الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أخذت من بيجار الصوفية ومنحته صوت أم كلثوم!

أخذت من بيجار  الصوفية ومنحته  صوت أم كلثوم!
أخذت من بيجار الصوفية ومنحته صوت أم كلثوم!




كتبت_هند سلامة


«ارقص الكون يرقص».. كان هذا شعار جلال الدين الرومى فى سلك طريق العشق الإلهى واكتشاف التوحد مع الكون عندما اخترع رقصة الدراويش بعد لقائه بشمس التبريزى، وكذلك تبنى فى حياته وفى عمله نفس الشعار الكريوجراف «مصمم الرقص» والفنان التكشيلى وليد عونى، الذى لم يقتصر مشواره وتاريخه الفنى فى مجال الرقص على شخصيات أدبية وتشكيلية وغنائية فقط، بل تناول أيضا شخصيات صوفية وتخطى بتفسيره للرقص المعاصر حدود شكله الظاهرى.
يرجع تاريخ نشأة وليد عونى إلى حدود بلاد قونيا بتركيا فيقول «اكتشفت جذورا لعائلتى بقونيا المكان الذى خرج منه جلال الدين الرومى فوالدى اسمه تحسين باشا عفنى».. هاجر والده إلى لبنان وانجبه وأخواته هناك، حمل الجنسية الفرنسية ثم عاش ببلجيكا وتخرج فى الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسل عام 1977، أسس فريق «التانيت» للرقص المسرحى ببروكسل وقدم به 12 عرضا منها «جبران هاكسل»، «ثلاث معالجات لفرويد»، «روميو وجوليت»، «لقاء»، ثم أبدى مصمم الرقصات العالمى موريس بيجار إعجابه الشديد به وطلب التعاون معه فى مجال الفنون والديكور والأزياء فى الفترة من 1984 وحتى 1988، قدم وقتها عروض «قصة جندى»، «صلاة من أجل المستقبل»، «باريس - طوكيو»، و«هاراجوكو»، ثم جاء إلى مصر مع موريس بيجار عقب الدعوة التى وجهها إليه وزير الثقافة وقتها فاروق حسنى لتقديم عرض «إيقاع الأجيال» بدار الأوبرا بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر، وقد عاد إليها مرة ثالثة عام 1991 لتقديم عرض «ليالى أبى الهول الثلاث» وفى المرة الرابعة عهد إليه الدكتور نصر الأنصارى رئيس دار الأوبرا بتشكيل فريق الرقص المسرحى الحديث.
انطلق وليد عونى بالفريق وقدم عروض «تناقضات» «سقوط إيكاروس».. والذى قال عنه عونى وهو يروى ذكريات بداياته: «بعد هذا العرض تعرضت لانتقادات شديدة اللهجة من النقاد وقيل لى وقتها وليد عونى «go home» كان عرض غريب وغير مفهوم ولم يتقبله المصريون بسهولة لأنه ميثولوجيا يونانية وكان لديهم حق فى ذلك، لأننى كنت مازلت متأثرا بعودتى من أوروبا ومتشبعا بالفكر الأوروبى وشكل الرقص الحديث الذى ظهر هناك بالثمانينيات والتسعينيات، حتى بيجار نفسه كان يهاجم بأوروبا لأنه كان معاصرا، وتعرضت لهجوم بأوروبا أيضا بسبب تناولى لموضوعات دينية وشرقية حتى اعترفت وزارة الثقافة ببلجيكا بموضوعاتى بعد 6 سنوات فقدمت «عبد الوهاب البياتي»، «رابعة العدوية»، و«جبران»، لكن المفكرين المصريين والصحفيين لايمكن أن أنكر وقوفهم بجانبى فى البدايات، فبعد الهجمة الأولى من «سقوط إيكاروس» ذهبت إلى سويسرا ووقتها نصحنى بيجار بالعودة وضرورة تناول موضوعات ذات صلة بتاريخ البلد وحضارته وسياسته والسينما الخاصة به، وقال بهذه الطريقة سوف استطيع أن أكسب المصريون وهو ما حدث فعلا، قدمت الثلاثية المصرية «تحية حليم»، «شادى عبد السلام»، ثم «نجيب محفوظ» فى ثلاث عروض متتالية.. وقد كان».
