الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الحمى القلاعية» كـابـوس يهـدد الفلاحـين

«الحمى القلاعية» كـابـوس يهـدد الفلاحـين
«الحمى القلاعية» كـابـوس يهـدد الفلاحـين




تحقيق وتصوير – محمد السيد

مأساة جديدة تُصيب أهالى قرى ومراكز محافظات مصر بالحزن الشديد بسبب النفوق الجماعى والمفاجئ للماشية، وما يترتب عليه من تهديد للأمن الغذائى.
 مرض فيروسى سريع الانتشار، له 7 سلالات يصيب الأبقار، الماعز، الأغنام، والجمال، ينشط فى فصل الشتاء، وينتقل عبر الرياح.. إنه مرض «الحمى القلاعية»، الذى تسببت فى خسائر فادحة للعديد من المزارعين خاصًة الذين يعتمدون عليها كمصدر زرق لهم.
فى جولة داخل محافظتى الدقهلية والغربية، التقت «روزاليوسف» ببعض أصحاب رؤوس الماشية النافقة، واستمعت إلى أنينهم بعد أن أصبحت الحظائر خاوية على عروشها.

 
المزارعون
 روى عبدالسلام البسيونى– فلاح – قصته بنبرات يملؤها الحزن، منكسًا رأسه فى الأرض مع فيروس الحمى القلاعية التى قضت على ما يملك، قائلًا: اشتريت 3 أبقار لتسمينها كى تساعدنى فى الإنفاق على فلذات أكبادى، وأضاف إن ثمنهم لم يكن متاحا معه بالكامل، فاضطر لاقتراض باقى المبلغ، إضافة إلى أنه قام بشراء أدوية لهم خلال 9 أيام بـ 3 آلاف جنيه، وفى النهاية نفقوا ولا يعلم كيف يعوض كل هذه الخسائر.
«ربنا يعوض علينا» بهذه الكلمات بدأ هانى البنا – فلاح – حديثه وعيناه تزرف بالدمع، معبرًا عن حزنه الشديد بسبب نُفوق إحدى أبقاره، فيتكلم دقائق ويصمت أخرى، وتابع: بدأ المرض بامتناع الماشية عن الأكل لمدة يومين، فذهب للوحدة البيطرية، واصطحب الطبيب معه حيث مكانهم وأعطاهم الجرعة، ثم تحولت الحالة من السيىء إلى الأسوأ حتى نفقت.
محمد أبوشهاوى – فلاح من الدقهلية - يقول وقلبه يعتصر ألمًا «اشتريت أدوية بـ 700 جنيه فى 4 أيام وفى النهاية نفقت ماشيتى»، موضحًا أنه لم يتوان عن إحضار الطبيب البيطرى لعدة مرات لهم، وفى كل مرة يتكبد مبلغ 150 جنيهًا قيمة الكشف.
أما أيمن صالح – فلاح من الغربية – قال وعيناه تزرفان الدموع على مصدر رزقه الوحيد، «يبدو أننى مقبل على أيام عصيبة بسبب كثرة الديون التى أغرق فيها، خاصة بعد نفوق كل ما أملك «بقرة وجاموسة»، كانتا تقومان بسترى أنا وأسرتى، مواصلًا أن الحمى القلاعية ظهر أعراضها على الماشية الخاصة به على هيئة التهابات فى الفم والقدمين، وسيلان من الفم، وبعدها انقطعت عن الأكل عدة أيام إلى أن نفقت.
ويوضح السيد أبوخضرة – فلاح – أن عدد الحيوانات النافقة بمنزله 6، ففى البداية ظهر عليهم علامات المرض كخروج سوائل ذات اللون الأصفر من الفم، وارتفاع درجة حرارتها، وتابع: على الفور ذهبت إلى الوحدة البيطرية، وحددوا لهم جرعات علاجية تتناولها بمعرفة الطبيب المختص، ولكن بلا فائدة، حتى تمكن المرض منهم أكثر إلى أن نفقوا واحدة تلو الأخرى، وتكبدت خسائر قرابة الـ90 ألف جنيه، مؤكدا أنه لم يكن الحالة الوحيدة فى القرية.
 
