرا ومنظرا، ولكن الشباب لم يستعينوا به كمفكر يستطيع أن يساهم فى تحريك الأحداث، وكان مؤمنا بحركة الشباب الثورية التى سوف تساهم فى خلق فاعلية سياسية فى الشارع المصرى.