الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سونيا بوماد: الجوائز المشبوهة أفرزت أدبا لا يرقى للمستوى العالمى

سونيا بوماد: الجوائز المشبوهة  أفرزت أدبا لا يرقى للمستوى العالمى
سونيا بوماد: الجوائز المشبوهة أفرزت أدبا لا يرقى للمستوى العالمى




حوار – خالد بيومى

«سونيا بوماد»، روائية وصحافية وناشطة اجتماعية  لبنانية فى مؤسسة» كاريتاس» فى النمسا، تركت لبنان مجبرة عقب إصابة ابنتها فى حرب لبنان عام 2006، وتتمنى العودة إليها لأنها ذاقت مرارة الغربة، وإن كان للغربة وجه إيجابى تمثل فى كتابتها مجموعة من الروايات المهمة التى تناقش إشكاليات العصر، منها: «التفاحة الأخيرة، كايا، وأنا الآخر»، وكان باكورة كتاباتها «لاجئة إلى الحرية».. وكشفت «سونيا» عن فضيحة مدوية تمثلت فى كون الروايات العربية الحاصلة على جوائز مشبوهة، عندما يتم ترجمتها للغات الأجنبية تصدم القارئ الغربى لأنها لا ترقى لمستوى الأدب العالمى ومآلها حطب المدفأة، كما أكدت على ضرورة تعليم المرأة العربية حتى لا تربى أجيالاً لديها استعداد للعنف والإرهاب.

■ كيف تقدمين نفسك للقارئ العربى؟
- على الرغم من تلك الإنجازات التى كللت سنوات غربتى العشرة الأخيرة، وبالرغم من ذلك الحصاد المثمر فى مجال الأدب والإعلام والعمل الإنسانى، إلا أنى أفضل ألا أحصر نفسى بلقب معين أو مكان معين، فأنا مواطنة عربية مقيمة فى النمسا ولدت فى لبنان، أما ولادتى الأدبية فتحمل الجنسية المصرية، وولادتى فى مجال العمل الإنسانى نمساوى وأفتخر بهذه التجربة، وأدين لهذه الدول التى حضنتنى وجعلت منى سونيا الآن.
■ هاجرتى من لبنان إلى النمسا فى 2006.. لماذا يقسو الوطن على أبنائه ويدفعهم للهجرة؟
- الوطن ضحية كما المواطن، وأرفض أن ألقى مسئولية مآسينا على أرض جبلت أجسادنا من ترابها،، ولكن هناك من يصون ومن يخون تلك الأوطان، أما السياسة والحروب ومن يقودها فهم من باعوا ورموا بِنَا إلى المجهول، تلك الحرب التى دمرت لبنان فى ذلك العام ومن أشعلها هم المسئولون عن وجعى على ابنتى التى سقطت جريحة جراء رصاصهم القاتل، ومسئولون أيضا عن وجع كل معاق،  وجريح، ويتيم ومهاجر، فلتسامحنا أوطاننا؛ لأننا تركناها لهم باكية صاغرة، فمسئوليتنا تجاهها اليوم تجبرنا أن نكون لكى تكبر وتكون بإنجازاتنا مضرب الأمثال للعالم بعيدا عن الموت والعنف، التشرذم والإرهاب.
■ الغربة.. ماذا أعطتك وماذا أخذت منك؟
- الغربة أعطتنى مرارة التجربة، تجربة كنت أقرأ عنها بين سطور جبران ونعيمة وأمين معلوف وغيرهم، أفاضت عليّ بمشاعر إنسانية جارفة جعلتنى أتعاطى مع الإنسان بتجرد، دون أن أرى فيه سوى روح الله التى يقاسمنى بها، أعطتنى حرية الرأى وجعلتنى اخرج من مجتمع المجاملات لأكون أنا، وأقسّم محبتى على كل من حولى دون تمييز، على عائلة كبرت حتى أصبحت بمساحة الكون، وأخذت منى حضن العائلة التى ولدت فيها فبعد عشر سنوات تبددت ملامحى فى مخيلتهم، ومحبتى فى قلوبهم ولم تعد «سونيا» ملكاً لأحد وابنة أحد وشقيقة أحد.. لقد أصبحت ملكا لكل من يؤمن بفكرها وقلمها وهذه ضريبة النجاح الموجعة الممتعة.
■ هل تخليتِ عن بيروت أم بيروت تخلت عنك؟
- لازالت رائحة التراب عالقة فى الذاكرة، ونكهة الماء والزيت والزيتون وعطر زهور الحقول وخرير الجداول وانكسار الموج على الشطآن.. الأوطان لا تتخلى حتى عن الموتى ولكن نحن من نطوف كما النحل لنعود بعد ضجر ووجع يفوق وجعنا فيها معلنين انكسارنا أمام محبتها، وللأسف لا ندرك تلك القيمة إلا بعيد الرحيل.