بيطريون
من جانبه عقب الدكتور سامح السيد – طبيب بيطرى – أن مرض الحمى القلاعية يسببه فيروس «foot and mouth virus»، وهو مرض اليد، والقدم، والفم، والذى يصيب الحيوانات ذات الحافر، ولا يُصيب الطيور، مشيرًا إلى أن هذا الفيروس يوجد منه 7 سلالات معروفة عالميًا، من بينهم سلالتان موجودتان فى مصر منذ فترة، لكنه فى البداية كان غير نشط، والحيوانات المصابة بالحمى القلاعية تأخذ فترة مرض وتشفى من تلقاء نفسها، أما الآن فالماشية المصابة لو لم تعالج بأقصى سرعة يتحور الفيروس إلى «كلوستريديوم وباستريلا» اللذان يدخلان على القلب والقناة الهضمية، وهذه الحالة لا يوجد لها علاج، وأضاف إن المرض قد ينتقل للإنسان، وبالفعل حدثت واقعة مشابهة، وسُجلت علميًا، مبينًا أن صغار السن الأكثر تعرضًا للحمى القلاعية.
واستكمل: يظل الحيوان حاملًا للمرض، ولا تظهر عليه الأعراض لمدة بين يومين و10 أيام، مشيرًا إلى أن الحيوانات الصغيرة غالبًا تموت قبل أن تظهر عليها الأعراض، أما الحيوانات الكبيرة تقاوم وتتحمل المرض حتى ظهور الأعراض عليها، وقال: نعانى من مشكلة كبيرة فى اللقاحات والأمصال تمس الفلاح المصرى الذى يعتمد على الهيئة البيطرية فى الأمصال، مؤكدًا أن التحصينات الواردة من الإدارات البيطرية غير سليمة، وجميع المربين يشكون من تحصينات الإدارة، لأنها لا تأتى بآثار إيجابية، وكل هدف الإدارة هو جمع أكبر عدد من النقود، واستطرد: أما التحصينات الواردة من أسبانيا وهولندا وأمريكا فمضمونة ونتائجها فعالة وتأتى بنتائج سريعة.
وواصل: الفيروس لا ينتشر فى جسد الماشية فقط، ولكنه يُصيب ألباناها أيضًا، إلا أن معظم الفيروسات حساسة تُقتل بدرجة الحرارة حتى لو كانت أقل من درجة الغليان، فالبسترة على 60 أو 70 درجة مئوية تقتله، وشدد على ضرورة غليان الألبان حتى لا تسبب أى مخاطر.
وأوضح الدكتور سامى طه - نقيب البيطريين - أن الحمى القلاعية مرض وبائى شديد الخطورة وموجود فى بلاد كثيرة، مشيرًا إلى أن البلاد المتقدمة، كـ الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، عندما تظهر بها بؤرة حمى قلاعية، تقوم بإعدام البؤرة كاملة، موضحًا أن طريقة السيطرة فى مصر على الحمى القلاعية، ليست بالاستئصال ولكن بالتحصين والحجر، ويتم التحصين داخل الجمهورية بلقاح مصل تنتجه المعامل البيطرية بالعباسية، وكان يُصرف بالمجان حتى العامين الماضيين على مستوى الجمهورية بنسبة 80%، ولكن تعديل قانون الزراعة تسبب فى  تقليل كفاءة التحصينات.
وقال: ظهرت بؤر كثيرة داخل مصر للحمى القلاعية، واشتدت فى 6 محافظات تقريبًا وهى «السويس، الاسكندرية، الدقهلية، الغربية، المنوفية، وسوهاج»، وأضاف أن هناك تعتيمًا على هذه البؤر مما تسبب فى انتشارها بكثرة، ولا يتم أخذ عينات بمعرفة معهد بحوث صحة الحيوان التابع لمركز البحوث الزراعية، وبالتالى لا يتم رصد سلالة الفيروس الحقيقية الموجودة وحصرها، وأكد أن فيروس الحمى القلاعية 7 سلالات، ونتيجة الاستيراد غير المُرشّد دخل فى مصر سلالة «a»، وفى عام 2012 دخلت سلالة «cat2»، وغالبا يوجد سلالات فرعية لا يعلم بها أحد.
وتابع: المرض يتسبب فى نفوق عدد كبير من الحيوانات، الأمر الذى يؤدى الى خسارة الثروة الحيوانية، كما أن الحيوان المصاب يقل وزنه، موضحا أنه فى عام 2006 خسرت مصر 3 مليارات جنيه، بسبب هذه المعضلة ومازالت الخسارة مستمرة حتى الآن، وشدد على ضرورة منع حركة الحيوانات والتحصين بصفة مستمرة، مواصلا أن وزير الزراعة مسئول بصفته عن الهيئة العامة للخدمات البيطرية، ومعهد بحوث الصحة الحيوانية.
وأوضح الدكتور محمد جمعة  - نقيب عام الأطباء البيطريين بالدقهلية - أن الحمى القلاعية منتشرة بشكل مبالغ  فيه على مستوى الجمهورية، والإصابة شديدة فى مختلف المحافظات، مشيرًا إلى أنه سيتم الإعلان خلال أيام عن مؤتمر للحد من الحمى القلاعية، واتخاذ التدابير والآليات للقضاء عليه نهائيًا بمشاركة معامل ومديرية الطب البيطري، وجامعة المنصورة، موضحًا أن السبب الرئيسى فى انتشار الفيروس بين الحيوانات هو اختلاطها ببعضها، فأثناء نقلها من محافظة إلى أخرى تنتقل العدوى وينتشر الفيروس، وقال: أحيانا يقوم أحد الأفراد بشراء حيوان من السوق، وعندما ينظر إليه المواطن يعتقد أنه سليم لا يوجد به أمراض أو فيروسات، وفى الحقيقة تجده مصابًا بإحدى السلالات.
واستطرد: فترة الحضانة تكون 10 أيام، وفى مرحلة العدوى، ننصح المواطنين الذين اشتروا ماشية بعزلها لمدة 15 يومًا للحماية، والالتزام بالتحصين كل 6 أشهر، وأخذ العينات عن طريق هيئة الخدمات البيطرية، مبينًا أن الموت المفاجئ ليس من الحمى القلاعية وحدها لكنه يدخل تحت بند المناعة الضعيفة، وفى حالة ظهور حالات يجب استدعاء الطبيب، لأنه يعلم الأسلوب العلمى فى التشخيص والعلاج، أما من يخالف فيتعرض لدفع غرامة مالية علاوة على نفوق الحيوانات، ولا يصرف له تعويضات، فمنذ 4 سنوات حدثت كارثة نفوق بشكل كبير على مستوى الجمهورية، وتم صرف مبالغ للمتضررين، لكن الآن لا يوجد تعويضات لغير المؤمن عليه.
واستكمل: فى حالة الاصابة نحاول التخلص من النافق بشكل سليم سواء بالتعقيم أو المطهرات، وفى الحالات الوبائية يجب اتباع التعليمات الوقائية، والالتزام بالنظافة، وتطهير الحظائر والأوانى أو التخلص الآمن منها، والنافق يتم التخلص منه فى محرقة أو يدفن، ونحذر المواطنين من إلقاء النافق فى المياه أو على جانبى الطريق.
 
