الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون ينعون: ميلاد حنا مهندس «المواطنة» المصرية




رحل المفكر ميلاد حنا عن عالمنا مؤخرا عن عمر يناهز الثمانية والثمانين، رحل مفكر كبير شاهد على القرن العشرين بالكامل، ورغم دراسته وتخصصه فى الهندسة، اتجه لشئون الفكر والكتابة، تاركا خلفه إرثا غنيا ووافرا من الإبداع المعرفى والثقافى والنضالى، وشكل فضاء عاليا لصورة المثقف الملتزم بقضايا وطنه وأمته، واستطاع أن يقدم نموذجا مختلفا يليق بمكانة المثقف ومسئوليته، وبقى حتى اللحظات الأخيرة مؤمنا بالوحدة الوطنية، ومتمسكا بثوابته الوطنية..
 
الدكتور رفعت السعيد: ميلاد حنا ... واحد من أشهر المفكرين الوطنيين والتقدميين الاشتراكيين فى تاريخ الوطن العربى كله، خاض معارك ضارية دفاعا عن وحدة الوطن وحقوق المواطن والعدالة الاجتماعية، واستمر فى مسيرة العمل السياسى الصعب حتى اعتقله الرئيس السادات ضمن اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة، وخرج من المعتقل أكثر صلابة، وكان نموذجا للمثقف التنويرى الذى يخوض معركة التنوير دفاعا عما يعتقد به، وليس لمجرد أن ينسب لنفسه قولا مستنيرا.
 

 
وأعتقد أن الحركة الثقافية المصرية فقدت واحدا من الذين يصعب أن نعوضهم فى هذا الزمان الكئيب.
 
وأضاف السعيد: كان ينتقد الأوضاع القائمة ونحن ننتقد معه، وكان له كتب وكتابات مهمة فى مواجهة التعصب الديني، وعدم الإقرار بالحقوق الكاملة للمسيحيين، خصوصا أنه لم يكن من رجال الكنيسة، وكانت هذه المسألة تقض مضاجعه، ولكنه كان يؤمن بفكرة مركزية ابتكرها وهى أن حزب التجمع يجب أن يدافع عن المهمشين والمرأة والنوبيين والأقباط.
 
الدكتور عاصم الدسوقي: كان ميلاد حنا نموذجا للانسان المصرى المؤمن بوحدة الوطن وقد دافع عن هذا كثيرا وكتب العديد من المقالات فى الصحف خاصة «الأهرام» التى كان كاتبا متفرغا بها، وشارك فى العديد من الندوات، وكان يتحدث عن التاريخ المشترك والعادات والتقاليد التى تجمع المصريين، أكثر مما يفرقهم على مستوى الأديان، ولا ننسى كتابه المهم الذى أصدره عندما أطلت الفتنة الطائفية برأسها وهو (أقباط ولكن مصريون)، كتاب رائع يتحدث عن هذه الفترة وهو يوثق لمثل هذه الشخصيات التى نذرت نفسها لجمع شمل الوطن ومحاربة جميع التيارات التى تقسم المصريين، وكان مهتما بالبعد الاجتماعى والعدالة الاجتماعية، لأنه كان منتميا فكريا لليسار الذى يدافع عن العدالة الاجتماعية من خلال دور الدولة فى الاقتصاد الذى يحقق التوازن والعدالة بين المواطنين.
 
وأضاف الدسوقي: لقد كان ميلاد حنا مؤمنا بأن الثقافة المشتركة بين المصريين توحدهم أكثر مما تفرقهم على مستوى الأديان، ولكن للأسف الإخوان لم يكونوا على نفس المستوى معه، لأنهم يتبعون حسن البنا حيث قال فى الوثيقة التى صاغها فى مايو عام 1948: (إقامة الحكومة الإسلامية، والفرد المسلم، والمرأة المسلمة، والأسرة المسلمة .. إلخ) وفى كتاب سيد قطب «فى ظلال القرآن» يقول: لا تشترى من غير المسلم، ولا تجعل أموالك تذهب لغير المسلم، فالإخوان ينظرون إلى المصريين المسيحيين على أنهم أهل الذمة، رغم ان الوالى محمد سعيد باشا أصدر فرمانا عام 1855 بإلغاء ضريبة الجزية، التى كانت تفرض على غير المسلمين.
 

 
الكاتب الصحفى نبيل زكي: كان ميلاد حنا مفكرا عظيما له مساهمات كبيرة فى الوحدة الوطنية، والتأكيد على وحدة النسيج الوطنى الواحد، كان قيمة كبيرة وقامة فكرية عالية، قدم مساهمات فكرية قيمة، ومجموعة من الكتب ستبقى على مر الزمن مادة ثرية لكل من يحب هذا الوطن، وقدم أيضا دراسات تصلح كأساس لتأصيل مبدأ المواطنة، واتخذ مواقف وطنية كبرى من وحى ضميره دفاعا عن الاستقلال الوطني، وضد التدخل الأجنبى فى شئون مصر وضد إسرائيل وضد الهيمنة الأمريكية وسياسات أمريكا فى المنطقة، وخاض معارك ضد الرجعية، وكان دائما يقف إلى جانب التقدم الإنسانى ومدافعا عن الحرية والكرامة وكانت القضايا التى يؤمن بها إحدى الوسائل التى مهدت الطريق لاندلاع ثورة يناير.
 
وعلى المستوى الإنسانى كان دمث الحلق، ومتواضعا وبشوشا، وكان على علاقة طيبة بجميع الأطياف السياسية، وكان كاتبا مبدعا، ومحاورا فذا، وسوف تبقى أفكاره نبراسا لنا نستضىء بها فى مسيرة هذا الوطن.