■ مارستِ العمل الاجتماعى من خلال مؤسسة «كاريتاس» النمسا، ماذا علمتك هذه التجربة؟ ومدى حضور الجانب الإنسانى فى محاكمات ومخيمات اللاجئين؟
- بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وبعد الدمار المروع الذى لحق بأوروبا، استفادت تلك الشعوب من تجربتها تلك وبنت مجتمعا جديدا قائما على شريعة واحدة اسمها الإنسان أولا. هذه المؤسسة الكاثوليكية، والتى كانت نموذجاَ لتحول الدين من الفاشية إلى الإنسانية قلبت كل المقاييس رأسا على عقب، فحولت مؤسساتها وكل ما تتلقاه من دعم لخدمة الإنسان أولا وكما ترون فهم يخدمون الجميع حول العالم بدون استثناء وموظفيها ينتمون إلى كل الأعراق وكل الجنسيات والأديان، عملى ضمن هذه الكتلة المتنوعة بعد أن عايشت العنصرية المتفاقمة فى مجتمعاتنا بلور إنسانيتى وصقلها، وبعد ما ذكرت فليكن الجميع على ثقة أن الوافدين بكل انتمائاتهم وكل روح بشرية تعيش تحت ظل قانون هكذا، فمؤكد أنها فى أيد أمينة، ولن تظلم طالما كانت صادقة ومطلب حمايتها محق، وقد استفضت فى شرح هذا من خلال سيرتى الذاتية «لاجئة إلى الحرية» وفى رواية «التفاحة الأخيرة» تفاحة العدالة، القانون والمساواة.
■ لماذا اخترت الرواية كجنس أدبى كفضاء لإبداعك؟
- بعد هذه التجارب المريرة التى أحاطت بى، من إصابة ابنتى وهجرتى وبناء نفسى وعائلتى من تحت الصفر فى بلد جديد ولغة جديدة ومجال عمل جديد، بعيدا عن تدريس البيانو الممتع، كان هناك بركان يغلى فى داخلي، ولم تكن شجاعتى تحملنى على البوح،، كنت خائفة من كل شىء على كل من أحب، ولكن رغبتى بالبوح كادت تقتلنى، لهذا قررت أن أخرج كل ما يحدث معى وأمامى فى قصص أرويها بإسهاب دون أن يطالنى أى انتقاد أو إدانة، من سجن الترحيل إلى بيت النساء المعنفات إلى مراكز المسنين وذوى الاحتياجات الخاصة، إلى تلك الجرائم التى ترتكب باسم الدين، إلى سطوة السياسيين، فى فضاء الرواية، رغم تلك الحدود فبالإمكان أن تكون حرا طليقا إن أتقنت صياغة نصوصك وأشبعتها بما تريد قوله، دون أن تمكن من لا تشده المعرفة من دخول عالمك وتجعله يفهم ما يجب دون أن تستفزه.. فى بحور الرواية بإمكانك أن تدس السم الذى يشفى من الجهل فى أكوار العسل اللذيذ المذاق، ولهذا السبب تقرأ كتبى باهتمام، فكل يجد فيها ما يبحث عنه ولهذا أنا الآن هنا أنتمى إلى عالم الرواية لأرفعها وترفعنى لأحميها وتحمينى.
■ ما الفرق بين المرأة العربية والمرأة الأوروبية؟
- المرأة هى المرأة أينما كانت، هى الأرض والأم والحبيب، الفرق الوحيد أن المرأة الأوروبية حالفها الحظ بعد الحروب العالمية، وأخرجت بعد أن تحملت عبء بناء أوروبا على كاهلها، أخرجت من دائرة المفعول به بكل المجالات لتكون الفاعل الذى ألقوا على عاتقه بناء الأوطان، التعليم الإلزامى أتاح للمرأة أن تتساوى مع الرجل فى كل الميادين وهذا ما ينقص المرأة العربية، محو الأمية وإدخالها فى سوق العمل واحترام حقوقها فلازالت نسبة النساء المتعلمات العاملات مخجلة بالمقارنة مع دول العالم الأخرى، ولهذا يتفشى الجهل والإرهاب والعنف فى مجتمعاتنا، فامرأة متعلمة واعية لن تدين امرأة أخرى لن تشغلها التفاهات، ولن تربى إرهابياً ولن تخرج رجالا يمارسون العنف على النساء وعلى كل ضعيف.