يحتفل عونى هذا العام بمرور 25 سنة على تأسيس فريق الرقص المسرحى الحديث بمصر، ويتمنى بهذه المناسبة أن يتمكن من إعادة عرض «سقوط إيكاروس» الإنتاج الأول والمواجهة الأولى مع الجمهور المصرى، لأنه يرى فى إعادته قيمة فنية كبيرة خاصة إذا تمت دعوة بعض ممن شاركوا بالرقص فيه يقول: «أرى الاحتفال بـ25 سنة على تأسيسى الفريق سنوات مرت سريعا لكننى حققت خلالها استفادة كيانية خرج القرار عام 1992 ثم تأسس الفريق رسيما 1993 قدمنا وقتها «سقوط إيكاروس» وبالطبع أفكر جديا فى دعوة كل من شارك معى بالرقص فى هذا العرض وهم حاليا اسماء وقامات كبيرة منهم الدكتور أحلام يونس رئيسة أكاديمية الفنون، نانسى التونسى، كريم التونسى، وكذلك المخرجة نورا أمين»
ويواصل: «عندما أتيت إلى مصر بدأت بتقديم الشخصيات أولا لكن فيما بعد قدمت عروضا أخرى حرصت على كتابتها بنفسى مثل «الأفيال تختبئ لتموت»، «تحت الأرض»، «قصة نجاة تحت البحر»، «أغنية الحيتان»، كل هذه كتاباتى وتفكيرى خروجا عن الشخصيات كنت أرى أنه لابد أن أقدم شخصية وليد عونى الكريوجراف المسرحى لأن كل مصمم لابد أن يعبر عن نفسه وعن فكره حتى لا أكرر نفسى بشكل نمطى فكنت أقدم شخصية مصرية ثم كيف يفكر وليد عونى؟!
وتابع: «ليس هناك رسالة من أعمالى أريد فرضها على الجمهور بينما لابد أن يفسر كل شخص عملى حسب ثقافته لأننى أطرح الجواب وليس السؤال، لذلك هى مسألة معقدة لأننى أقدم اشياء يقرأها الجمهور كما يشاء، فأنا لا أمنحه شيئا، وأحيانا قد أضيف على الشخصية أشياء ليست لها علاقة بشخصية العرض الرئيسية فعلى سبيل المثال عندما قدمت نجيب محفوظ وضعت به أجزاء من دانتى وهو ليس له علاقة بنجيب محفوظ لكننى رأيت العمل كذلك، فدانتى قد لا يهم محفوظ لكنه يهمنى، وبالتالى يحق لى أن أضعه بالعمل، ولم أنشغل بالاستعانة من كتابات أحدهم بل أقوم بنحت الشخصية ومحورتها ثم أخلقها من جديد لكن لا يمكن أن آتى بكتب الثلاثية لنجيب محفوظ وأقدم شخصياتها على المسرح لأن هذا ضد الابتكار، فمثلا قدمت ثلاث نسخ من الرقص المعاصر عن شادى عبدالسلام، وفى كل نسخة قرأت شادى عبدالسلام قراءة مختلفة لم تشبه الأخرى، فى النسخة الأولى قدمت استخدامه للزاويا السينمائية، والثانية كانت رؤيتى عنه كمصمم لشخصية شادى عبدالسلام، وفى الثالثة قدمت كيف رأى المومياء فى عمله السينمائى، عندما شاهدوا العرض بالصين كانوا مبهورين للغاية فى حين أنهم لا يعلمون من هو شادى عبد السلام..!!»
ترك وليد عونى منصبه كمدير لفريق الرقص المسرحى الحديث عام 2012 بعد إندلاع ثورة 25 يناير، وبدأ الفريق يعانى وقتها من حالة هبوط فنى ملحوظ إلى أن تولى إدارته المخرج الشاب مناضل عنتر، بدأ حال الفريق يتغير تدريجيا واتبع مناضل فلسفة وأسلوبا جديدا خلفا لأستاذه، لكن رغم اعتراض عونى على فلسفة الفريق الجديدة بتقديم روايات وأعمال تحمل دراما أكثر من الأفكار إلا أنه أبدى إعجابه بما حققه الرقص المعاصر من نجاح وقال: «الرقص الحديث بعد 25 سنة كان لابد أن يصل إلى تطور كبير ولا نقف فى أماكننا بلا حركة، لكن بالطبع هناك تطورا كبيرا فى بعض العروض التى قدمها الفريق قدموا أعمالا جيدة جدا، بينما جرت العادة بعروض الرقص المعاصر حول العالم أننا لا نقدم أشياء تخص الواقع فكل شىء سياسى له علاقة بالحاضر أو أصبح موضة متبعة ليس صحيحا أن يتم وضعه على المسرح، فمن المهم كما ذكرت أن يكتب المصمم ويقدم أعمالا تعبر عنه وعن فكره، لأن الرقص فى رأيى لا يحمل دراما معقدة، بل تأثيره ينبع من قوة التمثيل بلا حكى، بمعنى أن احكى بالدراما، فعلى سبيل المثال كنت احكى على ألحان أم كلثوم وليس على صوتها فهنا تأتى قوة التمثيل دون حكى، لأن هناك مناطق بالفن لابد أن نحترمها».