الخدمات البيطرية
تواصلنا مع اللواء دكتور إبراهيم محروس - رئيس هيئة الخدمات البيطرية -  للوقوف على حقيقة الأمر، ومعرفة الآليات المتبعة للسيطرة على المرض، ومعرفة حجم الخسائر على مدار5 أيام فلم يرد فى البداية ثم أكد «أنه مشغول»، دون جدوى.
أما الدكتور أشرف توفيق – مدير الطب البيطرى بالشرقية – فنفى وجود مرض الحمى قلاعية بالمحافظة، وواصل: «أنا كتبت بيان وأرسلته للمحافظة، وخد معلوماتك من هناك».
أما الدكتور محمد شريف – مدير عام الطب البيطرى بشمال سيناء – أن المديرية تعد برنامجًا كاملًا لتحصين الثروة الحيوانية كل 6 أشهر داخل المحافظة، مشيرًا إلى أنهم حصلوا على قرار من اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء بمنع انتقال الحيوانات من محافظة لأخرى، إلا بشرط أن تكون حاملة لشهادة تفيد خلوها من الأمراض الوبائية ومحصّنة ضد الحمى القلاعية، كما يوجد متابعة فى الأسواق بالموقف الوبائى، ومراقبة فى المجازر لجميع الحيوانات، لأنها قد تكون مصابة بالحمى القلاعية خاصة الحيوانات الموجودة فى المحافظة، لأن اعتماد ذبحها يأتى من المحافظات الأخرى، سواء من الجزارين أو التجار فيتم الكشف عليها.
وفى حالة ثبوت أى بؤرة يتم السيطرة عليها وإخضاعها للتحصينات، وغالبًا يكون معظمها لصغار المربين مجانًا فلا يوجد لدينا مشروعات كبيرة، لأن معظم التجمعات صغيرة ينطبق عليها قانون الإعفاء من التحصينات، وهى لقاحات من وزارة الزراعة، إضافة إلى وجود حملات إرشادية للمربين، ولم نتعرض قبل ذلك لخسائر الحمى القلاعية لأنها لم تظهر لدينا، متابعًا أنه فى حالة ظهور بؤر يتم إبلاغ هيئة الخدمات البيطرية، واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع انتشارها.