■ هل استلهمت التاريخ فى رواية «كايا» وبرأيك ما الحدود التى يجب ألا يتخطاها الروائى عند استلهامه التاريخ؟
- فى رواية «كايا» استحضرت شخصية مثيرة من أسطورة، معظمها حقيقى بشهادة علماء الجيولوجيا، ونادرا ما أجد فى عالمنا العربى من يعرف أن اسم قارة أوروبا مشتق من اسم أميرة فينيقية فرعونية، هذه الحضارة الحديثة التى أعيش فيها الآن والتى يتغنى العالم بها قد أتت من أرضنا،، طبعا أن تعيد كتابة الأسطورة فى ظل غياب المراجع التى ربما طمست عن عمد فالباحثون فى الغرب قد دفعوا الملايين ليثبتوا أن الأميرة أوروبا يهودية من بلاد كنعان، وهذا ما جعلنى أحضر أوروبا بنفسها إلى عالمنا هذا لتقول لهم أنا فينيقية وأجدادى فراعنة، وما يحدث الآن مميت ومخجل أن يتحول أجدادى إلى قتلة وإرهابيين، وبرأى النقاد والقراء فلقد نجحت التجربة وقد تجاوز إصدار الرواية بعد سنتين الطبعة الرابعة.
■ جاء كتابك الأول بعنوان «لاجئة إلى الحرية» برأيك هل الحرية تطلب أم توهب؟
- كما جاء فى كتابى «لاجئة إلى الحرية»، الحرية والسلام قيم لا توهب ولا تطالب بل هما نهج وقيم يجب أن نؤمن بهما، وأن نتربى عليهما كما الماء والهواء لكى نعتنقهم وليصبحوا جزءا لا يتجزأ من سلوكنا اليومى ومن تعاطينا مع الآخر.
■ برأيك هل يمكن أن يساهم الأدب فى الحوار الحضارى بين الشعوب؟
- مؤكد، فالأدب غذاء العقل، وعندما تتذوق أدب الحضارات الأخرى ستتمكن من فهمها، وسيصبح هذا الغذاء الجديد جزء اًمن تفكيرك وسيؤثر عليك سلبا أم إيجابا،، لهذا تجدنى أطالب دائما بترجمة الأدب العربى الصحيح، لكى يتمكنوا من سماعنا بلغاتهم، وأطالب بوقف مهزلة الجوائز الأدبية التى تصدر لنا أفشل أنواع الكتب، تترجمها وتنشرها فى بلاد العالم، تلك الجوائز المشبوهة والتى بات القارئ العربى مدرك لمصالحها ومحسوبيتها والتى يقع فى فخها القارئ العالمى، عندما يصل إلى يديه رواية مترجمة لا ترقى لمستوى الأدب العالمى، ولا تصلح سوى كحطب للمدفأة.
■ كيف ترين حضور الأدب العربى فى النمسا؟
- سأتكلم فى العالم الغربى عامة، مؤكد أنهم يعانون مثلنا من التباين والتشرذم، لقد طالبت من إدارة أحد معارض الكتاب فى الخليج بأن يدعموا كتاب المهجر لأننا سفراء الوطن العربى الفعليّون، ولأننا نعانى الأمرّين لنكتب وننشر فى بلادنا بعيدا عن مكان إقامتنا، وطالبت بأن يكون فى معارض الكتاب العربية جناحا خاصا لكتاب المهجر، وجاء الرد صادما «لماذا نساعدكم وأنتم تحلقون بعيدا عن السرب؟»، «عندما تثبتون ولاء الطاعة نحن جاهزون للمساعدة».. إننا ككتاب عرب نعانى بشكل ما كل ما يعانيه الوطن العربى وهذا مؤسف عندما يعلو صوت الانتماء والدين والعنصرية على صوت الفكر والأدب والتنوير.
■ بماذا تحلمين؟
- أحلم بأن أعود يوما إلى لبنان فكونى لاجئة لا يحق لى بعد العودة إلى هناك.. وأحلم بأن أنعم بحضن أمى من جديد وأحلم بأن يعم السلام كل بلاد العالم وأن ينتهى الجوع وتنتهى الحروب، وهناك حلم ووصية خاصة أشاطر فيها الأديبة «مى زيادة» وهو أن أدفن بعد موتى فى تراب مصر الحبيبة بين من أحب فلقد أتعبتنى هذه الغربة إلى حد الموت.
■ إلى أين يقف طموحك؟
- لازال هناك الكثير من الظلم الذى شاهدته وعايشته وعشته ولم أكتب عنه.. أريد أن أكتب وأن أكتب وأن أكتب ما رأيت وعايشت حتى يسمعنى الجميع، أريد أن أوقظ الإنسان فينا، وأن انفض عنه الغبار وأن أخذ بيده إلى حيث لا خوف ولا موت ولا دمار حيث نتصالح مع أنفسنا مع الإنسان ومع الله، سأكتب لكم إلى أن يداهمنى الموت، ويوقف ذلك الصراخ الذى يضج فى داخلى وذلك الطموح الذى لن ينتهى إلا عند نهاية الحياة.