قبل أن يغادر عونى منصبه بدار الأوبرا أسس أيضا فريق «فرسان الشرق» ولكن كان لهذا الفريق فلسفة مختلفة عن الرقص المعاصر عند تأسيسه، والتى كانت تقوم على تناول التراث المصرى فى عروض راقصة لكن مع استمرار الفريق بعد رحيله انحرف عن فلسفته الأساسية كما ذكر.
 «فرقة الفرسان انحرفت عن عملها الأساسى كنت أحب أن يصير الفريق للرقص التراثى المصرى وعرض «الشارع الأعظم» كان بداية، عندما اقترحت فكرة الفريق قدمت وقتها ملفا للوزارة بستة عروض كاملة كانت تخص العصر العباسى، والمملوكى والفاطمى، لكن اليوم يعتمد الفريق فى عروضه على الإبهار التراثى وهو أكبر خطأ وقع فيه الفريق، وأذكر أن كريمة بدير كانت تقدم التراث بشكل مختلف وكانت لها رؤية واضحة، أما اليوم إذا حذفنا الملابس والديكور من شغل الفرسان فسيكون العمل رقصا معاصر، وأذكر عندما قدمت «شهرزاد» كان عملا عربيا شرقيا اخترعت وقتها شخصية مختلفة غير شهرزاد التى يحكى عنها الكتاب، سافر العرض تونس وإيطاليا ويومها لم تصلنا الملابس فقررنا تقديمه بملابسنا العادية وكان من أفضل العروض التى قدمتها، فهناك فرق كبير بين الاستعراض والرقص المعاصر لأن الاستعراض يطلقون عليه كليشيه مثل برودواى، أوالفلكلور، لكن فى الرقص المعاصر نقوم بتغيير معنى الحركة ومعنى جسمك وفى كل مرة نخترع جسما جديدا على فكرة العرض، وسبق وأن عرضوا على تقديم فوازير رمضان أكثر من مرة لكننى رفضت لأنها استعراضات بسيطة جدا ومباشرة».
سبق وأشرنا فى بداية الحوار أن لوليد عونى قصة ورحلة مع التصوف وكذلك مع المخرج والكريوجراف الأشهر موريس بيجار، كان لهذه العلاقة جانب آخر وأثر لا يمحى فى تاريخه الفنى وهذا العام سيلقى محاضرة عنه بمنزله ببلجيكا كى يتحدث عن إسلامه وعلاقته بالصوفية كما قال: «تحتفل بلجيكا هذا العام بمنزل بيجار الذى تحول إلى متحف يضم أعماله ومقتنايته كما أنهم احتفوا بى بشكل خاص باعتبارى آخر من عمل معه فوضعوا لى صورا من أعمالى ووثائق بجانب صورى معه، تمت دعوتى للحديث عن إسلامه، فكان بيجار قد أشهر إسلامه بالسبعينيات بعد عودته من إيران قدم عرض «جنينة الورود» للشاعر الإيرانى السعيدى على موسيقى إيرانية إسلامية، هذا العمل غير حياتى ونظرتى لعروض الرقص المعاصر، ومن خلال هذا الرجل بدأت اتعرف على الصوفية فهو من منحنى الصوفية وأنا من منحته صوت أم كلثوم فهو أول من عرف صوت أم كلثوم لأوروبا، حصلت منه على كتب بالفرنسية لجلال الدين الرومى وتعرفت من خلاله على رابعة العدوية، وقدم عرضا كاملا عن ذى النون المصرى، والحلاج، لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979 تغيرت نظرته للإسلام من الناحية السياسية، وبعد هذا الاحتكاك معه قدمت عملى عن «رابعة العدوية»، وسوف أذهب لإلقاء هذه المحاضرة المؤجلة من العام الماضى بعد الهجوم الإرهابى الذى حدث على مطار بلجيكا فالحديث عن إسلامية بيجار خلال هذه الظروف السياسية كانت مسألة حساسة جدا لذلك تم تأجيلها لعام 2017، فهذا الرجل كان شديد الإهتمام بالتراث الدينى للشعوب، وكان يستطيع أن يمتص التراث الدينى ويحوله إلى عمل فنى سواء كان بوذيا، أو إسلاميا، يهوديا، أو مسيحيا».