وزارة الزراعة
قال الدكتور حامد عبد الدايم – المتحدث الرسمى باسم وزارة الزراعة – أنه تم عقد ندوات توعية فى مختلف محافظات الجمهورية، لإرشاد المواطنين بكيفية التعامل مع الحمى القلاعية، بواسطة أطباء متخصصين بالمديريات والإدارات البيطرية المختلفة، مشيرًا إلى أنه تم التحصين فى البؤر المصابة فى نطاق نصف قُطر «10 كم» مجانًا، وأضاف: إن برنامج التحصين الدورى يتم كل 4 و6 أشهر، موضحًا أنه فى حال الاشتباه بوجود بؤر يتم سحب العينات لفحصها بمعامل معهد بحوث صحة الحيوان، للتأكد من نوع المرض، وكذلك عزل وعلاج الحالات المرضية، وتنظيف وتطهير مكان التربية، والتخلص الصحى والآمن من النافق لمنع العدوى.
وناشد المواطنين بالتعاون مع الجهات المعنية فى حالة ظهور أعراض إصابة، الإبلاغ عنها لبتر المشكلة قبل أن تصيب الآخرين، وشدد على ضرورة الاعتماد على الأطباء البيطريين، مطالبًا الفلاحين بالتحصين الدورى المستمر، خاصة قبل دخول فصل الشتاء، حيث تبدأ الطوارئ فى جميع مديريات الطب البيطرى، بسبب كثرة الأمراض فيه.
 وواصل: يجب على المواطنين أخذ الحيطة أثناء شراء عجول من أسواق الحيوانات المفتوحة، وأخذ كافة التحصينات، ومنع حركة الحيوانات أوانتقالها خلال فترة انتشار المرض، إضافة إلى عمل تحرى وبائى فى نطاق البؤرة للوقوف على حقيقة الوضع وسبب البؤرة ومدى انتشارها لتحديد الإجراءات الوقائية المناسبة.
 
نقابة الفلاحين
وناشد حسين أبوصدام – نقيب عام الفلاحين - اللجان البيطرية بتشكيل غرف عمليات فى جميع قرى ومراكز محافظات مصر، إضافة إلى تحصين الحيوانات بلقاح «ثلاثى العترة» ضد الحمى القلاعية مجانًا، مع ضرورة التوعية بأهمية التحصين البيطرى، من أجل الحفاظ على الثروة الحيوانية من انتشار الفيروس بها، وحفاظًا على صحة المواطن المصريى، شدد على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمواجهة هذا المرض اللعين المتسبب فى نفوق الحيوانات، وتكبيد الفلاحين خسائر فادحة، وذلك بعد ظهوره فى عدة محافظات، مطالبًا الجهات المعنية بحظر نقل الماعز، والجاموس، والبقر، والأغنام، والجمال، بين محافظات الجمهورية، وذلك للحد من انتشار الحمى القلاعية فى باقى المحافظات، خاصة أنها تنشط فى فصل الشتاء.