وعن مدى ارتباط الرقص المعاصر بالتصوف يشرح: «الرقص كان عادة ما يرتبط بكهنة المعابد قبل أن يكون رقص الملوك فكان هناك رقص الكهنوت لدى الفراعنة يعكس اتصالات الإنسان بالكون، وجلال الدين الرومى هو أول من فهم الرقص فهما صوفيا من خلال اتصاله بالكون وأغلب الرقصات كانت تخرج من الدين، فعندما قابل شمس التربريزى بتبريز جاء من إيران ثم رحل على تبريز حدثت قصة حب إلهية بينهما وكانت أعمق علاقة صوفية فكان يقول أن الكون يرقص لأنه دائرى ومقولته الشهيرة «ارقص الكون يرقص» اتخذتها شعار بإحدى دورات المهرجان، فهذه الرقصة التى سميت برقصة الدراويش لها وضعية وحركة معينة لتجريد الجسد، بوضع اليد إلى فوق وأخرى إلى أسفل فكل ما هو فوق هو تحت، وكل ما هو تحت هو فوق، وفى النهاية يبقى الفراغ بوضع رأسك بالتوازى مع حركة الكرة الأرضية، بهذا الدوران تتم فلسفة رقصة الدراويش، لذلك أشعر أن رقصة «الفالس» مأخوذة عن رقصة الدراويش لأن الأتراك وصلوا إلى فيينا فى نفس العصر.
لم تقتصر ثراء تجربة عونى على تصميم عروض راقصة فقط، بل تفرد أيضا بجانب مهم وربما كان أساس انطلاقه وحساسيته الفنية، فعرف فى بداية حياته كفنان تشكيلى واستطاع بحرفة شديدة أن يمزج بين عمله بالمسرح والفن التشكيلى كما يقول: «ساعدنى الفن التشكيلى بالتوظيف والتقطيع المسرحى وفى تشكيل الألوان على المسرح، لأننى تخرجت من الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة وتعلمت بها كلاسيكيات الرقص، ورسم الشخصيات والجسد، وعلى سبيل المثال قدمت عرضا عن جبران لأنه كان رساما وفيلسوف، فهذا الفن منحنى رؤية فى تشكيل الحركة والفراغ والرسومات وكيفية تقدير حسابات الفراغ، لأن المسرح فكرة ومساحات وألوان، وشغلى فى الفن التشكيلى سيريالى، وما لم استطع تقديمه بالمسرح أقدمه بالرسم لأنه عالم جديد مختلف أكثر عمقا، فالمعنى يكتمل لدى بالرسم، كذلك أثر الفن التشكيلى بالطبع على إيقاع الرقص بعروضى ولا يزال يؤثر على عملى، وأغلبية العروض كانت من وحى الفن التشكيلى مثل «الأفيال تختبئ لتموت»، «فيروز هل ذرفت عيونك دمعة»، هدمت بيتا بساحة الأوبرا وقتها وكانوا يخرجون من قاعة الفن الحديث يقولون إن هذا فن تشكيلى، وكذلك كان «لو تكلمت الغيوم»، و«محمود مختار»، «قصة نجاة»، فى أوروبا قد يكون هناك حالة تطور أكبر فى قراءة الفنون التشكيلية لطبيعة المجتمع المتطورة والمنفتحة لكن المجتمع الشرقى لديه ما يمنعه من التطور، فلا أرى مانعا بأن نكون مؤمنين ونصلى ونصوم وفى نفس الوقت «مودرن» متطورين ومتقبلين للتغيير، فالإيمان بالله لايمنع التطور، و«أنا أحب الله وما بدى اخاف منه».
وأخيرا وليس آخرا يستعد وليد عونى لإخراج عرض كبير للأطفال تابع لمدرسة أوزيس عن قصة فيلم «Charlie and the chocolate factory» وهو عرض موسيقى غنائى راقص من المقرر تقديمه على خشبة مسرح دار الأوبرا يوم 20 فبراير الجارى، وسبق وأن قدم مع نفس المدرسة عروض بنفس الشكل بتحويل قصص أفلام الأطفال إلى أعمال مسرحية غنائية مثل «آليس فى بلاد لعجائب»، «أحدب نوتردام»، و«صوت الموسيقى».